من بين الأهداف التي تستحق دخول تاريخ كرة القدم العالمية من أوسع أبوابها، ذلك الهدف الذي سجّله المهاجم اليوناني أنجيلوس خاريستياس، في الدقيقة 57 من عمر المباراة النهائية لكأس أوروبا صيف 2004 في مرمى المنتخب البرتغالي المضيف.
ذلك أن الهدف يمثل نموذجاً عملياً للحكمة التي تقول إنه يمكن ضرب عدة عصافير بحجر واحد، حيث فازت اليونان لأول -وربما لآخر مرة- في تاريخها بكأس أوروبا التي تمنعت على منتخبات أكثر قوة وأحسن سُمعة مثل المنتخب الإنجليزي.
كما جاء الهدف من المحاولة الوحيدة لمنتخب اليونان على مرمى البرتغال طوال المباراة النهائية، مقابل 5 محاولات للبرتغاليين، ومن الركنية الوحيدة التي احتسبت للضيوف مقابل 10 ركنيات للمنتخب المضيف.
الأهم من ذلك أن الهدف نشر حالةً من الفرحة غير المسبوقة في أنحاء بلاد الإغريق، بعدما تذوّق الشعب اليوناني طعم الانتصار الكروي في واحدة من المرات النادرة في تاريخ منتخب بلاده المتواضع.
كذلك كان الهدف بمثابة تتر النهاية للجيل الذهبي في البرتغال الذي كان يقوده لويس فيغو، نجم برشلونة وريال مدريد السابق، بجانب روي كوستا ونونو غوميز وكارفاليو وديكو وباوليتا ومعهم اللاعب الصغير وقتها كريستيانو رونالدو صاحب الـ19 عاماً.
ورُغم تألق أغلب نجوم ذلك الجيل مع فرقهم، فإنهم لم يستطيعوا فكّ شفرة البطولات مع المنتخب البرتغالي الأول، وودّعوا الملاعب دون أن يحمل أي منهم لقباً مهماً مع منتخب بلاده.
تأهل منتخب اليونان الذي لم يكن يضم لاعباً واحداً شهيراً خارج اليونان، ربما باستثناء مدربه الألماني أوتو ريهاغل إلى كأس أوروبا، بعدما تصدر مجموعته السادسة في التصفيات، متفوقاً على المنتخب الإسباني الذي لم يكن في ذلك الوقت مخيفاً مثلما بدا لاحقاً، وربما هذا ما جعل الكثيرين لا يلتفتون للقدرات الكامنة في المنتخب اليوناني ولا الخطر الذي يمكن أن يشكّله على المنتخبات المصنفة للفوز باللقب الأوروبي.
حتى بعد الفوز على البلد المضيف مباراة الافتتاح بهدفين لهدف، لم يعتبر المحللون أن النتيجة تحمل أي دلالة فنية يمكن أن تدفعهم لمراجعة تقييمهم للمنتخب اليوناني، بقدر ما اعتبروا الأمر مجرد مفاجأة من المفاجآت التي تحفل بها البطولات الأوروبية.
لكن المنتخب اليوناني واصل تقدمه وتأهل الى الدور الثاني وصيفاً للمنتخب البرتغالي، بعدما أزاح منتخب إسبانيا للمرة الثانية، ومعه منتخب روسيا.
وفي ربع النهائي قهر الإغريق منتخب فرنسا حامل لقب البطولة السابقة بقيادة نجومه الكبار زيدان وتريزيغيه وتييري هنري وغيرهم، بهدف نظيف للمهاجم أنجيلوس خريستياس، ثم تجاوز التشيك في نصف النهائي بهدف في الوقت الإضافي للاعب تراينوس ديلاس.
وعندما جاء موعد المباراة النهائية التي جمعت بين منتخبي لقاء الافتتاح، توقع الجميع أن يلتهم المنتخب البرتغالي المدعوم بالنجوم والجماهير والعروض الجميلة، منافسه اليوناني الذي اتبع استراتيجية "حافة الهاوية" وصولاً إلى النهائي، وهي الاستراتيجية التي طبقها المدرب ريهاغل من خلال تدعيم الدفاع وقتل الكرة في نصف الملعب، مع شن هجمتين مرتدتين أو ثلاثة طوال المباراة يسجل منها هدف الفوز.
وبينما انتظر عشرات الآلاف داخل ملعب دا لوز في العاصمة لشبونة، والملايين حول العالم ردة فعل من المنتخب البرتغالي الطامع للفوز بأول لقب أوروبي في تاريخه، والمتطلع للثأر من هزيمته المفاجئة في لقاء الافتتاح، جاءت المبادرة من المهاجم أنجيلوس خاريستياس، الذي حول برأسه الركنية الوحيدة التي أتيحت لليونانيين طوال المباراة داخل مرمى الحارس البرتغالي ريكاردو.
حاول المنتخب البرتغالي العودة في المباراة، بقيادة مدربه البرازيلي فيليبي سكولاري الذي تولى المهمة مدعوماً بقيادة منتخب بلاده للفوز بمونديال 2002 في كوريا الجنوبية واليابان، لكنه اصطدم بدفاع يوناني حديدي، ليعلن الحكم الألماني ماركوس ميرك نهاية اللقاء بتتويج تاريخي لليونان، وينخرط الشاب رونالدو في نوبة بكاء أنست زملاءه أحزانهم وتدافعوا للتخفيف عن النجم الشاب الذي سيصبح لاحقاً أحد قطبي كرة القدم العالمية مع الأرجنتيني ليونيل ميسي.