يعلم الخاص والعام في الجزائر أن السلطات العليا في البلاد هي من تُعيّن عن طريق الانتخاب رؤساء الاتحادات الرياضية وعلى رأسها اتحادية كرة القدم الجزائرية الذي يعدّ الأهم، لما له من تأثير في الشارع وقدرة على التحكّم في الجماهير وعلاقتها المباشرة بالأوضاع السياسية والاجتماعية في بلد مثل الجزائر.
ويتذكر المتتبعون جيداً كيف أطاح المستشار بوتفليقة السابق وشقيقه السعيد بوتفليقة بالرجل القوي في الرياضة الجزائرية محمد روراوة سنة 2017 وكيف فرض خير الدين زطشي كبديل له في انتخابات كان هو مرشحها فوق العادة.
ولأن التاريخ يعيد نفسه جرى على زطشي ما جرى على روراوة فرفضت السلطات الجديدة استمراره على رأس اتحادية كرة القدم الجزائرية رغم النجاحات الكبيرة التي حققها محاربو الصحراء في عهده بنيلهم كأس أمم إفريقيا.
انتخابات محسومة
حسب مصادر "عربي بوست" فإن رئيس اتحادية كرة القدم الجزائرية المنتهية ولايته خير الدين زطشي وسّط الناخب الوطني جمال بلماضي لدى رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون شخصياً من أجل البقاء في منصبه لفترة ثانية.
وفعلاً أكد تبون في لقاء تلفزيوني لقاءه بجمال بلماضي دون أن يكشف فحوى ما دار بينهما.
وحتى الآن ومنذ فتح باب الترشح لخلافة خير الدين زطشي على رأس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم لم يتقدم سوى رئيس نادي شباب بلوزداد شرف الدين عمارة لوضع ملفه لدى لجنة الترشيحات.
ويتحدّث المتابعون عن حسم السلطات الجزائرية أمرها بتعيين شرف الدين عمارة على رأس اتحادية كرة القدم الجزائرية بالتوافق مع الناخب الوطني جمال بلماضي الذي يملك شعبية جارفة في الجزائر.
ويستدل العارفون بخبايا كرة القدم في الجزائر على أن عمارة هو من سيخلف زطشي، بتراجع الكثير من الشخصيات التي أعلنت سابقاً اعتزامها الترشح لهذا المنصب وعلى رأسهم وليد صادي المقرب من روراوة وعمار بهلول المقرب من زطشي.
يقول الصحافي المختص في الشأن الرياضي بلال بوزيدي إن "كل المؤشرات والمعلومات المعلنة والخفية تؤكد وتثبت أن المسار يتجه بخطى ثابتة نحو مرشح وحيد ألا وهو شرف الدين عمارة الرئيس والمدير العام لمجمع مدار المالك لنادي شباب بلوزداد".
ويضيف بوزيدي في تصريح لـ"عربي بوست" أن "الطريقة التي تكتّل بها بعض أعضاء المكتب المنتهية ولايته تؤكد أن شرف الدين عمارة نال تزكية غير مباشرة وغير معلنة ليكون مرشح السلطة، فعندما ينسحب عمار بهلول رئيس رابطة عنابة كمرشح ويتم انضمامه لمكتب شرف الدين، وكذا تطعيم القائمة بأسماء أخرى كحكيم مدان ومحمد غوثي، فهذا حدث بعد تأكّدهم أن شرف الدين يحظى بدعم السلطات العمومية بحكم أنه واحد من إطارات الدولة الجزائرية الناجحين في الجانب التسييري".
من جهته يرى الصحافي الرياضي رضا عباس أن "موعد انتخاب رئيس جديد للاتحادية الجزائرية لكرة القدم وهو الخميس القادم سيشهد مهزلة أخرى من مهازل الكرة الجزائرية".
وتوقّع عباس في تصريح لـ"عربي بوست" أن "تكون الانتخابات مجرد مسرحية معلوم فيها من هو الفائز مسبقاً باعتبار السلطة السياسية قررت من سيكون خليفة خير الدين زطشي وهو شرف الدين عمارة".
انتخابات اتحادية كرة القدم الجزائرية
رغم أن لجنة الترشيحات تسلمت ملف المرشح الوحيد شرف الدين عمارة قبل يومين، فإن رئيسها عبدالمجيد ياحي خرج بتصريح مفاجئ يفتح الباب على كل الاحتمالات، بحيث قال إن "عمارة لا يستوفي الشروط القانونية ليكون مرشحاً للمنصب" مشيراً إلى أنه "اضطر لقبول الملف بعد تعرضه لضغوطات من أعضاء لجنة الترشيحات".
وفي هذا الصدد لا يستبعد الصحافي الرياضي بلال بوزيدي عامل المفاجأة فيقول "معرفتي المتواضعة والبسيطة بطريق انتخاب رئيس اتحادية كرة القدم الجزائرية تؤكد حضور عنصر المفاجأة، فمثلاً الرئيس السابق خير الدين زطشي ترشح في آخر يوم ليصبح المرشح الأوفر حظاً، قناعتي أن الرئيس الذي يعرف قبل أيام نادر جداً في تاريخ الفاف" وشرف الدين عمارة سُرب خبر ترشحه قبل أسبوع أو أكثر من عقد الجمعية العامة العادية، وهذا ما منح الوقت الكافي لرجال الصحافة للبحث والتدقيق في أحقيته وتوافر شروط ترشحه، وهذا خلق ضغوطات كبيرة حتى على لجنة الترشيحات".
وكشف بوزيدي لـ"عربي بوست" أنه يتوقّع مفاجأة تخلط كامل الأوراق بحيث يتم "الذهاب لمكتب تسيير مؤقت لتكييف القوانين التي طالبت بها الفيفا واشترطت أن تتم قبل الجمعية الانتخابية، وهذا سيناريو وارد جداً وله دلالات كثيرة تؤكده، أو تُترك الجمعية الانتخابية لعقد لقائها، ثم تتدخل الوزارة لإلغائها والذهاب لمكتب تسيير مؤقت، وتنصيب لجنة مؤقتة تشرف على تسيير اتحادية كرة القدم الجزائرية والتحضير بهدوء لعقد جمعية استثنائية لتكييف القوانين، لتفادي عقوبات الفيفا، وقد تمتد فترة هذه اللجنة لسنة، كما حصل في مصر على سبيل المثال".
الفيفا يراقب
أوقف الاتحاد الدولي لكرة القدم مؤخراً عدة اتحادات إفريقية محلية بسبب تدخّل الحكومات في شؤونها، ولا تبدو الجزائر بعيدة عن أنظار الفيفا الذي يراقب الوضع عن كثب ما قد يحدث الخميس القادم عند عقد الجمعية العامة لانتخاب خليفة لخير الدين زطشي.
ويرى الصحافي رضا عباس أن "الجزائر غير معنية بعقوبات الفيفا باعتبار الأخير يفرض عقوبات بسبب التدخلات المباشرة في تسيير الاتحاد المحلي، لكن ما يحدث في الجزائر حالياً هو كولسة ومحاولة تنصيب رئيس جديد عن طريق التعيين أولاً خلف الستار ثم انتخابه من طرف الجمعية العامة بطريقة قانونية".
وعلى النقيض من ذلك يعتقد الصحافي المختص في الشأن الرياضي بلال بوزيدي أن عدم تكييف القوانين مع لوائح الفيفا قد يجعل الجزائر عرضة لعقوباته رغم أن الوصاية حريصة على تفادي ذلك.