المد والجزر كان يتلاطم بين الجزائر ومصر، الأهازيج تتعالى مع كل هدف، مع كل إنجاز وحتى مع كل حركة فنية من مراوغة وغيرها حتى تسترسل الكلمات بين المتابعين للعبة وكل يهمسُ في أذنيك على أن ابن بلاده هو فخر العرب الحقيقي.
في السنوات التي قضاها في أياكس تعلم الأعسر أسلوب اللعب الجميل وكرة قدم الشاملة أو العصرية المبنية على فكرة امتلاك الكرة وتدويرها التي رسخها العبقري الراحل يوهان كرويف في شعبه. ليتم تناقلها بين الأجيال وتصبح اللغة الرسمية التي يتكلم بها كل مدرب خلق وترعرع هناك في الأراضي الهولندية.
حكاية حكيم زياش ليست معتادة ورحلته لم تكن سهلة، فارق والده الحياة وهو في عمر العاشرة وخلف وراءه عشرة أبناء. الحياة قاسية جداً حين تخسر سند حياتك، لكنها وعلى النقيض، ربما تمنحك العزيمة لتكون الرجل المستقبلي الذي طالما أراد والدك أن تكونه.
وشهدت عائلته حادثة غيرت مجرى حياته! دخل أخواه للسجن بتهمة السرقة، ليظهر الخوف على الأم وتبدأ في البحث لكل واحد منهم عن عمل أو هواية مفيدة يقضي فيها معظم وقته، وقد كان زياش عاشقاً لكرة القدم فأدرجته في صفوف أكاديمية نادي هيرنفين.
بعد سنوات، سينجح تشيلسي في خطف موهبة في عزّ سطوتها وإشعاعها، لقد تصدر المشهد طويلاً في الأراضي المنخفضة وجاء الوقت لتشاهد عاصمة الضباب الكرات القطرية التي تطلق من قدمه السحرية. في مباراته الأخيرة مثلاً ضد شيفيلد يونايتد ساهم في صنع 6 فرص حقيقية سانحة للتسجيل وهو أكبر عدد من الفرص تتم صناعتها من لاعب هذا الموسم في مباراة واحدة.
صحيفة ميرور في عددها المعلق على المباراة قالت "حكيم يحول تشيلسي لقوة عظمى" هذه الإشادة مستحقة في حق لاعب يمثل كل العرب وليس فقط المغرب. لاعب مبادر دائماً ما يكون ظهره نحو نصف ملعب فريقه وعينه باتجاه مناطق الخصم، كما أنه لا يجيد إرجاع الكرة للخلف ولا يحب. لاعب دائماً ما يتواجد على الخط الجانبي للملعب ويمكنه أن يناسب أي تغيير تكتيكي قد يحدثه المدرب حيث يجيد المراوغة والتمرير الطولي، هو نسخة كربونية الأصل من خاميس رودريغيز لكنه أسرع وأكثر مهارة وبمراحل.
زياش تم سؤاله عن كيفية التفاهم مع اللاعبين فقال "نظرة بالعين تكفي".
هنا يتلخص الوضع وتنتهي الكلمات وتتراجع الأحرف لتقدم لنا ساحراً يتجول في أحياء لندن ملكاً، أسد الأطلس الأول.
الناصر إسماعيل
وفي ميلان هذه الأيام يبدو الوضع رائعاً، الكل سعيد بأداء الفريق رغم التعادل الأخير أمام هيلاس فيرونا في الدوري. هذا الأداء الحالي للفريق جعل النادي والجماهير والمحبين يحلُمون بحصد بطولة ما هذا الموسم والعودة لدوري أبطال أوروبا أيضاً. إذ يمكن القول إن أغلب اللاعبين يعيشون حالة من "الروقان" المبرر بنتائج مميزة وأداء أكثر تكاملاً، ستيفاني بيولي استطاع مجاراة الرياح والتحكم بالسفينة وقيادتها نحو شاطئ الأمان.
زلاتان إبراهيموفيتش يقدم أشياء مميزة ومُبهرة، التركي هاكان يقدم واحداً من أجمل مواسمه على الإطلاق منذ احترف كرة القدم، الظهير الطائر ثيو نجمٌ فوق العادة، دوناروما حامي العرين الذي أثبت أن غيابه خسارة في حد ذاتها.
لكن إسماعيل بن ناصر، رجل يغرد خارج السرب تماماً، هو فعلاً ذلك الفتى الذي لا تستهويه الكاميرا لكنه يحصل عليها بالقوة، قوة أدائه الذي يظهر مع غروب شمس كل مباراة.
كان ذلك اللاعب غير معروف، وكانت المخاوف من فشله أكبر بكثير من التفاؤل بنجاحه، وهو الصفقة التي تساءل حولها الجميع، وفي الأخير ماذا حدث؟ لقد أصبح مطمعاً لكل الأندية، الجميع يريد إسماعيل.
لكن لماذا؟
الدور الذي يقدمه اللاعب في الميلان يُدَرس وصعب جداً أن تجد من هو بنفس مركزه يقوم بالأدوار الموكلة إليه وبنفس الحرفية والإتقان، مع ذلك المبلغ القليل الذي دفع في حقه، اللاعب الذي أينما توجه عينيك تشاهده. يقوم بالأدوار الدفاعية من مساندة وتغطية على الظهير وقطع الكرة من المهاجم في المنطقة من ثمّ بتحوله السريع ليكون عموداً آخر لبناء الهجمة من العمق وإضافة عظيمة للثلاثي الهجومي مع هاكان.
بيولي قال إنه غير متفاجئ بما يقدمه بن ناصر، وأنه يحب مشاهدته في التمارين وهو يعمل بجد ويقدم لمحات من أفضل ما يمكن أن تراها في لاعب.
بصراحة أنا أحترم جمال بلماضي كثيراً، بشخصيته ونظرته وأسلوب لعبه وأيضاً بما وصل له من أداء وجودة مع المنتخب الجزائري وحتى تصريحاته تعتبر مرجعاً لمدربي النخبة في العالم العربي تحديداً.
المدرب قال أشياء تلخص كل ما ذكرناه في حق بن ناصر، إسماعيل لاعب رشيق وموهوب تقنياً للغاية، لديه ردة فعل سريعة يتخذها في جزء من الثانية، من النادر أن يخطئ في قراراته، يتحكم بالكرة بشكل مدهش، هو من الصف الأول بين جميع اللاعبين في تلك الخاصية.
صديقي، تحدث عن أي شيء يأمرك به عقلك وقارن بمن تشاء لكن في الأخير ارجع لنفس السطر وتذكر أن إسماعيل بن ناصر هو "الكيمياء" في تشكيلة الميلان واللاعب الذي بيده الحل والربط.
الجزائري يستهوي الأفئدة والعيون منذ زمن وليس اليوم فقط.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.