هو واحد من خيرة هؤلاء الذين داعبت قدماهم كرة القدم على الإطلاق، أطلق عليه الساحر ومصارع الثيران وخليفة دييغو مارادونا، أسطورة الأرجنتين في كرة القدم، خوان رومان ريكيلمي أحد صناع السعادة بعالم الساحرة المستديرة، والذي جاء في غير زمانه كروياً وظلمته ظروفه العائلية وسوء حظه مع المدربين.
وكانت قصته مع الساحرة المستديرة غريبة للغاية، حيث إنه قبل يوم واحد من فوز الأرجنتين بكأس العالم 1978، حظي رومان ريكيلمي بطفل ذكر سماه خوان، ربما راهن رومان أصدقاءه بأن طفله الذي يبلغ يوماً واحداً سيكون ماريو كيمبس جديد، وكان رومان ريكيلمي جاداً في مراهناته، فالرجل الذي كان زعيم عصابة محلية يتسم بالعنف في تلك المسائل.
إلا أن خوان الصغير لم يخيب آماله، كبر خوان بالفعل وهو يداعب الكرة ويلتصق بها يوماً بعد الآخر حتى التقطته أيدي كشافي نادي جونيور أرجنتينوس، ذلك لم يكن كافياً للأب، لم يستطع رومان ريكيلمي أن ينتظر حتى يحصل على عوائد هذا الكنز الذي يبيت في بيته كل ليلة.
وأجبر رومان ابنه الصغير على اللعب في مباريات تُلعب في الأساس من أجل عمليات القمار غير القانونية في حي دون توركاتو في بوينس آيرس، كان ريكيلمي الصغير يتعرض للضرب، حتى لا يتوقف عن لعب كرة القدم وهو في سن العاشرة.
ولم تكن موهبة ريكيلمي بتلك التي قد تخفى عن أعين كبير الأرجنتين نادي بوكا جونيورز، تماماً مثلما أتى مارادونا من نادي جونيور أرجنتينوس إلى العملاق بوكا فعل ريكيلمي، ولكنه فعل ذلك في سن الثمانية عشرة، ولمدة ستة مواسم توهج ريكيلمي بقميص البوكا كما لم يحدث منذ موسم مارادونا 1981.
قدّم ريكيلمي الشكل الكلاسيكي لصانع اللعب الأرجنتيني تماماً، القدرة على انتزاع الدهشة من قلوب بلاد تدين بدين كرة القدم ليست عملية السهلة على الإطلاق، يندفع ريكيلمي بالكرة نحو خمسة من المدافعين ليخرج بها في مشهد سينمائي تماماً، يتهادى بالكرة في منتصف الملعب ثم يخدع الكاميرا بتمريرة للاعب لا يراه أحد سواه.
يسدد الركلات الثابتة إذا أراد والمتحركة بعد أن يطرح واحداً أو آخر من منافسيه أرضاً، كأنه لا يمكنه أن يسدد الكرة إلا بعد أن يراوغ أحدهم، أحرز ريكيلمي خمس بطولات خلال ستة مواسم مع البوكا، ثم قرر أن يسير على خطى ساحر برشلونة بالطبع "مارادونا".
وبالفعل في عام 2002 انتقل ريكيلمي إلى نادي برشلونة الإسباني، الذي كان يشرف على تدريبه الهولندي لويس فان خال، والذي لم يكن على قناعة بالأرجنتيني القادم، وكان يرى فيه صفقة انتخابية لن تفيد الفريق.
فكان يريد المدرب الهولندي كرة قدم سريعة وبالطبع لا تناسب ريكيلمي، الذي يتماشى مع كرة القدم الجمالية أكثر واللعب الكلاسيكي الذي تغير تماماً مع انتهاء حقبة التسعينيات في كرة القدم، ولم تصبح السرعة اختياراً قد تستغني عنه كما هو في السابق، بل أصبحت ضرورية للغاية حتى لا تجد نفسك تقف مكتوف الأيدي أمام تحركات منافسيك.
لم يتحمل فان خال ريكيلمي أكثر من موسم، ليودعه قائلاً: "أنت أفضل لاعب بحوزته الكرة، لكن عندما تفقدها فالفريق يلعب ناقصاً لاعباً"، وكان رد ريكيلمي أكثر غرابة: "لماذا عليَّ أن أركض عوضاً عن الكرة؟".
وانتقل ريكيلمي إلى فياريال صاحب المستوى المتوسط حينئذ، لينقل الفريق إلى درجة أعلى، فيحل ثالثاً في الترتيب ويخرج من دوري أبطال أوروبا في نصف النهائي بعد أن أطاح بعملاقي إنجلترا وإيطاليا مانشستر يونايتد وإنتر ميلان، لكن ما قدمه فياريال لريكيلمي كان كثيراً أيضاً.
