لم تكن إدارة نادي أتلتيك بلباو الإسباني تعتقد أنّ التعاقد مع المدرب مارسيلينو، غارسيا تورال منذ أيّام قليلة سيكون موفقاً إلى هذا الحد، ولا يبدو أنّ المدير الفني الإسباني نفسه كان يتوقع هذا النجاح في وقت سريع.
فقد قاد مارسيلينو فريقه الجديد، خلال 3 مباريات، منها مباراتان ضد برشلونة وأخرى ضد ريال مدريد، ورغم صعوبة اللقاءات والفاصل الزمني القصير بينها، فقد فاز مرّتين وحصد لقباً.
ورغم البداية الصعبة، حيث خسر أتلتيك بلباو في أول مباراة بقيادة مارسيلينو، بنتيجة 2-3 أمام برشلونة في الدوري، فإن الوضع انقلب كليّاً حيث نجح الفريق في الانتصار على ريال مدريد في نصف نهائي السوبر بنتيجة 2-1، ثم تغلّب على برشلونة في النهائي، أمس الأحد، بنتيجة 3-2 في لقاء بلغت فيه الإثارة أعلى المستويات بما أن فريقه كان متأخراً في النتيجة في مناسبتين.
وفي ظرف ثلاثة أيّام فقط، تمكّن مارسيلينو من قيادة فريقه إلى الانتصار على أفضل فريقين في إسبانيا، وتأزيم وضعية مدربي الفريقين؛ الفرنسي زين الدين زيدان من جانب ريال مدريد الذي عانى كثيراً أمام بلباو، والهولندي رونالد كومان من جانب برشلونة الذي يضعف موقفه بشكل متدهور. وكان مارسيلينيو سبباً في إقالة كومان من تدريب فالنسيا بعد أن هزمه مع فريق راسينغ، وقد يكون سبباً في إقالته من تدريب برشلونة.
وتحوّل مارسيلينو إلى ما يشبه الكابوس بالنسبة إلى برشلونة بما أنّه قاد فالنسيا في 2019 إلى الفوز بكأس إسبانيا على حساب برشلونة بعد الانتصار عليه بنتيجة 2-1 في النهائي. وكان الانتصار الوحيد له ضد برشلونة في أكثر من 20 لقاء، قبل أن يعود يوم الأحد وينتصر من جديد على النادي الكتالوني، ويحصد لقباً كما في كل مرّة.
شخصيا أعتبر مارسيلينو واحداً من أفضل المدربين الذين دربوا في القطر الإسباني، عقل تدريبي مميز ومدرب يجيد إدارة في المباريات الكبيرة ويدير غرفة ملابس فريقه بشكل جيد جداً ويحصل على ثقة اللاعبين.
حكاية مارسيلينو
تجربة مارسيلينو التدريبية بدأت من فريق يدعى ليالتاد في الدرجة الثالثة الإسبانية قاده للصعود للدرجة الثانية، حلمه كان واقعياَ متدرجاً بعدد درجات سلم الأمل، وبأقل الإمكانيات قاد فريق ليالتاد إلى دوري الدرجة الثانية للمرة الأولى في تاريخه.
استلم مارسيلينو بعد ذلك مهمة تدريب فريق سبورتنغ خيخون وكان قريباً جداً في موسمه الأول من الوصول بالفريق للدرجة الأولى، لكن فصله عن ذلك الحلم 6 نقاط فقط.
في تجربة أخرى، أكثر نجاحاً وثراء، قدم مارسيلينو موسماً "مرعباً" مع فريق راسينغ سانتاندير حين احتل المركز السادس في جدول الدوري الإسباني كأفضل مركز يحصل عليه الفريق منذ أكثر من سبعين سنة، ووصل لنصف نهائي كأس إسبانيا وتأهل لكأس الاتحاد الأوروبي لأول مرة في تاريخ النادي.. والعديد من التجارب التي كانت تبدو كمعجزات حقق فيها مارسيلينو كل ما هو ممكن، كما فشل في بعض التجارب، وهي بالمناسبة قليلة جداً.
