تمر هذه الأيام الذكرى الرابعة لإعلان اعتزال القائد التاريخي لنادي ليفربول ، وأحد أفضل لاعبي خط الوسط في تاريخ الكرة الإنجليزية، ستيفن جيرارد. فدعونا نتذكر كواليس الليلة الأفضل في تاريخه، وربما في تاريخ ليفربول بأكمله. ليلة القبض على آي سي ميلان في نهائي دوري أبطال أوروبا في مدينة إسطنبول. تلك الليلة التي لا يمكن وصف مجرياتها بمقاييس البشر، بل كان للقدر كلمة عليا جعلت المعجزات تنهمر على ملعب "أتاتورك" لتحمي ليفربول وتحوّل هزيمته نصراً.
احكِ يا جيرارد
ليلة إسطنبول كانت جنوناً مطلقاً.. حين وصلنا للمدينة قبل المباراة بـ48 ساعة وجدت كل من أعرفهم أو لا أعرفهم في مدينة ليفربول هناك.. لم يبق أحد في المدينة على الإطلاق.. كلهم هنا!
قبل المباراة تلقيت رسالتين على الهاتف تتمنيان لي حظاً سعيداً؛ الأولى كانت من جون تيري، أما الثانية فكانت من تييري هنري!
وأنا في طريقي للمؤتمر الصحفي مع قائد آي سي ميلان باولو مالديني، أوقفني زميلي جيمي كاراغر: "لو رأيت الكأس هناك إياك أن تلمسه.. سأقتلك لو فعلت".
كان هناك اعتقاد أن لمس الكأس ذات الأذنين قبل المباراة هو نذير شؤم بالخسارة. عندما رأيت الكأس كدت ألمسها لا إرادياً لكنني تذكرت كلام كاراغر.. كنت أعرف أنه سيفعلها ويقتلني لو لمستها ثم خسرنا.
المدرب رافا بينيتز أعلن التشكيل قبل المباراة بساعة واحدة.. في النفق المؤدي للملعب ابتسم لي مالديني وجاء شيفتشنكو ليصافحني وكأنه صديق قديم!
نحن ليفربول
قبل ضربة البداية جمعت اللاعبين حولي: "نحن ليفربول.. أعرف أنه قبل بداية الموسم كان ميلان ينتظر هذا اليوم وهم متأكدون أنهم سيلعبون النهائي بينما كنا نحن ننتظر العطلة الصيفية.. لكننا هنا.. لو لم نفز سنندم على هذا اليوم طوال حياتنا.. أرجوكم لا تخذلوا هذه الجماهير".
بدأت المباراة وما هي إلا 53 ثانية وسجل مالديني هدفاً.. اللعنة! صرخت في اللاعبين: "لا شيء.. احتفظوا بالهدوء".. لويس غارسيا سدد كرة ارتطمت بيد أليساندرو نيستا لكن الحكم لم يحتسب شيئاً. كنت أعرفه، كان صديقي منذ مباراة أولمبياكوس.. ميخوتو غونزاليس الذي لم يطردني مبتسماً.. ابتسم مرة أخرى لكن دون أن يمنحنا ركلة الجزاء.
ارتدت الكرة لكريسبو ليسجل هدفاً ثانياً.. قبل حتى أن يفيق اللاعبون من دهشتهم كان كريسبو قد سجل الثالث. وفي حياتي لم أواجه لاعباً مثل كاكا خاصة في هذه الليلة. انتهى الأمر.. نحن متنا بالفعل وتتبقى مراسم الدفن.
نحن وفي طريقنا إلى غرفة الملابس وجدت بعض لاعبي ميلان، تحديداً غاتوزو وبيرلو ولاعبين آخرين، يضحكون ويشيرون لجماهيرهم.
هؤلاء الأوغاد
دخلت الغرفة سريعاً وأنا أصرخ في اللاعبين: "هؤلاء الأوغاد يظنون أن المباراة انتهت.. لا، لم ينته شيء بعد". حاولت أن أضيف كلاماً آخر لكنني فشلت. بعد دقائق من الصمت تحدث كاراغر: "دعونا نتماسك ونخسر 5-0 فقط"!
"اصمتوا".. كان هذا المدرب رافا، وأكمل بهدوء.. "هامان بدلاً من فينان.. سنلعب بثلاثة مدافعين فقط.. هامان وألونسو، أوقفا كاكا.. جيرارد، تقدم للأمام ولا تدع بيرلو يتقدم".
