لم أقم بشيء سوى العمل، لنُقل إنني كرست وقتي بأكمله لما كنت أحبه، كان شكلاً من أشكال الكهنوت، لا أبالغ عندما أقول إنني لم أكن أعرف وسط لندن.
آرسين فينغر
عليك أن تخرج من نفسك وتحاول فهم من يكون الآخر الماثل أمامك، يتطلب الأمر فضولاً وإيماناً بالإنسان، ومع لاعبين في سن 19-20 عاماً توجد رغبة في النجاح يعتريها الكثير من الخوف، في كثير من الأحيان هؤلاء الشباب لم يجدوا بعد التوازن بين معاناتهم الداخلية والعالم الخارجي.
لذا يجب أن نحاول مساعدتهم على اكتساب الثقة بالنفس، لذا لم يكن من الصعب إدارة لاعبين مثل أنيلكا وإيمانويل بوتي.
وكمدرب تتعلم التواضع، يمكن أن يفاجئك الرجال دائماً سلباً وإيجاباً، التساهل والانفتاح ضروريان، لا يمكنك القيادة عندما تكون مُرتاباً، المدرب هو المرشد، ولإرشاد الرجال عليك أن تؤمن بهم.
ففي مدينة كبيرة مثل لندن لا يمكنك التحكم في الناس، ولا يجب أن تبالغ في التورّط عاطفياً مع لاعبين، ما قد يؤثر على الخيارات. من الضروري أن تحافظ على نفس المسافة مع الجميع.
القرب المبالغ فيه من بعض الأشخاص ليس جيداً للمجموعة، فقد يثير الغيرة والحقد، يجب أن تكون متفهماً وألا تشعر بأنك تتأثر بعوامل أخرى في الوقت نفسه، حتى تحلل ما يحدث بشكل موضوعي، يجب أن يكون القائد ملتزماً عاطفياً وبارداً في قراره، لأننا هنا من أجل الفوز.
إن تشكيل فريق كرة قدم يعني خلق عاطلين عن العمل مساء الجمعة وإعادة توظيفهم يوم الإثنين، إذا تسببت في استياء بعضهم ويعتقد هؤلاء أنك لست المسؤول فمن الصعب إعادة تحفيزهم وضمان التزامهم الكامل.
في الأوقات الصعبة، من الضروري أن تطرح على نفسك هذه الأسئلة: "لماذا أنا هنا؟ ما هو أهم شيء بالنسبة لي؟" على القائد أن يشارك فريقه قيماً أساسية وأن يجسدها بنفسه، احترام اللاعبين يأتي من هناك، لا يمكنك مطالبتهم باحترام الوقت إذا كنتَ بنفسك تأتي متأخراً.
ولا يجب أن تغيِّر نهج عملك كل أسبوع، الصّعوبة في مهنتنا هي ارتباطنا الشديد بالنتائج، لكن لا بد من الاستمرار في نفس الاتجاه، حتى مع وقوع نتائج سلبية. كثيراً ما أقول إن المدربين الجيدين هم "مختصرو الأزمات". هذا ما يمكّنك من النجاة، فلم يسبق أن خسرت ثلاث مباريات متتالية في الدوري.
ومن المهم ألا تكون سلبياً فقط، مقابل كل نقطة سلبية مذكورة في محاضرتك من الجيِّد طرح ثلاث نقاط إيجابية، نحن المدربون مهيّأون على المستويَين البدني والتكتيكي، ولكننا أقل جاهزيةً من حيث التواصل، بينما في العالم الحديث الإقناع والتواصل باتا ضروريين.
تأسيس ثقافة الأداء
بعدم التردد في إظهار الطموح. قلت في الصحافة إن حلمي هو تحقيق دوري بلا هزيمة، لقد كان تحدياً حددته لنفسي، وبالفعل حققنا ذلك في 2004. ما يثبت أنه عليك أحياناً زرع بذور في أذهان الناس، أعتقد أننا لا يجب أن نخاف من تأكيد طموحاتنا. في عام 2004، عندما تُوّج أرسنال بطلاً قبل نهاية البريميرليغ، طلبت من لاعبيّ عدم تقليص جهودهم والاستمرار في الفوز حتى تحقيق الدرع الذهبي، "الآن، يمكنكم أن تصبحوا خالدين في التاريخ"، وقد نجحوا في ذلك.
