يصل البارسا لختام الدوري بحظوظ أقل من غريمه الأزلي ريال مدريد، يتخلّف بالنقاط والمواجهات المباشرة لصالح الملكي، فضلاً عن أن مبارياته المتبقية أصعب نسبياً من تلك التي يواجهها الريال، كذلك يمرّ الأخير بفترة ممتازة ويبدو أن الجماهير قد نسَت ولو آنيّاً، بُرتغالياً أمسك المجد من طرفيه. والجدير بالذكر أن نادي العاصمة هو النادي الوحيد الذي حقق العلامة الكاملة منذ عودة عجلة الدوريات للدوران. حقّق نادي المُقاطعة الدوري 8 مرّات من آخر 11 موسماً، بالإضافة لدوري الأبطال في 3 مناسبات ضمن بطولات أُخرى عديدة.
المنطق الكروي يقول إن هذه الأرقام ستستمر بالتصاعد في قادم السنين، ومن غير المعقول أن نرى الألقاب تغيب عن خزائنه وأن يبتعد عن المنافسة مع كبار القوم على الساحة الكروية. لكن ألم تنطبق ذات الحُجّة على آي سي ميلان منذ عقدٍ مضى؟
لاعبون تقدّموا في السن
لا يختلف اثنان أن فرضية تكرار التجربة الميلانية مع البارسا غير مُرجّحة، لكن هناك أسباب كافية تجعلك تُفكر في إمكانية حدوث ذلك، فإذا ما أخذنا أعمار بعض اللاعبين من موسم 2016-2017 فنجد: ميسي، سواريز، إنييستا، بوسكيتس، راكيتيتش، جوردي آلبا، وبيكيه إما تجاوزوا الثلاثين أو يدركونه في ذاك العام.
اللاعبون المذكورون أعلاه هم العمود الفقري للفريق، بالأخصّ خط الوسط الذي يبني عليه برشلونة أسلوب لعبه والذي كان له الفضل الأكبر في نجاحاته في العقد الأخير.
في المواسم التالية استمرت سياسة جلب الكبار بالسن كأنما البارسا يريد سرقة لقب السيدة العجوز من اليوفي؛ فتمّ انتداب باولينيو من الدوري الصيني بصفقة حيّرت الكثير من المشجعين. وفي الموسم الذي يليه حطّ أرتورو فيدال رحاله في كتالونيا في محاولة يائسة لسدّ فراغ تركه الرسّام وراءه.
والجدير بالذكر، أن فترة التوقف بسبب كورونا قد كشفت سوء الحالة البدنية للاعبين المذكورين أعلاه.
ومن الصفقات الغريبة أيضاً صفقة جيريمي ماثيو، ومؤخراً كيفين برينس بواتينغ الذي لم يعد يملك من ماضيه الكروي سوى الاسم فقط. وفي آخر الصفقات جلب برشلونة ميراليم بيانيتش بصفقة تبادلية يتخلّى بموجبها برشلونة عن آرثر، نعم آرثر! لصالح اليوفي. وفي المقارنة مع الريال، ففي 2014 قام بيريز بصفقة كروس-ألونسو التبادلية مع البايرن، بصفقة وُصفت بأنها "ضربة معلم".
وفي ظل استمرارية التخبط بالإدارة، فإن بقاء لاعبين مثل تير شتيغن وفرينكي دي يونغ يصبح موضع شك.
ما علاقة كل ذلك بالميلان؟
في موسم 2010-2011، وهو بالمناسبة آخر لقب دوري يحققه الروسونيري، كانت تشكيلة الميلان تعجّ بالعواجيز وعلى رأسهم لاعبو الوسط: بيرلو، غاتوزو، وسيدورف، بالإضافة للساحر رونالدينيو، نيستا، أبياتي، والقيصر زلاتان. استمر الميلان بعواجيزه للموسم التالي الذي شهد منافسة شرسة مع اليوفي على لقب الدوري، ليخسره في النهاية لصالح السيدة العجوز، لتكون بذلك آخر ذكرى من الزمن الجميل لجماهير البيغ ميلان، قبل أن تقوم ثورة، سلبية، في صفوف النادي برحيل معظم ركائزه و يلعب بأسماء جديدة كليّاً في الموسم القادم.
نفس السيناريو يتكرر الآن مع برشلونة، لاعبون كبار بالسن وكبار بالعطاء، ولكنه عطاء آني تزرعه اليوم وتحصده وتأكله في اليوم ذاته. ماذا عن المستقبل؟ أين ذهبت سياسة اللاماسيا؟ عندما كان البارسا في يومٍ من الأيام ينزل إلى الميدان بتشكيلة أغلبها من خريجي الأكاديمية ويأكل الخصم قبل أن يأكل الأخضر واليابس.
غياب الشبان وسوء الإدارة
أكاديمية برشلونة لم تعد ولّادة، تلك حقيقة يجب تقبُلها، أو الأصح أن نقول إن النادي لم يعد مُغرياً للاعبين الشبان، وأكبر مثال على ذلك، تشافي سيمونز فضّل أزرق وأحمر العاصمة الفرنسية على العاصمة الكتالونية، والعاق تاكيفوسا كوبو وجد عشب البرنابيو أكثر نصاعةً من عشب الكامب نو.
