انتهت مواجهة باريس سان جيرمان وبايرن ميونيخ ضمن إطار منافسات دوري أبطال أوروبا بفوز الفريق البافاري بهدف وحيد، أحرزه الكاميروني شوبوموتنج في آخر دقائق شوط المباراة الأول، لكنّ هدفاً واحداً لم ينقل البافاري للدور نصف النهائي من البطولة، حيث صار مجموع المباراتين (3-3)، لكن فريق العاصمة الفرنسي سجل خارج ملعبه ثلاثة أهداف، وهو ما أعطاه أفضلية الصعود في حالة التعادل في مجموع نتيجة المباراتين.
مباراة العودة في العاصمة باريس كانت مليئة بالندية والغزارة التكتيكية والمهارات الفردية، ربما تكون تلك المباراة واحدةً من أفضل مباريات دوري أبطال أوروبا على الإطلاق، ذكرتني بمباراة بايرن ميونيخ ويوفنتوس في دور الـ16 في دوري أبطال أوروبا 2016، مواجهة هانزي فليك وبوكيتينو، كانت شبيهة بمواجهة أليغري وبيب غوارديولا، فكانت مواجهة دسمة على الصعيد التكتيكي.
دون إضاعة للوقت، هيا بنا لنتحدث عن تلك المباراة من منظور فني بشكل أكثر عمق.
تشكيل الفريقين
تشكيل الفريق الضيف بايرن ميونيخ.
في حراسة المرمى مانويل نوير، أمامه رباعي دفاعي مكون من بافارد وبواتينغ ولوكاس هيرنانديز وألفونسو ديفيز، أمامهم ثنائي في الوسط ديفيد ألابا وكيميتش، ثلاثي هجومي مكون من ليروي ساني وتوماس مولر وكومان أمامهم شوبوموتينج كرأس حربة.
أما باريس سان جيرمان فبدأ بوكيتينو المباراة برسم فني 4-2-3-1 حيث كايلور نافاس في حراسة المرمى، أمامه رباعي دفاعي مكون من داغبا وبيريرا وكيمبمبي وديالو، ثنائي في الوسط باريديس وأدريس غاي، أمامهم ثلاثي مكون من دراكسلر ونيمار ودي ماريا، وفي الأمام كليان مبابي مهاجم صريح.
أثناء الضغط العالي لباريس سان جيرمان على الفريق البافاري، كان نيمار مكلفاً برقابة كيميتش لعزله عن الفريق، بينما إدريسا غانا مكلف برقابة ديفيد ألابا، في حين عندما يتحرك كيميتش على الأروقة كان يتم تفريغ العمق تماماً، وفي هذه الحالة نرى بافارد الظهير الأيمن يتقدم بالكرة في عمق الملعب بسهولة.
بتجميع اللعب في الجهة اليسرى لبايرن ميونيخ، من أجل سحب لاعبي باريس إليها، ثم تحويل الكرة إلى الجهة العكسية تماماً عن طريق التمريرات القطرية تجاه ساني في الجهة اليمنى، كان يتحقق التفوق المركزي لبايرن ميونيخ في الحالة الهجومية، وذلك بعد تمركز توماس مولر وشوبوموتنج وكومان في القنوات الثلاثة، لإجبار الرباعي الخلفي لباريس على التقارب، من هنا يصل الفريق البافاري للثلث الأخير. (صورة 1)
بعد الوصول بالكرة للثلث الأخير، كان للحركية نصيب كبير في بث العشوائية في دفاع باريس، خاصةً لو كان وراء ذلك توماس مولر، مترجم المساحات، نشاهد هنا في هذه اللقطة (صورة 2)، توماس مولر قام بسحب قلب الدفاع معه ليصنع فجوة كبيرة بين قلبي الدفاع من السهل مهاجمتها بواسطة ساني، في نفس الوقت هناك شوبوموتنج، قام بتثبيت قلب الدفاع الآخر مع الظهير الأيمن ليحرر كومان هناك، لاعبو البايرن أذكياء للغاية في استقبال العرضيات بتلك الطريقة، بصناعة التفوق المركزي في ظهر المدافع الرابع.
اعتمد فليك على فكرة مكررة للوصول إلى الثلث الأخير من الملعب بالكرة في وضعية خطيرة، رسم الفريق أثناء حيازة الكرة كان أشبه بـ4-2-4، الرباعي الخلفي ثابت، من أجل التصدي للتحولات، ثنائي في الوسط (كيميتش وديفيد ألابا) ورباعي هجومي. (صورة 3)
كما اعتمد فليك على إرسال الكرات الطولية لكومان في ظهر خط الدفاع الفرنسي، ووقع الاختيار على الجناح الفرنسي لسرعته الفائقة وقدرته على الاحتفاظ بالكرة تحت الضغط.
ضغط بايرن ميونيخ
الضغط العالي للبايرن هو حالة أشبه بالضغط المطلق، كل لاعب من فريق باريس مراقب بلاعب من البايرن، ما عدا باريديس، لاعب الارتكاز للفريق الفرنسي. لأنه كما هو موضح في (صورة 4) قام ليروي بالضغط بشكل مندفع وعمودي على الكرة، ولم يهتم بغلق زاوية التمرير لباريديس في العمق، أي ضغط بغريزته فقط.
بعد ذلك استطاع باريديس تكوين مثلث مع دي ماريا ونيمار على الجبهة اليسرى، ليذهبوا بكيميتش إلى الهاوية، تكوين المثلثات بشكل مستمر يجعل تدوير الكرة مستمراً أيضاً ويصعب بطلانها.
