في مثل تلك المباريات، الأهم من كونك الأقوى هو أن تكون الأفضل والأكثر نجاعة، ومثل إنتر ميلان بقيادة كونتي الفريق الأقوى بلا شك في نهائي الدوري الأوروبي، حيث يحتوي فريقه على لاعبين من أعلى المستويات أمثال الدنماركي إيركسين والتشيلي سانشيز والأرجنتيني لاوتارو مارتينيز والكرواتي بروزوفيتش وفي الأمام الدبابة البلجيكية لوكاكو. لكن كان إشبيلية بقيادة لوبيتيغي الفريق الأفضل، والأجهز، والأكثر مرونة في التعامل في مجريات المباراة.
ماذا يريد كونتي؟
يقدم كونتي موسماً ليس ممتازاً لكنه بلا شك جيداً؛ أنهى الموسم المحلي بفارق نقطة واحدة عن يوفنتوس (لكن حسمت السيدة العجوز اللقب قبل جولتين من النهاية)، وأنهى الموسم بالوصول إلى نهائي الدوري الأوروبي. نتائج قد تعني أن إنتر ميلان يسير في الطريق الصحيح وأن عودة النيراتزوري إلى منصات التتويج والمنافسة باتت قريبة.
لكن من أهم مشكلات كونتي مع إنتر ميلان والتي تُعيق تقدمه هي عنجهيته وغروره، كما أسلوبه في التعامل مع إدارة النادي وطريقة حلّه للخلافات، وطريقة حديثه عن تلك الأخيرة في وسائل الإعلام. معلوم للجميع أن الفريق يحتاج للاعبين في مراكز قلب الدفاع وارتكاز خط الوسط ومركز الظهير الأيسر، ومفهومٌ أيضاً مماطلة الإدارة في تلبية طلبات كونتي. لكن كل هذا ليس مبرراً لوصف كونتي للاعبيه باريلا وسينسي بالأطفال الذين لن يحصدوا بطولة أبداً، قال ذلك بعد الخروج من دوري الأبطال من دور المجموعات، والسقوط للدوري الأوروبي.
استكمل كونتي تلك التصريحات بعد ردّه على الشائعات التي تقول إن ميسي سينتقل للجانب الأزرق من ميلانو وقال: "نحن أقمنا الأفراح عندما تعاقدنا مع لوكاكو". الكلام يبدو صحيحاً، لكن مضمونه يمثل إهانة للاعبه البلجيكي وللإدارة، وهذا ما أجبر ستيفن زهانج الرئيس الشاب لنادي إنتر ميلان طلب مقابلة كونتي ضرورياً للحد من كل تلك الإهانات المتكررة للنادي واللاعبين.
الأهم بالنسبة لكونتي نفسه، هو أن يتم دعم مشروعه بلاعبين جيدين قادرين على المنافسة بشكل فعلي. ولكن تعثر إنتر ميلان أمام الفرق الصغيرة هذا الموسم ليس سببه عدم التعاقد مع خاليدو كوليبالي وأليكس ساندرو وليونيل ميسي!
هؤلاء اللاعبون سيساندون الفريق في المنافسة ضد الكبار بلا شك، وسيرفعون من جودة الفريق. ولكن التعثر أمام فرق مثل ليتشي وسبال ليس سببه جودة اللاعبين وإنما هناك مسؤولية كبيرة على المدرب أيضاً ويجب الاعتراف بها.
إشبيلية المنظومة
في الجانب الآخر ظهر نادي إشبيلية كمنظومة متماسكة، بإدارة ورؤية فنية مميزتين. شهد هذا الموسم براعة منقطعة النظير لمونشي المدير الرياضي لإشبيلية، بوصول الفريق للمركز الرابع متساوياً في النقاط مع صاحب المركز الثالث أتلتيكو مدريد، وبالفوز بالدوري الأوروبي عن جدارة واستحقاق. 9 لاعبين من أصل 11 بدأوا مباراة الأمس تم انتدابهم مقابل 77 مليون يورو فقط، بينما الثنائي ياسين بونو وسوسو جاؤوا على سبيل الإعارة.