الإدارة أيضاً تحمل وِزر اختفاء الدماء الشابة عن الفريق، بيع تياغو ألكانتارا عام 2013 لم يكن في محله، ولا أستغرب إن أراد النادي استقطابه من جديد في ظل الإدارة الحالية وهو الذي شارَف الثلاثين من عمره.
أيضاً من الشبان الراحلين عن النادي: منير الحدادي المتألق في إشبيلية حالياً، باكو ألكاسير صاحب البداية النارية في دورتموند التي تُضاهي بداية هالاند. ونذكر أيضاً، سيرغي روبيرتو المتواجد فعلياً ضمن صفوف الفريق ولكنه، لاستخدامه في غير مركزه، أصبحَ فاقداً للروح والشخصية، وفرصه في اللعب أساسياً تقلّ موسماً بعدَ آخر. ويُخشى أن يَلقى الموهبة الصاعدة آنسو فاتي مصير من سَبقوه إذا ما استمرت سياسات الإدارة الحالية.
ما بعد نيمار وتغير أسلوب اللعب
حقبة غوارديولا والزمن الجميل أصبحت من الماضي، ولعلّ برشلونة لا يزال يتشبث بما فات، وأسلوب التيكي التاكا أمحاه تاتا مارتينو بأسلوب "التيكي تاتا"! قبل أن يُصلح لويس إنريكيه ما أفسده سلفه بإضافة أسلوب المرتدات على طريقة اللعب، فأصبحت خطة اللعب خليطاً ما بين الاستحواذ الإيجابي والمرتدة السريعة. هذه الخطة الجديدة والمعدّلة آتت أُكلَها حين حقق لوشو الثلاثية الثانية للبلوغرانا في موسمه الأول، ثلاثية ساهم بها بشكلٍ كبير ثلاثي الـ"إم-إس-إن"، حقق بعدها النادي ألقاباً عديدة وكان متعة للناظرين تحت قيادة الإسباني.
لكن ما حدث بعد ذلك كان أشبه بالكارثي، في صيف 2017 رحل إنريكي عن خط تماس برشلونة، تبِعه رحيل نيمار المفاجئ إلى باريس سان جيرمان، ما اضطر الإدارة لإيجاد بديل للجناح البرازيلي.
جيرار ديلوفيو على الرغم من إظهاره إمكانيات كبيرة في صِغره، فإنه لم يكن على قدر المسؤولية المتروكة على الجناح الأيسر، فما كان من برشلونة إلا صرف الغالي والنفيس في سبيل إيجاد بديل مناسب.
لم تساعد الحالة البدنية للموهبة الشابة ديمبلي على فرض نفسه في التشكيلة، وفشِل كوتينيو في تثبيت قدميه بجوار ليو ميسي، وأثبتت خطة الـ4-4-2 بدلاً من الـ4-3-3 المعتادة أن الثنائي لم يكن في المستوى لتعويض الداهية نيمار جونيور، بالإضافة لتبني الفريق لأسلوب مختلف تحت قيادة إرنيستو فالفيردي.
تحت قيادة الأخير، رأينا برشلونة عشوائياً لم نره هكذا من قبل، رُغم ذلك حقق لقب الدوري في آخر موسمين، مستفيداً من تراجع مُخيف للملكي في الليغا، ومعتمداً على صاحب الكرات الذهبية الست ليو ميسي. لكن حتى أفضل لاعب في العالم لا يمكنه أن يُقدم سوى الكثير، فالخروج المُذل والمُفاجئ أظهر اعتماد برشلونة على الأرجنتيني أكثر من اللازم، أو ما يُعرف بالإسبانية "ميسي-دِبندنثيا". ما يجعلنا نتساءل عن حال النادي الكتالوني بعد اعتزاله.
تجارب مماثلة
يُعطينا التاريخ أمثلة عديدة ودروساً على البارسا الاستفادة منها إذا ما أراد تجنب ما يبدو أنه محتوم.
في إيطاليا، لاقى الإنتر ذات مصير الميلان، فبعد الفوز بالثلاثية بعُهدة مورينيو ورحيل الأخير، استمر بالتراجع مع مرور السنين قبل أن يُظهر بوادر العودة منذ قرابة الموسمين.
في إنجلترا لم يكن دائماً المارد الأحمر ليفربول بهذا الأداء المُرعب، فبعد الفوز بليلة إسطنبول التاريخية استمر بتقديم عروض مميزة في دوري الأبطال لبضعة مواسم أُخرى، قبل أن ينضم لأندية ميلانو في قائمة الغائبين عن الواجهة الكُروية. ولا ننسَ أيضاً الشياطين الحمر مانشستر يونايتد الذين، رفقة السير أليكس، جعلوا البريميرليغ بطولتهم الخاصة، ولا يزال البحث مُستمراً حتى اللحظة عن خليفة المدرب الأسكتلندي.
التاريخ لا يرحم أحداً، ولن يستهين بتكرار نفسه، هذه المرّة في إسبانيا. وإن كنت لا تُؤمن بإمكانية حدوث ذلك، كل المؤشرات والمعطيات أمامك لتتمعَّن بها، فهل تبدو لك مألوفة يا برشلوني؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.