ما الذي يصنع لاعباً كبيراً؟
مع الراحل جاك كريفوازييه (مدرب سابق)، أنشأنا ملامح الشخصية على مدى قرابة عشر سنوات، أدركنا أن التحمّل والقدرة على خلق الدوافع هما ما يصنعان الفارق، في حالة اللاعب الكبير لا تقلل الانتكاسات والانزعاجات من رغبته في تقديم المزيد، في حين ينهار الآخرون العاديون.
لاعب كرة قدم، مهنة حادّة مليئة بخيبات الأمل الكبيرة، وكثيراً ما يتم الاستهانة بالمثابرة والإصرار. عندما كنت أقوم بإجراء الاختبارات، 9 من أصل 10 من اللاعبين كانوا يخبرونني بأن هناك أشخاصاً أكثر قوةً في أكاديمياتهم، لكنهم هم من كانوا الأكثر تحمُّلاً.
عن اكتشاف اللاعبين
أحاول التركيز على ميزة واحدة قوية، لا أحد منا يمتلك كل شيء، وأحاول قياس الذكاء والحافز، اختبار جورج ويا كان كارثياً، لكن تصميمه لا يصدق، كان مقتنعاً بأنه كان على الأرض من أجل مهمة واضحة، وهي لعب كرة القدم.
يجب أيضاً أن تجيد منح الوقت للشباب، لأن التكيف مع بيئة جديدة أمر صعب أحياناً.
تُمكننا العقلانية من فهم العالم الذي نعيش فيه بشكل أفضل، سابقاً قراراتنا التي تحدد مستقبل الناس كانت مبنية فقط على حدسنا، وهذا خطر، فقلت لنفسي إن امتلاك بيانات حول أداء اللاعب هجومياً ودفاعياً يجعلنا نتخذ قرارات أفضل.
حتى إننا يمكننا أن نتخيل أنه في غضون عشر سنوات لن نجد بالضرورة متخصصين في كرة القدم على رأس الفرق، بل خبراء في البيانات. إذا ما تمكنا من اكتشاف لاعب قبل أن يصبح نجماً، فسنتقدم كثيراً من الناحية المالية لأن تكلفته أقل بكثير، لذا قمت بشراء شركة إحصائيات أمريكية في عام 2011.
كان لدينا تحليل موضوعي لجميع اللاعبين في أوروبا يقيِّم كمّياً جميع لاعبي كرة القدم في مركزهم، لكن بالطبع، لا يجب أن يشعر اللاعب أنه ليس سوى سلسلة من الأرقام، وإلا فقد يصبح أنانياً في الملعب لتضخيم إحصائياته على حساب الفريق.
فينغر: تم تهيئتي للعيش في قريتي، التي لا تزال تهيمن عليها فلاحة الكفاف، لكن الفضول دفعني للذهاب إلى كامبريدج في سن 29 عاماً لإتقان اللغة الإنجليزية، كنت أرغبُ في اكتشاف العالم، وفي الوقت نفسه كانت هناك أيضاً رغبة في التعرّف على نفسي والوصول إلى الحد الأقصى من قدراتي.
وبما أنني من مواليد 1949 في الألزاس، فقد تربّيت على كراهية الألمان، لكنني سرعان ما فهمت أن الناس في ألمانيا كانوا مثلنا، وأن لديهم الكثير من الجوانب السارّة، كما ذهبت إلى المجر في سن 25 عاماً لمدة شهر لدراسة النظام الشيوعي، كنت متأكداً من أن كل شيء سينهار بسبب الفساد.
لكنني كنت أريد أن أرى. اليوم، أنا مقتنع بأن عالم الغد لن يتم إلا إذا كان الناس على استعداد لقبول إمكانية امتلاك ثقافات متعددة، بشرط أن يرغبوا في مشاركة ثقافة المكان الذي يتواجدون فيه، كل التحدي يكمن في التمكن من خلق ثقافة محلية توحد الجميع.
كان أرسنال تجسيداً للتعددية الثقافية، في عام 2005 كان هناك جدل كبير لأنني لم أشرِك أيّ لاعب إنجليزي في الفريق، لكنني لم أدرك حتى أنه لم يكن هناك إنجليز في الفريق! لم أكن أنظر إلى جوازات سفر اللاعبين، بل إلى جودتهم، لقد تسبب ذلك في صدمة كبرى في إنجلترا.
لماذا بقيت مخلصاً لأرسنال؟
رفضت تدريب ريال مدريد مرتين، لأنني انخرطت في تطوير أرسنال، وكنت أريد اتباع قدري حتى النهاية. اليوم، في أذهان الناس، أنا مرتبط بأرسنال. أكثر شيء أفتخر به ليس الفوز بهذا اللقب أو ذاك، وإنما بكوني خدمت النادي حقاً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.