رفع اللاعب الدولي الجزائري آدم وناس تحدياً جديداً بانتقاله، الأسبوع الماضي، إلى نادي كالياري على سبيل الإعارة من نادي نابولي، حيث يسعى للتألق في الدوري الإيطالي لكرة القدم الذي وصل إليه، قبل 3 سنوات، دون أن يترك فيه بَصْمَتَه إلى حد الآن.
فما الذي أخّر بزوغ النجم الجزائري في سماء "الكالتشيو" على الرغم من مهاراته الفنية التي يضاهي بها نجوم الكرة العالمية، وهل أحسن وناس الاختيار بمواصلة مغامرته في إيطاليا؟
طُرد من "شاتورو" لأسباب انضباطية
وُلد آدم وناس يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1996 ببلدة شامبراي بمدينة تور الفرنسية، حيث نشأ في منزل مليء بكرات القدم، بحكم أنّ والده حاجي وناس كان ينشط في منصب حارس مرمى بعدة أندية بمدينة مستغانم الجزائرية ثم تنقل بين عدة فرق صغيرة في مهجره ومستقره الفرنسي بعد ذلك.
سعى وناس الوالد ليسير نجله آدم على نفس دربه الرياضي وأن يساعد الصغير في بداية مشواره استعداداً لإنجاز مشوار احترافي أفضل من الذي حظي به. لذلك انضم الطفل وناس لمدرسة نادي تور الكروية في سن الخامسة من عمره، حيث قضى هنالك 10 سنوات كاملة، أي إلى غاية صيف 2011 لما التحق بنادي "شاتورو" الذي لعب له موسماً واحداً فقط، قبل أن يتم الاستغناء عنه لأسباب انضباطية.
لكن لم يفشل حاجي وناس في دفع آدم نحو النجاح في رياضته المفضلة، فقيده ضمن فريق "تورانجو" الصغير في موسم 2012-2013، وقد كان صائباً في اختياره، حيث ابتسم الحظ لآدم عندما لاحظه موهبته كشاف المواهب أرنو فايون، والدولي الفرنسي السابق يانيك ستوبيرا، اللذان كانا يعملان لصالح نادي بوردو، فقاما بضمه لأكاديمية النادي الفرنسي الكبير في أبريل/نيسان 2013.
تألق في فرنسا
شارك آدم وناس في أول مباراة له مع الفريق الأول لبوردو يوم 4 أكتوبر/تشرين الأول 2015، لما دخل كلاعب بديل في الدقيقة الـ72 من لقاء لوريون لحساب الدوري الفرنسي، وسجل خلالها هدفه الأول في المسابقة، ثم شارك في ثلاث مباريات رسمية متتالية، فسجل هدفه الثاني أمام نادي تروا، ما جعل إدارة النادي تكافئه بالتوقيع على عقده الاحترافي الأول يوم 10 ديسمبر/كانون الأول من نفس العام، لمدة أربع سنوات.
وأنهى وناس موسم (2015- 2016) بتسجيل 6 أهداف وصناعة هدفين اثنين آخرين، ليلفت انتباه بعض الأندية الأوروبية الكبيرة، على غرار مانشستر يونايتد الإنجليزي، لكن بوردو قرر الاحتفاظ بلاعبه الجزائري الشاب، مع الرفع من راتبه الشهري.
وواصل آدم تألقه في الدوري الفرنسي في الموسم الموالي، ولم يتمكن نادي بوردو هذه المرة من إقناعه بالبقاء وتفادي إغراءات نادي نابولي الإيطالي الذي ضمه لصفوفه يوم 3 يوليو/تموز 2017، مقابل 10 ملايين يورو.
بداية التخبط
حطّ وناس الرحال بعاصمة الجنوب الإيطالي وكله أمل في تطوير موهبته والرفع من مستواه والارتقاء بمشواره الاحترافي نحو الأفضل، وذلك قبل أن يصطدم بواقع جديد ويدرك شخصياً أنه لا يزال بعيداً عن المستوى العالمي الكبير، خاصة من حيث الجانب التكتيكي.
ففي موسمه الأول مع نابولي (2017-2018) اكتفى النجم الجزائري بخوض 13 مباراة رسمية فقط، تحت قيادة المدرب الإيطالي ماوريسيو ساري المعروف بصرامته التكتيكية، والذي شرح في أحد تصريحاته عدم الاعتماد على وناس قائلاً: "يجب أن نصبر على وناس فلديه بعض النقائص في الجانب التكتيكي، وهو أمر عادي بالنسبة للاعب يبلغ من العمر 20 عاماً وقادم من الدوري الفرنسي إلى الإيطالي، سيكون له مشوار احترافي كبير، ولكنه مطالب حالياً بالعمل وسد نقائصه".
وتكرر نفس السيناريو تقريباً في الموسم الثاني (2018-2019) رفقة المدرب الإيطالي الآخر، كارلو أنشيلوتي الذي منح لآدم فرصة الظهور في 26 مباراة، أغلبيتها كلاعب احتياطي، سجل خلالها 4 أهداف ومنح تمريرة حاسمة واحدة فقط، ما جعل اللاعب الشاب يطلب الرحيل نحو نادٍ يضمن له اللعب بانتظام، فخطفه فريق نيس الفرنسي على سبيل الإعارة، لمدة سنة واحدة. لكن تعرضه لبعض الإصابات ثم توقف الموسم الكروي مبكراً بفرنسا، في شهر مارس/آذار الماضي، دون إنهائه، بسبب جائحة "كورونا" لم يسمحا لوناس تحقيق ما كان يريده بالشكل الكامل، حيث شارك في 19 مباراة سجل خلالها 4 أهداف وقدم 5 تمريرات حاسمة.
