المشكلة تفاقمت حتى أضحت معضلة عويصة، بسبب التوسع المضطرد في الاعتماد على اللاعبين الذين كانوا نجوماً في حياتهم الكروية كمدربين دون النظر لما تحمله الأمور التدريبية والتكتيكية من تعقيدات على مستوى الأفكار والسلوكيات والخطط والشخصيات، وتحوّل الأمر إلى "موضة" أو "تقليعة" تقلد فيها الأندية بعضها البعض دون تأنٍّ أو تمهل. قبل كل شيء، فمن رجاحة عقل كل مسؤول في أي نادٍ البحث عن المدرب الذي يمتلك المهارة الكافية والخبرة الأكبر والكفاءة الأعلى في ترويض اللاعبين وتهذيبهم، وتحويلهم إلى مجموعة متحدة قادرة على إخراج أفضل ما لديها على أرضية الميدان، وقدرته على تسيير المباريات والتعامل مع الظروف الطارئة، ليقود فريقه نحو الأفضل.
مدربون من نوعية الألماني البارز جوليان ناغسلمان ، صغير السن عظيم الكفاءة، أصبحت نادرة بشكل كبير، خاصة في الجيل الصاعد من المدربين. طريقة هذا الألماني المبدع في تسيير فريقه ألمعية للغاية، رغم صغر سنه، حيث يعتمد على التكنولوجيا كمبدأ لرسم معالم الطريق وتبسيطها وإطعامها للاعبيه. قرأت في إحدى مقابلاته أنه يضع كاميرات في كل أركان الملعب لرصد تحركات اللاعبين، ومن ثم يعيد تشغيل الفيديو بحضورهم لإصلاح الأخطاء وعدم تكرارها مستقبلاً.. هنا تحديداً نشاهد الفرق بين المدرب الطموح صاحب الأفكار والشخصية، والمدرب الذي تم تعيينه فقط لإرثه الكروي الكبير.
بيرلو مثلاً، مدرب تم تعيينه مدرباً ليوفنتوس قبل يوم من حصوله على رخصة UEFA A، و المشكلة الأكبر من ذلك أنه كان مدرباً لفريق شباب السيدة العجوز في النادي، ولم يستمر في منصبه لأسبوعين حتى جاءت المفاجأة..
"بيرلو مدرباً ليوفنتوس".
شخصياً لستُ ضد مغامرة "الأسطورة-المدرب" لأنها أعلنت عن نجاحها من خلال تجربة زيدان كمدرب لريال مدريد، لكن المشكلة هنا أن تلك المغامرة لا يمكن زراعتها في جميع البيئات وتعميمها. زيدان، مثلاً، كان يعتمد على
حرية التصرف والاجتهاد والإبداع الفردي للاعبيه في معظم المواقف، مع حفنة من الأفكار التكتيكية. لكن قوة زيدان أنه كان واثقاً في لاعبيه لأبعد الحدود، وهنا يدخل العامل النفسي الذي أسهم بشكل كبير في صنع تاريخ زيدان المدرب.
بالعودة لسنوات المجد للفرنسي مع ريال مدريد كمدرب طبعاً سنجد أن معظم المباريات التي فاز بها الفريق كانت على السانتياغو بيرنابيو، وفي أغلب الأحيان تكون مباريات عودة، وهو ما يزيد من أهميتها. زيدان كان يبعث الطاقة والشحنة الإيجابية في اللاعبين، لأنه أستاذ متمرّس في تلك التفاصيل، ويؤكد لهم أنهم قادرون على فعلها، ليسيِّر المباراة وفقاً لمنهج لم يعد متوفراً له الآن؛ لأن اللاعبين تغيّروا، منهم من رحل، وبعضهم قد انتهوا بدنياً.
المهم أن الفكرة هنا هي الفرق بين المدرب اللاعب، والمدرب صاحب التاريخ التدريبي، أو حتى التجربة التدريبية الواسعة من أشخاص أكثر كفاءة في كيفية منح اللاعب الحرية الشخصية في اتخاذ القرار، أو الالتزام بما ينص عليه تصور المدرب وفق ما تم التدرب عليه مسبقاً، وبذلك يتم إلغاء فكرة الاجتهاد الشخصي للاعب.
فكرة تواجد مدرب لأنه أسطورةٌ سابقةٌ أصبحت مستفزةً جداً؛ لأن أسياد التكتيك وأصحاب الخبرة ينتظرون ويتحيَّنون أنصافَ الفرص على قارعة الطريق، بينما يتفنَّن البعض الآخر في التنكيل بمفهوم الكرة وتكتيكاتها وتاريخها دون حساب، لأنه أسطورة سابقة.
يقول أسطورة التدريب الحقيقية، أريغو ساكي:
"مع الأسف الناس أصبحوا يقيّمون عمل المدربين بطريقة سخيفة، هذا المدرب أفضل من ذلك المدرب لأنه فاز أكثر… ليست هكذا تسير الأمور، إن كنت تفسر الأمور هكذا فإنك لا تطوّر من ثقافتك وقدرتك على معرفة ما إذا كان هذا الفريق يستحق الفوز أم لا، أنت شخص متخلف".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.