لنعد لسنة 2017، لقد مر من الزمن موسمين على آخر مرة حقق فالنسيا نتائج جيدة وتحديداً في موسم 2014-2015 حين احتل الفريق المركز الرابع في الدوري.. الأخبار تقول إن مارسيلينو قادم لتدريب الفريق، عناوين الصحف في فالنسيا لا أمل لديها.. كيف لا والفريق غير جهازه الفني لثلاث عشرة مرة خلال خمس سنوات وكل لاعب لا يعلم كيف سيندمج ولا أحد يفهم ما يجري في كهوف الخفافيش.
حين جاء مارسيلينو كانت خطاه ثابتة، رجل يعلم جيداً ماذا يفعل. فأرسل لكل لاعب في منزله نظامه الغذائي المحدد مع رسالة لعائلته كان فحواها أن تساعده على تقبل هذا الأمر والصبر حتى نجاحه ورسالة تشجيعية للاعب.
ما يجعل مارسيلينو شخصاً ناجحاً هو صرامته التدريبية والإدارية واهتمامه بكافة التفاصيل الخاصة بلاعبيه. ابتداء من وضعه وإشرافه على نظام لاعبيه الغذائي، فهو شخص لا يتسامح أبداً مع زيادة الوزن، فاللياقة البدنية أمر مقدس بالنسبة له. وهذا ما ذكره للاعبي فالنسيا في أول جلسة جمعتهم حين قال لهم إن أي شخص تتجاوز نسبة الدهون في جسمه 9.5 % ستتم معاقبته بعدم المشاركة في المباراة القادمة.
داني باريخو، قائد الخفافيش السابق، كان يود الرحيل عن الميستايا، لكن المدرب أقنعه بالبقاء والمواصلة وشرح له المشروع الذي يفكر في إنشائه في فالنسيا، ليتحدث قائد الفريق بعد ذلك عن مدربه قائلاً: "منذ بدايتي معه شعرت بشيء مختلف لا أعرف ما هو تحديداً، لكن الطريقة التي نتدرب بها مدهشة ونظرته للعبة وطريقة إعداده للمباريات مميزة.. لقد صدمت بالفعل. لذلك اتخذت القرار بالبقاء، لا أستطيع إضاعة سنة أخرى من حياتي وأنا لا أعمل مع هكذا مدرب".
مارسيلينو مدرب يحبذ ويحب الهجمات المرتدة كثيراً، يتميز كل فريق دربه بصلابته الدفاعية وهو يمجد الدور الجماعي للفريق، ودائماً ما يؤكد أن الفرد لا ينجح إلا بتوفر النظام التكتيكي والمجموعة المساندة له. فالنسيا معه شهد طفرة في عالم الكرة الإسبانية وكان خصماً شرساً لكل الفرق وعلامة صعبة أمام فرق ريادة الترتيب، وكل مشجع لذلك النادي مازال يتغنى باسم هذا المدرب، كيف لا وهو الذي وصل للمركز الرابع بقيمة صرف إجمالي لا تتجاوز الـ35 مليون يورو!
رحل عن فالنسيا بطريقة أقل ما يقال عنها إنها مجحفة مقارنة بإنجازاته وما حققه للنادي، لكنه لم يستسلم وواصل البحث حتى جاءه اتصال من أتلتيك بلباو يُعربون فيه عن رغبتهم في أن يكون مارسيلينو مدرباً للفريق، فلم يتوان لحظة في قبول العرض رغم صعوبة وضع الفريق.
ومن الدار للنار.. وجد نفسه يلعب أمام ريال مدريد في نصف نهائي كأس السوبر الإسباني وفاز عليه، ومن ثم فاز على برشلونة في النهائي، وحقق الكأس الذي حلم بتحقيقه كل مشجع باسكي، وخاصة أمام فرق بحجم البرسا والمرينغي. وكل ذلك بعد ثلاث مباريات فقط من تعيينه مدرباً للفريق.
هذه هي حكاية مارسيلينو شخص يصنع الإعجاز أينما حل وارتحل.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.