يتذكر تاريخ كرة القدم بامتنان شديد عديد من الفرنسيين الذين تركوا بصمة بيضاء على اللعبة عبر تنظيم مسابقات دولية كان الهدف منها زيادة شعبية كرة القدم حول العالم.
من هؤلاء بالطبع المحامي جول ريميه صاحب فكرة تنظيم بطولة دولية تجمع منتخبات من مختلف دول العالم، وتكون منفصلة ليست ضمن برنامج يضم ألعابا أخرى مثل الألعاب الأولمبية، وهناك أيضا هنري ديلانوي الذي اقترح إنشاء كأس أوروبا للأمم لتكون أول بطولة تتنافس فيها المنتخبات الأوروبية فقط.
لكن كرة القدم لم تتوقف كثيرا أمام فرنسي آخر رغم إنه ترك بصمة لا تمحى على اللعبة، وهو لوسيان لوران الذي سجل أول هدف في تاريخ كأس العالم، حينما افتتح التهديف في مباراة افتتاح النسخة الأولى في أوروغواي عام 1930 حيث عاش يعاني من قسوة الحياة بعكس اللاعبين في الوقت الحالي، مغمورا لا يكاد يعرفه احد سوى زملائه العمال في مصنع بيجو للسيارات.
تلك المباراة جمعت بين منتخبي فرنسا والمكسيك، حيث تخلت أوروغواي عن حقها في لعب المباراة الافتتاحية لأول بطولة، تقديرا لجول ريميه صاحب فكرة المونديال، وكذلك تقديرا للاتحاد الفرنسي لكرة القدم الذي أصر على إرسال منتخبه عبر البحار للمشاركة في البطولة مخالفا بذلك ما كان يشبه الإجماع الأوروبي على مقاطعة المونديال بدعوى بعد المسافة بين أوروبا وبين أوروغواي التي أصر الاتحاد الدولي على إسناد تنظيم البطولة لها.
وكان يفترض ان تكون المباراة الافتتاحية منفردة، لكن نتيجة لسوء التنظيم والارتباك الذي ساد البطولة لأسباب كثيرة، تقرر إقامة مباراة أخرى في المجموعة الرابعة جمعت بين منتخبي أمريكا وبلجيكا.
وفي الدقيقة التاسعة عشر من المباراة التي أقيمت في الثالث عشر من يوليو/تموز عام 1930، كان العالم مع حدث تاريخي هو تسجيل أول هدف في البطولة الوليدة التي ستصبح لاحقا أشهر وأهم بطولة دولية للمنتخبات في كرة القدم، وإحدى أشهر البطولات في مجال الرياضة عموما.
ففي تلك الدقيقة اخترق اللاعب الفرنسي أرنست ليبيراتي دفاع المكسيك ثم مرر الكرة إلى زميله لوسيان لوران، الذي كان قصيرا مكيرا، فاستلم الكرة بسرعة ومر بها من المدافع المكسيكي ضخم الجثة، ثم أسكنها في شباك حارس المرمى المكسيكي أوسكار بونفيغليو.
وفاز المنتخب الفرنسي بأربعة أهداف مقابل هدف لكنه لم يتأهل الى الدور التالي، لأنه لم يذق الفوز في مباراتيه التاليتين في المجموعة، وكان نظام البطولة وقتها يقضي بتقسيم المنتخبات الثلاثة عشر المشاركة الى 4 مجموعات، ضمت 3 منها اربع فرق، بينما ضمت المجموعة الأولى فقط 4 فرق، وتأهل عن تلك المجموعة منتخبا الأرجنتين وتشيلي.
الطريف أن لوسيان لوران رغم انجازه الفريد الذي سبق فيه اللاعب الأمريكي بارت ماكغي بأربع دقائق فقط (سجل بارت هدف مباراة أمريكا وبلجيكا الأول في الدقيقة 23)، ورغم ان هدفه التاريخي ذاك كان أحد هدفين فقط سجلهما في مسيرته الدولية القصيرة مع منتخب الديوك، لم يتوقف عنده الكثيرون، ولم يمنحوه حقه سواء طوال عمره المديد الذي بلغ 97 عاما او بعد وفاته في 11 ابريل/نيسان عام 2005.
ففي حياته لم ينجح في الحصول على تفرغ من أجل اللعب مع فريق سوشو، واضطر للاستمرار في عمله كعامل في مصنع بيجو لتصنيع السيارات، بجانب لعب الكرة، حيث كان الاتحاد الفرنسي يمنحه ما يكفي احتياجاته اليومية، وخلال فترات المعسكرات والمباريات الدولية فقط.
لعب 10 مباريات دولية فقط مع المنتخب ولم يشارك في مونديال إيطاليا بسبب الاصابة، وكذلك في مونديال فرنسا 1938 بعدما استبعده المدرب غاستون بارو لكبر سنه، حيث كان قد بلغ الحادية والثلاثين وهو عمر متقدم للاعب الكرة في ذلك الوقت.
واستمر سوء الحظ يطارد لوران فتم استدعائه للخدمة العسكرية بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية، وأسرته القوات الألمانية التي اجتاحت فرنسا، حيث بقى أسيرا لمدة 3 سنوات ، قبل أن يتم الإفراج عنه ليعود الى لعب الكرة وهو في السادسة والثلاثين من عمره، لمدة عام واحد ليعتزل بعده نهائيا.