يمر الإنسان في حياته بمواقف وظروف صعبة قد تؤدي به إلى الفشل وفقدان الثقة بالنفس وتلاشي الأمل، لكنها قد تؤدي به إلى عكس ذلك تماماً، بحيث يواصل "الشخص المُبتلى" الإيمان بنفسه، ومجابهة العراقيل بكل قوة وحزم، حتى رؤية نهاية النفق، والتخلص من "سوء الطالع"… وهذا ما قد نستنتجه من قصة الحارس الدولي المغربي ياسين بونو، نجم نادي إشبيلية الإسباني.
ولد بكندا ونشأ بالمغرب
ولد ياسين بونو يوم 5 أبريل/نيسان 1991، بمدينة مونتريال الكندية، من أبوين مغربيين، تعود جذورهما إلى العاصمة الاقتصادية المغربية، الدار البيضاء.
وقد بدأ ممارسة رياضة كرة القدم في مدينة مولده وهو في السابعة من عمره، ضمن مدرسة نادي "إمباكت مونتريال"، قبل أن ينضم، عاماً بعد ذلك، لأكاديمية نادي وداد الدار البيضاء المغربي، أي أنه قضى 11 سنة كاملة متدرجاً ضمن مختلف فرق الفئات الشابة للنادي المغربي العريق.
التحق بونو بالفريق الأول للوداد البيضاوي في عام 2010، عندما كان يبلغ من العمر 19 سنة، حيث كان الحارس الثاني للفريق بعد أسطورة النادي، نادر المياغري، وشارك في أول مباراة له في الدوري المغربي الاحترافي في نهاية موسم 2009-2010 أمام نادي المغرب التطواني.
لعب بونو 3 مواسم مع الفريق الأول لوداد الدار البيضاء، لكنه لم يشارك سوى في 11 مباراة رسمية، أبرزها لقاء الإياب لنهائي دوري أبطال إفريقيا لكرة القدم، أمام نادي الترجي التونسي لعام 2011، والتي جرت بتونس يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني لنفس العام، حيث خلف ياسين الحارس الأساسي المياغري المصاب، وانتهت المباراة بفوز الترجي بهدف نظيف، والتتويج باللقب القاري، بعدما انتهى لقاء الذهاب بالدار البيضاء بنتيجة التعادل السلبي.
الهجرة إلى إسبانيا للتخلص من "هاجس" المياغري
وبعدما تأكد الشاب ياسين من استحالة إزاحة نادر المياغري من المركز الأساسي لحراسة مرمى الوداد البيضاوي قرر تغيير الأجواء، خاصة عندما أتيحت له فرصة تطوير مستواه من خلال الاحتراف بأوروبا، بحيث لم يتردد في قبول عرض نادي أتلتيكو مدريد الإسباني، الذي تعاقد معه في يونيو/حزيران 2012، لموسم واحد، مع بند التجديد لموسمين آخرين.
وكان اتفاق ياسين بونو مع مسؤولي أتلتيكو مدريد على أن يكون الحارس الثالث للفريق الأول، والحارس الأساسي لفريق الرديف، الذي شارك معه في 48 مباراة رسمية في دوري الدرجة الثانية الإسباني خلال موسمي (2012-2013) و(2013-2014).
وفي صيف 2014، وبعد رحيل البلجيكي تيبو كورتوا إلى تشيلسي الإنجليزي، واعتزال الإسباني دانييل أرانزوبيا، لاحت بارقة أمل لياسين بونو ليلعب في دوري الأضواء، حيث أصبح الحارس الثاني للفريق وراء الحارس الأساسي، المستقدم الجديد، السلوفيني يان أوبلاك، لكن الشاب المغربي سرعان ما أيقن أن الأمور لن تسير مثلما كان يطمح إليه، فطلب الرحيل قبل انتهاء فترة الانتقالات الصيفية لنفس العام، فتمت إعارته لموسم واحد لنادي ريال سرقسطة، الذي كان ينشط في دوري الدرجة الثانية الإسباني.
وتم تجديد الإعارة لموسم آخر (2015-2016)، حيث شارك بونو مع النادي الأندلسي في 42 مباراة رسمية، سمحت له بلفت انتباه أندية إسبانية أخرى، على غرار جيرونا، الذي تعاقد معه في يوليو /تموز 2016 لمدة 3 سنوات.
