شهد منتخب المغرب لكرة القدم في منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري انضمام 3 لاعبين جدد لصفوف الفريق بعدما غيروا جنسيتهم الرياضية، ونعني بهم زكريا أبوخلال مهاجم نادي ألكامار الهولندي، وسليم أملاح متوسط الميدان الدفاعي لفريق ستاندار دو لييج البلجيكي، وأيمن برقوق متوسط الميدان الهجومي لنادي إنتراخت فرانكفورت الألماني.. ولكن قصة أبوخلال كانت الأكثر إثارة وجذباً لانتباه جماهير فريق "أسود الأطلس".
زامل دي يونغ لمدة 8 سنوات
وُلد زكريا أبوخلال يوم 18 فبراير/شباط 2000 بمدينة روتردام الهولندية من أب ليبي وأم مغربية، وقد عاش جزءاً من طفولته، رفقة عائلته بمدينة الدار البيضاء المغربية، من سنة 2003 حتى 2006، عندما فضّل والداه نشأته في محيط يبقيه على صلة بالثقافة العربية الإسلامية.
وعادت عائلة أبوخلال الصغيرة إلى هولندا في عام 2006 لتستقر بمدينة غورينخام، حيث سجل الوالد ابنه زكريا للعب ضمن نادي إينيتس الصغير في موسم 2007- 2008، ثم انضم الطفل الصغير لنادي "فالويجك" الذي نشط معه بضعة أشهر فقط، قبل أن يعلن النادي إفلاسه، ليقرر بعدها الوالد إنشاء فريق هاوي تحت اسم "جي في في رابتيم".
وأخذ تكوين زكريا أبوخلال منعطفاً هاماً في عام 2009 عندما انضم لمدرسة نادي "فيليم 2 تيلبورغ" الذي بقي معه مدة 8 سنوات كاملة وزامل خلالها النجم الهولندي واللاعب الحالي لنادي برشلونة الإسباني، فرينكي دي يونغ.
ولفت الفتى زكريا انتباه كشافي نادي "بي إس في أيندهوفن"، فضمه النادي الهولندي العريق لمدرسته في يوليو/تموز 2017، حيث واصل تكوينه الرياضي وتألق بشكلٍ لافتٍ في موسم 2017 – 2018 مع فريق الشباب لأقل من 19 عاماً تحت إمرة المدرب الهولندي مارك فان بومل. ما جعله يتلقى عرضاً للانضمام لنادي توتنهام الإنجليزي، لكنه فضل بالتشاور مع عائلته الاستمرار مع نادي أيندهوفن، حيث لعب في موسم 2018- 2019 ضمن فريق الرديف في دوري الدرجة الثانية الهولندية.
10 دقائق كانت كافية للتعاقد مع ألكمار
وتلقى زكريا أبوخليل، في نفس الموسم، مكافأة صغيرة من مدربه السابق في فريق الشباب، فان بومل الذي ضمه لمعسكر الفريق الأول الذي خاضه بالعاصمة القطرية، الدوحة، في يناير/كانون الثاني 2019، ثم منحه فرصة المشاركة في أول مباراة في الدوري الهولندي الممتاز يوم 12 مايو/أيار من نفس العام لما دخل بديلاً لزميله غودي غاكبو في الدقيقة الـ80 من المباراة التي انهزم فيها الفريق أمام نادي ألكمار (0-1).
ويبدو أن الدقائق الـ10 التي خاضها في تلك المباراة كانت كافية للفت انتباه مسؤولي الفريق المنافس، بحيث تعاقد معه نادي ألكمار في أغسطس من عام 2019 لمدة 4 سنوات، مقابل 600 ألف يورو، لكن توقف الموسم الرياضي في هولندا في شهر مارس/آذار 2020، بسبب جائحة كورونا جعلت الفتى المغربي يكتفي بخوض 15 مباراة رسمية فقط مع فريقه الجديد، لم يسجل خلالها أي هدف.