فطلب المدرب الإسباني لفياريال، بينيتو فلورو، من ريكيلمي أن يأتي قبل نصف ساعة من المران حتى يتسنى له العمل على علاج إصابته العضلية، لكن ريكيلمي قرر أن يأتي قبل 20 دقيقة فقط من المران واستهلك ذلك الوقت في تلميع حذائه.
وأعاد ريكيلمي فعلته تلك بعد ثلاثة أيام، ليقرر بينيتو استبعاده من الفريق، لكن ريكيلمي تواصل مع رئيس النادي وطلب اللعب، وهو ما حدث، وبدلاً من أن يُستبعد ريكيلمي من الفريق تمت إقالة بينيتو، واستجاب فياريال لطلبات ريكيلمي كاملة، طائرة محملة بأصدقاء ريكيلمي من حي دون توركاتو الأرجنتيني، لم يلقوا بالاً لإصاباته غير المبررة، غضوا النظر عن الحصص التدريبية التي لم يكن يحضرها، لم يبدأ ريكيلمي مباراة واحدة كاحتياطي خلال موسمين، فقد تم بناء الفريق حوله.
وسمح له بالسفر للأرجنتين لحضور ميلاد ابنه، وعندما عاد أعلن أنه لا ينوي التدرب، كان قد طفح الكيل بمدرب فالنسيا ذلك الوقت مانويل بيليجريني، وطفح كيل رئيس النادي الذي صرح: "سيفي ريكيلمي بجميع التزاماته تجاه النادي وإلا فسيكون في مشكلة شخصية معي أنا". لقد طفح كيل فياريال بأكملها بينما ريكيلمي لا يأبه بذلك كله، فكانت العودة للأرجنتين.
وقال حينها مقولته الشهيرة: "أنا لم أؤمن قط بالتكتيكات، كرة القدم بسيطة للغاية. إذا كنت أفضل من منافسك فستفوز"، ثم عاد ريكيلمي إلى نادي بوكا جونيورز عام 2007 بعد خمس سنوات قضاها في إسبانيا دون أن يحقق بطولة.
وهنا السؤال المُلح في مسيرة موهبة عظيمة مثل خوان، هل أتى ريكيلمي في الزمن الخطأ؟ فنياً كان قادراً على تعويض بطء حركته بمهاراته ورؤيته الثاقبة، لكن أموراً مثل عدم حبه للتدريب أو كرهه للتكتيكات أطاحت به من قمة لاعبي الكرة.
ولكنه ترك مسيرة عظيمة رغم كل تلك المعطيات، حيث تضمَّن سجله 670 مباراة و173 هدفاً في أربعة أندية فحسب، هي بوكا جونيورز وأرخنتينوس في بلاده، وبرشلونة وفياريال في الدوري الإسباني، يضاف إلى ذلك تألقه مع منتخبي الشباب والكبار في الأرجنتين.
وفاز بجائزة أفضل لاعب أرجنتيني عامي 2000 و2001، وجائزة أفضل لاعب بأمريكا الجنوبية موسم 2001، وجائزة أفضل لاعب أرجنتيني وأفضل لاعب أمريكي جنوبي عام 2009، متفوقاً على مواطنه خوان سيباستيان فيرون.
وعلى المستوى الدولي، فبرغم المطالبات الجماهيرية بإشراك ريكيلمي في مونديالي 1998 و2002، فإن ريكيلمي لم يمثل منتخب بلاده إلا في كأس العالم 2006، وصُنف على أنه أحد أفضل اللاعبين فيه، ولكن خرجت الأرجنتين من الدور ربع النهائي أمام ألمانيا مستضيفة البطولة.
بعد مونديال 2006 وبالتحديد في 13 سبتمبر/أيلول 2006، أعلن ريكيلمي اعتزاله دولياً، بسبب مرض والدته التي دخلت المستشفى مرتين في العام نفسه، في 2007 استدعاه مدرب الأرجنتين ألفيو باسيلي لبطولة كوبا أمريكا 2007، وكان أحد نجوم البطولة وسجل خمسة أهداف وتُوج وصيفاً لهدافي البطولة بعد البرازيلي روبينيو ومن سوء حظه فقد خسرت الأرجنتين المباراة النهائية أمام غريمتها التاريخية البرازيل بثلاثية نظيفة، ثم ساهم ريكيلمي أيضاً في فوز الأرجنتين بذهبية أولمبياد بكين 2008، ليعلن اعتزاله دولياً في عام 2009.