يقدم لوبيتيغي موسماً مميزاً مع إشبيلية، على الصعيد المحلي والأوروبي، وذلك بعد بيع أهم نجوم الفريق.
بدأ المدرب الإسباني المباراة بخطة 4-3-3 الشهيرة الخاصة به، بوضع لاعبيه بشكل مميز أثناء بناء الهجمة وأثناء الارتداد العكسي والتحولات.
وظف لوبيتيغي لاعبه ريغيلون كظهير محوري، بتحول أوكامبوس على الطرف كثيراً لسحب مدافع من إنتر ميلان معه ودخول ريغيلون في المساحة الشاغرة، وعلى الجبهة الأخرى يحدث العكس، سوسو يدخل للعمق بسحب يونج، وخيسوس نافاس يتحرك في المساحة على الخط طولياً، إما لفتح الملعب أثناء الهجوم، أو للتغطية العكسية أثناء الدفاع.
تلك العملية الهجومية تحتاج لخط وسط بارع في تغطية المساحات خلف الأظهرة، وهذا ما فعله لوبيتيغي بجعل بانيجا يقترب من جوردان أكثر في التحرك بدون كرة للاقتراب أكثر من الدفاع لعزل لاوتارو عن لوكاكو وباقي الفريق، وللمساهمة الثنائية تحت ضغط إنترميلان عندما يتقدمون بالكرة في مناطق إشبيلية، خاصةً أن في المقدمة مهاجم كلاسيكي مثل دي يونج.
في المقابل لعب كونتي بخطة 3-5-2 المعتادة، بوجود خط وسط بدني كبروزوفيتش وجاليارديني وباريلا، وبيونج ودامبروزيو كأظهرة خط، ولوكاكو كعنصر بدني ضد دفاع الرقابة الذي فرضه لوبيتيغي، لتفريغ المساحة أكثر للاوتارو، وبعكس العملية حسب تمركز الدفاع للفريق الإسباني، بجعل لاوتارو هو عنصر الحركة بالكرة، وتحرك لوكاكو في المنطقة بدون كرة بعد فتح ثغرة في الدفاع.
خيسوس نافاس البالغ من العمر 35 عاماً كان من أهم أسلحة لوبيتيغي أمس وطيلة الموسم، هزم كونتي فعلياً في نقطة استغلها طيلة المباراة، وهي ضعف دفاع إنترميلان في الوقوف بشكل سليم داخل منطقة جزائهم. لذا استغل تحرك آشلي يونج المعتاد لداخل الملعب لأنه يلعب بقدمه اليمنى، وقام بتشتيته بتحرك سوسو بدون كرة للداخل، ونافاس على الخط يقوم بالعرضيات للمهاجم الكلاسيكي دي يونج، وقام بتسجيل هدفين من تلك الوضعية بشكل مباشر من نافاس وغير مباشر أيضاً.
مهاجم كبير أم صغير؟
في سن 27 عاماً قدم لوكاكو الكثير من العطاءات في عالم كرة القدم. بالأمس، قدم مباراة ممتازة، رغم الهدف الذي سجله في شباك فريقه، مثل باقي الموسم الذي قدم فيه مستويات هائلة بتسجيله 34 هدفاً لإثبات نفسه لكل من ظلموه في مانشستر يونايتد. لكن رغم أنه يعيش أنضج فترة في حياة أي لاعب الكروية، لكنه لا يتقن حيثيات التمركز الهجومي والدفاعي، وأمامه شوط طويل لإتقان عملية الإنهاء والتسديد في زوايا المرمى العليا.
في لقطة الهدف الذي قام بتسجيله في نفسه، الوضع الصحيح لوقوفه هو أن يكون وجهه وقدماه عكس هاندانوفيتش، أي يكون وجه اللاعب ناحية مهاجمي إشبيلية، حتى يتحول مسار الكرة داخل الملعب في العمق وليس في مرمى حارسه، لكن ما فعله لوكاكو كان عكس ذلك تماماً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.