ثم صرخ رافا وقال: "لا تحنوا رؤوسكم.. أنتم تلعبون لليفربول، لا تنسوا ذلك أبداً.. من يلعب لليفربول لا يحني رأسه.. آمنوا أنكم قادرون على العودة وستعودون.. انظروا لجماهيركم.. أمامكم فرصة لتصبحوا أبطالاً.. هيا اذهبوا".
عدنا للملعب ونتيجة "3-0" المضيئة على اللوحة كانت وكأنها تخرج لسانها لنا.. وفجأة اهتز الملعب بصوت 40 ألفاً من جمهورنا يغنون "You'll Never Walk Alone"
هل تستمعون؟ هل تسمعون جمهوركم؟ إنهم يغنون.. أنهم لا ييأسون أبداً! هيا بنا!
ونظرت للاعبي ميلان فوجدتهم ينظرون لجمهورنا وهم في حيرة من أمرهم.
رييسه يرفع الكرة.. سأقفز وألعبها برأسي وليكن ما يكون.. هدف! جريت لجمهورنا وأنا أشير لهم "استمروا".. لم يكونوا بحاجة إلى ذلك.
دقيقة واحدة مرت.. ثم سميتشر يسدد من بعيد.. وتصبح النتيجة "3-2".
"انطلقوا.. سنفوز.. أقسم لكم أننا سنفوز".. هذا ما قلته للاعبين بعد الهدف الثاني.
الكرة ذهبت إلى زميلي ميلان باروش داخل منطقة جزاء ميلان، فصرخت كالذي مس: "ميلي.. ميلي.. ميلي".. صرخت 10 مرات حتى يسمعني باروش، وسمعني ليعيد الكرة إليّ دون أن ينظر.. عرقلني غاتوزو.. ركلة جزاء!
تشابي ألونسو أخذ الكرة وسددها.. صدها ديدا.. في اللحظات التي تبعت ذلك كنت أفكر أننا خسرنا.. لكن تشابي تابع الكرة في المرمى.. لتصبح النتيجة "3-3" .. تعادلنا في أقل من ست دقائق!
راقب سيرجينيو
كان لاعبو ميلان كأنهم تعرضوا لحادث سيارة.. صرخ فيّ رافا "ستيفن.. عد لمركز الظهير الأيمن وراقب سيرجينيو". لو منحناهم فرصة للعودة فلن نتعادل مرة أخرى.. حينما انتهى الوقت الأصلي كدت أصرخ في الحكم "يكفي هذا. البرازيلي سيرجينيو أرهقني حتى أنني لم أكن قادراً على التنفس.
الدقيقة 118.. كرة عرضية على رأس شيفتشينكو على بعد ياردتين من مرمانا.. "لقد انتهى كل شيء" قلتها لنفسي.. لكن دوديك أنقذ الكرة لتعود إلى الأوكراني لكنه سدد في دوديك مرة أخرى.. كانت هناك قوة عليا تحمي ليفربول في هذه اللحظات!
هل رأيت بروس غروبيلار؟
قبل ركلات الترجيح وقف رافا بينيتز وسطنا، طلب من كل لاعب الرد بـ"Yes or No" إذا كان قادراً على التسديد، 8 أجابوا بنعم. اختار من بينهم خمسة، وجعلني الخامس.. شكراً لك!
كاراغر ذهب لدوديك "هل رأيت بروس جروبيلار؟ هل تعرف حركة سيقان السباجيتي؟ قم بها أرجوك".. دوديك نظر له ببلاهة ليبدأ كاراغر في الشرح.
كان غروبيلار حارس مرمانا في نهائي 1984 وقام بهذه الحركة بقدميه ليشتت انتباه لاعبي روما أثناء ركلات الترجيح، ونجح.. أخيراً فهم دوديك ماذا يريد كاراغر.
النتيجة "3-2" لليفربول في ركلات الترجيح.. شيفتشينكو يتقدم للخامسة.. سيسجل وسيكون عليّ أنا أن أحسم الأمور.. يا الله لا تجعل حظي يخذلني مرة أخرى. لكن قبل أن أواصل التفكير كان دوديك ينقذ الكرة.. لن أسدد، لقد فزنا!
بعد أن عدت لمنزلي قالت لي زوجتي أليكس: "لقد قبلت الكأس في هذه الليلة أكثر مما قبلتني في عام كامل"!
كانت هذه هي أجمل ليلة في حياتي.
في مثل هذه الأيام من عام 2016.. أعلن قائد ليفربول ستيفن جيرارد اعتزاله لعب كرة القدم نهائياً.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.