بعدها تسلم دي ماريا الكرة من باريديس، ثم أعادها له مرة أخرى بعدما استفز بافارد للضغط عليه ليتم تفريغ مساحة لنيمار، "الرجل الثالث" في هذه الحالة. (صورة 5)
أما في الحالة أدناه الموضحة في (صورة 6) فيتم تدوير الكرة من قبل كتيبة فليك، مع ما يمكن تسميته بـ"ضغط غريزي" من نيمار ومبابي على حاملي الكرة، وليس ضغطاً موجهاً، وهنا نرى إدريسا غاي يضغط على كيميتش، ليتحرك مولر بين الخطوط ليكون خيار تمرير عمودياً، فيشوش على إدريسا الذي يترك كيميتش ويذهب للضغط على مولر، ويتم تحرير كيميتش في عمق الملعب، ويتسلم الكرة ويرسل القطرية لكومان كالعادة.
ديفيد ألابا كان وزير فليك في هذه المباراة، لعب في أكثر من مركز بأكثر من وظيفة، ارتكاز مساند، لاعب حر بين الخطوط، ظهير وهمي في الشوط الثاني، وكان يقوم بأدوار الظهير في الشوط الأول في بعض الحالات.
في لقطة الهدف، كومان يمدد الملعب عرضياً، وسحب معه ظهير باريس، ليترك مساحة في ظهره، يتحرك فيها ألابا محاولة منه لصنع حالة "أندر لاب".
بعد لعب العرضية انظر لتمركز ديفيد ألابا، لاعب وسط يقوم بعمل اختراق طولي للمنطقة، ويسكن العمق الجانبي، طبعاً ليست مفاجأة بأن من أسند له الكرة هو توماس مولر، المتخفي في المساحة أمام قلبي الدفاع.
إبداع باريس سان جيرمان
في المقابل، أبدع لاعبو باريس سان جيرمان في الخروج بالكرة من ضغط البايرن في المباراة وفي أكثر من حالة، هنا نرى ضغطاً في صورة رسم 4-4-2، لكنه ضغط غير متماسك، خطوط الفريق مهلهلة، هناك مساحة كبيرة بين خط الدفاع وخط الوسط، نشاهد أن هناك ثلاث زوايا تمرير في القنوات لحامل الكرة، لكن تمركز إمبابي على خط الوسط مهم جداً هنا، لإجبار خط دفاع باريس على السكون وعدم الضغط على زملائه بين الخطوط، ما يتيح لهم حرية أكبر.
التحولات كانت على قدم وساق في تلك المباراة، هنا (صورة 7) مثلاً حالة تحول هجومي للبايرن، بواتينج يقوم بعمل تغطية عمودية واستباق للعب على نيمار، ثم يقود التحول ليجد زاويتي تمرير بين الخطوط، ليقرر التمرير لشوبوموتنج، الذي يضغط عليه قلب دفاع باريس كيمبيمبي، محاولة منه لعمل تغطية عمودية، لكن شوبوموتنج ينجح في تخطيه بتمريرة لساني في العمق، هناك توماس مولر يطلب الكرة في الجانب الأعمى لقلب الدفاع، لكن ساني يقرر التسديد.
و(الصورة 8) أدناه، حالة تحول هجومي أخرى للبايرن، عمق الملعب فارغ تماماً، يصل ساني بالكرة على حافة المنطقة، هناك لاعبون من البايرن أحرار في الـ zone 14 أخطر منطقة في الملعب، لكنه يراوغ ويسد.
وفي آخر لحظات المباراة، فرصة هدف قاتل للبايرن، لكن ساني يتخذ القرار الأصعب.
أما (الصورة 9) أدناه فهي حالة تحول هجومي لباريس، الكرة مع دي ماريا وهناك ضغط عكسي عليه من بافارد، الظهير الأيمن، ومحاولة من ألابا وكيميتش لغلق زاوية التمرير إلى دراكسلر، لكنه يضرب بذلك عرض الحائط، بتمريرة عمودية لنيمار بين الخطوط.
ثم يعيدها له نيمار مرة أخرى، بعدما سحب قلب الدفاع بواتينج للضغط عليه، ليسهل لعب التمريرة لمبابي الرجل الثالث هنا.
وفي عملية بناء الهجمات من طرف باريس سان جيرمان، دي ماريا يسقط للعمق لتسلم التمريرة العمودية من باريديس، ويسحب معه بافارد للضغط عليه، ينجح دي ماريا في معركة الزمن، ويضرب ضغط البايرن بتمريرة لنيمار بين الخطوط، ثم تتم مهاجمة المساحات في الخلف، خاصة المساحة الخاصة ببافارد.
من ظواهر المباراة الغريبة، أن في أكثر من لقطة، يسبق نيمار لاعبي البايرن في عملية التحول، رغم الارتداد السريع المعتاد للاعبي البايرن، إلا أن نيمار سرقهم في أكثر من مرة.
خاتمة
مواجهة ذات انطباع خاص، من الصعب ألا تتعلق بأذهان الجماهير، كانت عبارة عن عرض فني ممتع، ربما تم التأكيد من خلالها أن باريس يصبح أقوى عندما يلعب دور الـ"under dog"، لأن ذلك يسمح لهم بممارسة تحولاتهم المرعبة، أيضاً هانز فليك كسب احترام الجميع، خرج من البطولة برأس مرفوع، ظلّ يحاول لآخر ثانية في المباراة، 180 دقيقة، شاهدنا فيها كرة قدم حقيقية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.