ويبدو أن زكريا يسير حالياً نحو إنجاز موسم أفضل من سابقه، بعدما بدأ الموسم الجديد (2020-2021) باللعب ضمن فريق الرديف، فأصبح لاعباً أساسياً في الفريق الأول لألكمار منذ رحيل مواطنه الجناح الأيسر أسامة الإدريسي نحو نادي إشبيلية الإسباني في مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بحيث شارك في 5 مباريات في الدوري الهولندي الممتاز، سجل خلالها هدفين.
زكريا بين هولندا والمغرب
وعلى غرار معظم اللاعبين المغاربة المولودين بأوروبا فقد بدأ زكريا أبوخلال مشواره الدولي باللعب ضمن منتخبات الفئات الصغرى لبلد مولده هولندا، وقد تألق بشكلٍ أكثر ضمن منتخب الناشئين الذي شارك معه في 12 مباراة دولية في موسم 2016-2016، سجل خلالها 5 أهداف، وخاض رفقته بطولة أمم أوروبا لكرة القدم لأقل من 17 عاماً التي جرت في سنة 2017 بكرواتيا، وبلغ خلالها منتخب هولندا الدور ربع النهائي.
وبالمقابل، لم يكن ظهور أبوخلال مع منتخب هولندا للشباب لأقل من 20 عاماً بنفس درجة التألق التي كان فيها مع منتخب الناشئين بحيث اكتفى في موسم 2019- 2020 بخوض 5 مباريات فقط سجل خلالها هدفاً واحداً.
من احتياطي هولندا إلى هداف مع منتخب المغرب
ومن مفارقات المشوار الرياضي لزكريا أبوخلال، والتي نلاحظ من خلالها التطور السريع لمستوى اللاعب الشاب، أنه بقي على كرسي الاحتياط طيلة المباراة التي خاضها منتخب هولندا لأقل من 20 عاماً أمام نظيره لجمهورية التشيك، يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، لكن عاماً واحداً بعد ذلك وبالضبط يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، نهض زكريا من كرسي احتياط منتخب المغرب الأول ليدخل بديلاً لزميله أشرف حكيمي في الدقيقة الـ59 من المباراة التي فاز بها "أسود الأطلس" على منتخب جمهورية إفريقيا الوسطى لحساب تصفيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم 2021، بنتيجة أربعة أهداف لواحد.
ولعل الأجمل ما في هذه القصة أن الهدف الرابع للمغرب قد حمل توقيع زكريا بعد 5 دقائق فقط من دخوله أرضية الميدان، ليكون بذلك أبوخلال قد دشن بدايته الدولية مع منتخب المغرب بأفضل طريقة ممكنة، بعدما كان قبل شهر واحد فقط، ضمن قائمة 3 منتخبات مختلفة وهي منتخب هولندا للآمال (أقل من 21 عاماً) ومنتخب ليبيا ومنتخب المغرب. وقد أكد اللاعب من خلال منشور على حسابه الشخصي على موقع "إنستغرام" أن اختيار اللعب لمنتخب المغرب كان القرار الأفضل لمشواره رياضي.
وبما أنّ معظم القصص الجميلة تتخللها بعض الأحداث والمواقف الدراماتيكية، فإنّ اختيار زكريا أبوخلال اللعب لمنتخب بلد والدته المغرب، بدل منتخب والده المغرب، لم يمر دون أن يغضب بعض الليبيين وقد وصلت درجة السخط لدى فئة منهم إلى حد تهديد نجم نادي ألكمار الهولندي الذي أغلق مؤقتاً حسابه على "إنستغرام"، مثلما أكده شخصياً، قبل أيام، لقناة "فوكس سبورتس" العالمية، حين صرح قائلاً: "الليبيون يحبون كرة القدم كثيراً وقد تأثروا كثيراً بقراري اللعب لصالح منتخب المغرب، ولا يمكنك تخيل التهديدات التي تلقيتها"، وذلك دون أن يوضح نوعية هذه التهديدات ودرجة خطورتها.
ومن جهتي أتمنى أن يكون موقف الأشقاء الليبيين مجرد غضب عابر سيزول سريعاً مع مرور الوقت، فيجب احترام قرار اللاعب الذي كان اختياراً رياضياً فقط ولا ينقص أبداً من محبته لبلده الأصلي ليبيا.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.