تألق دون مجد مع جيرونا
وأسهم بونو في صعود جيرونا إلى دوري الدرجة الأولى الإسباني عند نهاية موسم 2016- 2017، وذلك لأول مرة منذ تأسيس النادي في عام 1930. كما أسهم أيضاً في بقاء الفريق في دوري الأضواء في الموسم الموالي (2017-2018)، قبل أن يضطر لمغادرة النادي عند نهاية موسم 2018-2019، بعد سقوط الفريق إلى دوري الدرجة الثانية، على الرغم من إنجاز ياسين لأحد أفضل مواسم مشواره الرياضي، حيث اعتبرته بعض المواقع المتخصصة الحارس الأكثر فاعلية في الليغا، بتصديه لأكبر عدد من الكرات الخطيرة.
ورحل بونو إلى نادي إشبيلية في اليوم الأخير من الميركاتو الصيفي للعام الماضي، على سبيل الاعارة لموسم واحد مع بند إمكانية شراء العقد، حيث عاش ياسين في الموسم المنقضي (2019-2020) أغرب وأفضل تجربة في مساره الاحترافي.
بدأ بونو الموسم الماضي مع نادي إشبيلية كحارس ثانٍ وراء الأساسي التشيكي توماس فاكليك، وحتى شهر يوليو/تموز الماضي، كان النادي الأندلسي قد قرر عدم تفعيل بند شراء عقد الدولي المغربي، لعدم مشاركته كثيراً في مباريات الفريق خلال الموسم، وفي ظل الأزمة المادية التي ضربت معظم الأندية الرياضية بسبب جائحة "كورونا".
مصائب قوم عند قوم فوائد
ولكن ما حدث يوم 6 يوليو/تموز 2020، أحدث تغييراً جذرياً في حياة ياسين بونو، ففي ذلك التاريخ تعرض الحارس الأساسي لفريق إشبيلية، توماس فاتشليك، لإصابة متوسطة الخطورة في الوقت بدل الضائع من المباراة التي جمعت النادي الأندلسي مع ضيفه إيبار (1-0)، لحساب الجولة الـ34 من الدوري الإسباني.
وكما يقول المثل "مصائب قوم عند قوم فوائد"، فإن إصابة فاتشليك منحت الفرصة لبونو ليلعب المباريات الأربع المتبقية من مسابقة "الليغا"، حيث لم يتلق خلالها سوى هدف واحد فقط، كما قدم تمريرة حاسمة لمواطنه يوسف النصيري لتسجيل هدف في مرمى مايوركا (2-0) برسم الجولة الـ36 من الدوري.
وقد سمح تألق بونو في الجولات الأخيرة من الدوري الإسباني بكسب ثقة مدرب إشبيلية، الإسباني غولين لوبيتيغي، الذي أشركه كحارس أساسي عند استئناف مسابقة الدوري الأوروبي لكرة القدم في بداية شهر أغسطس/آب الماضي حتى التتويج بلقب البطولة القارية يوم الجمعة الماضي، في الـ21 من أغسطس/آب، بعد الفوز في اللقاء النهائي على إنتر ميلان الإيطالي، وبعد ظهور لافت لياسين بتصديات حاسمة في مباراة الدور نصف النهائي أمام مانشستر يونايتد الإنجليزي.
أجبر إشبيلية على تغيير حساباته
ما حدث لياسين بونو في مشواره الرياضي لم يأتِ صدفة، بل هو نتيجة عمل كبير وصبر عظيم وإيمان قوي بقدراته، وقد لخّص الأمر بهذا التصريح الذي أدلى به للصحافة المحلية بعد تتويج إشبيلية بلقب الدوري الأوروبي.
وأفصح قائلاً: "لم أتوقف يوماً عن العمل كلاعب محترف، وترقب خوض المباريات، إلى أن أتيحت لي الفرصة فاستغللتها وتشبّثت بها لمساعدة الفريق.. هذا اللقب هو بمثابة حدث تاريخي بالنسبة لي، لم أستوعب بعد ما يحدث، ولكن من المؤكد أنها سعادة كبيرة".
وأجبر بونو إدارة نادي إشبيلية، بعد تألقه المميز في الأسابيع القليلة الماضية، على تغيير موقفها تجاهه، بحيث تفكر حالياً في تفعيل بند شراء عقده من نادي جيرونا مقابل 4.5 مليون يورو.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.