ليعود آدم وناس في الصيف الماضي لناديه الأصلي نابولي، أين وجد مدرباً إيطالياً ثالثاً على رأس الجهاز الفني، ونعني به جينارو غاتوزو، الذي لم يُظهر أي مؤشرات للمهاجم الجزائري بالاعتماد عليه ضمن التشكيلة الأساسية للفريق في الموسم الجديد (2020-2021) فسارع اللاعب بالبحث عن وجهة جديدة، فاستقر بجزيرة صقلية، حيث تعاقد، في آخر أيام "الميركاتو" مع نادي كالياري لمدة عامٍ واحدٍ على سبيل الإعارة.
وأبدى وناس تفاؤلاً كبيراً بانضمامه لفريق كالياري، حيث صرح لموقع النادي عقب توقيعه العقد في الأسبوع الماضي: "أريد العودة للمنتخب الجزائري، ولن يأتي ذلك سوى بتقديم عروض كبيرة مع كالياري في الدوري الإيطالي".
وأضاف: "سأعمل على تسجيل أكبر عدد ممكن من الأهداف وتقديم تمريرات حاسمة لزملائي، خاصة أنني تطورت كثيراً الموسم الماضي، خلال التجربة التي خضتها مع نيس في الدوري الفرنسي".
وتابع كاشفاً عن المركز الذي يريد اللعب فيه مع كالياري، فقال: "لقد تحدثت مع المدرب أوزيبيو دي فرانتشيسكو، وأكدت له بأني أفضل اللعب كجناح أيمن، لأدخل بعدها في العمق بقدمي اليسرى، ولكن القرار النهائي يعود له للقيام بالخيار الأنسب".
وستكون، إذن، العودة إلى منتخب الجزائر من بين أهم تحديات وناس في الموسم الجاري، وهو المنتخب الذي التحق به يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وشارك في مواجهة نيجيريا لحساب تصفيات مونديال 2018، بعدما غير جنسيته الرياضية إلى بلده الأصلي بدل بلد مولده، حيث سبق له اللعب ضمن منتخب فرنسا للشباب لأقل من 20 عاماً.
وقد لعب الوالد حاجي وناس دوراً في إقناع ابنه آدم باختيار منتخب محاربي الصحراء وذلك بعد اتصالات عديدة مع رئيس الاتحاد الجزائري في ذلك الوقت، محمد روراوة.
وعلى الرغم من أنّ آدم وناس لا يعتبر لاعباً أساسياً ضمن المنتخب الجزائري فإنه يملك شعبية كبيرة لدى جماهير "الخضر"، خاصة بعد تألقه في نهائيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم، التي جرت بمصر في صيف 2019، بتسجيله 3 أهداف ومساهمته في تتويج الجزائر باللقب القاري بعد 29 عاماً من الجفاء.
التألق من جديد يعني العودة
ويدرك جيداً وناس أنّ العودة إلى صفوف المنتخب الجزائري مرهونة باللعب بانتظام والتألق مع نادي كالياري… ونتوقف هنّا لنتساءل ما إذا كان آدم قد أحسن الاختيار بالبقاء في الدوري الإيطالي، أي في دوري صارم تكتيكياً ومعروف بميوله الدفاعية.
فعلى الرغم من قدراته الفنية والمهارية المميزة فإنّ نقطة ضعف وناس هي نقص مردوده الدفاعي، ما يقلص من حظوظه في النجاح مع الأندية الكبيرة، حيث إنّ الكرة الحديثة باتت تتطلب من اللاعب القيام بأدوار دفاعية حتى ولو كان ينشط في خط الهجوم. وهو نفس المشكل الذي عانى منه مثلاً النجم الجزائري رياض محرز في موسمه الأول مع المدرب الإسباني بيب غوارديولا، بفريق مانشستر سيتي الإنجليزي، قبل أن يتحسن في هذا الجانب في الموسم الماضي.
وحتى لو كان أداؤه الدفاعي ضعيفاً فإنّ وناس قد يكون قادراً على إخفاء هذا الضعف لو انضم لأندية وسط الجدول بالدوري الإسباني أو البرتغالي، أو تحديداً الإنجليزي، بميوله الهجومية الذي يترك مساحات شاسعة للاعبين لإظهار مهاراتهم الفنية كتلك التي يملكها الجزائري آدم.
ويبقى هذا مجرد رأي، ومن المؤكد أنّ آدم وناس على دراية واسعة بكل نقاط ضعفه وقوته، وقد يكون قد قرر رفع التحدي بالبقاء في الدوري الإيطالي لتحسين أدائه تحسباً للعودة إلى نابولي من الباب الواسع أو الانضمام لنادي أكثر قوة وشهرة، خاصة أنّ عمره الذي لم يتجاوز بعد 24 عاماً يمنحه هامشاً كبيراً للتطور والطموح نحو تحقيق الأفضل.
وربما هذا ما ألمح إليه اللاعب بنفسه عندما قال في نفس تصريحاته لموقع النادي: "أعمل لأكون في مستوى التطلعات والآمال المعلقة علي خلال الموسم الجديد، وأساعد كالياري على تحقيق أهدافه، وسألتزم بالدور الذي يطلبه مني المدرب، مهما كانت نوعيته".. أي حتى ولو كانت أدواراً دفاعية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.