في 5 يوليو/حزيران 2019، أتم يوفنتوس الإيطالي صفقةً بدت للكثيرين شديدة الغرابة حين دفع لمواطنه ساسولو 18 مليون يورو مقابل الحصول على خدمات المدافع التركي مريح ديميرال.
اللاعب التركي لم يأتِ إلى إيطاليا إلا في يناير/كانون الثاني 2019 قادماً من ألانيا سبور التركي، صحيح أنه شارك أساسياً في معظم مباريات ساسولو، لكنه لا يبغ من العمر سوى 21 عاماً. فلماذا ضمّه يوفنتوس؟
أزمة في دفاع يوفنتوس مع انتهاء عهد BBC
إدارة "السيدة العجوز" كانت تدرك جيداً أن الفريق سيواجه أزمةً كبيرةً في خط الدفاع خلال موسم 2019/2020؛ فثلاثي الدفاع المعروف إعلامياً بـ BBC بدأ يتهاوى باعتزال آندريا بارزلي (37 عاماً)، وبلوغ جورجيو كيلليني عامه الـ 35، مقابل 32 عاماً للضلع الثالث ليوناردو بونوتشي.
لذلك استثمر يوفنتوس نحو 85 مليون دولار للتعاقد مع الموهبة الهولندية ماتيس دي ليخت (20 عاماً)، بعدما قدّم اللاعب موسماً استثنائياً مع آياكس أمستردام في 2018/2019 بلغ فيه الفريق الهولندي نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، وأخرج يوفنتوس بالذات من الدور ربع النهائي.
بوجود كيلليني وبونوتشي ودانييلي روغاني (25 عاماً) إلى جانب دي ليخت، كان من المفترض أن يكتفي يوفنتوس بـ 4 لاعبين في مركز قلب الدفاع، لكن إدارة "السيدة العجوز" أصرّت على التعاقد مع ديميرال.
كانت الخطة أن يدخل دي ليخت وروغاني ضمن التشكيلة الأساسية ليوفنتوس بالتدريج، فالشاب الهولندي كان بحاجة إلى وقتٍ كافٍ للتأقلم مع أسلوب لعب الفريق وكرة القدم الإيطالية بشكلٍ عام، أما روغاني فكان من المنتظر أن يعتمد عليه المدير الفني ماوريسيو ساري كبديلٍ ثانٍ لكيلليني وبونوتشي.
وبالنسبة لديميرال، فتوقع الجميع أن يبيعه يوفنتوس بـ 30 – 40 مليون يورو في السوق الصيفية، محققاً ربحاً يتراوح بين 15 – 25 مليون يورو بعد أسابيع قليلة من التعاقد معه.
فالشاب التركي لا يملك خبرةً كافيةً للدفاع عن ألوانٍ نادٍ كبيرٍ مثل يوفنتوس؛ فمسيرته الرياضية تقتصر على اللعب لسبورتينغ لشبونة البرتغالي، وألانيا سبور التركي، وساسولو الإيطالي.
الظروف تساعد دي ليخت على حجز مكانٍ أساسي
لكن قبل إغلاق السوق الصيفية بأيام حدث ما لم يتوقعه أحد، تعرّض القائد كيلليني لقطع في الرباط الصليبي في أواخر أغسطس/آب 2019، ما اضطر المدرب ماوريسيو ساري للدفع بالشاب الهولندي أساسياً في مرحلة مبكرةٍ جداً من الموسم.
في مبارياته الأولى، ارتكب دي ليخت أخطاء فادحة تسببت في تفريط يوفنتوس بتفوقه 0-3 على مضيفه نابولي، إلى الفوز 4-3 بهدفٍ عكسي في نهاية الوقت بدل الضائع من المباراة.
توالت أخطاء دي ليخت، فتسبب في احتساب عدة ضربات جزاء ضد فريقه بسبب لمسات يده المتكررة، فبلغ معدّل تقييم أدائه في المباريات الـ 13 التي خاضها في الدوري المحلي 6.66/10، بينما حقق متوسط تقييم بلغ 6.99 في المباريات الأربع التي خاضها ضمن منافسات دوري أبطال أوروبا.
أداء اللاعب كان متواضعاً نسبياً مع منتخب هولندا، إلا أن "الطواحين" نجحوا في بلوغ نهائيات كأس أوروبا 2020 بفضل قوة هجومهم.
ديميرال ورفيقه سويونجو يحققون المعجزات مع تركيا
في الوقت الذي كان فيه دي ليخت يقدّم أداءً متذبذباً مع يوفنتوس، كان ديميرال يحقق المعجزات مع منتخب تركيا في تصفيات كأس أوروبا 2020؛ إذ لم تهز شباك المنتخب التركي سوى 3 مرات فقط خلال 10 مباريات خاضها في التصفيات.
مريح ديميرال وزميله تشالار سويونجو المحترف في صفوف ليستر سيتي الإنجليزي، شكّلا جداراً دفاعياً صلباً أمام خصوم تركيا، التي لم تستقبل سوى هدفين أمام مضيفتها أيسلندا (1-2)، وبطلة العالم فرنسا (1-1)، وساهما بقوة في بلوغ تركيا النهائيات للمرة الخامسة في تاريخها.
تألقُ اللاعب البالغ من العمر 21 عاماً مع منتخب بلاده، وانتشارُ مقاطع تؤكد مهاراته الدفاعية، دفع بعض جماهير يوفنتوس لمطالبة ساري بالدفع به أساسياً، خصوصاً مع ظهور علامات الإرهاق والإجهاد على بونوتشي ودي ليخت.
ساري يفاجئ الجميع ويدفع بديميرال أساسياً
في البداية، بدا وكأن المدرب الإيطالي العنيد لا يريد حتى تجربة ديميرال؛ فدفع بروغاني في أكثر من مناسبة، إلى أن اقتنع أخيراً بإشراك المدافع التركي في مباراة يوفنتوس مع باير ليفركوزن الألماني ضمن الجولة الأخيرة من الدور الأول لدوري أبطال أوروبا.
ورغم أن اللقاء مثّل مجرّد مواجهةٍ شكلية ليوفنتوس، فإن "السيدة العجوز" خرج فائزاً 2-0، وسط استغراب الجميع من دفع ساري بديميرال أساسياً للمرة الثانية في الموسم، فكان اللاعب عند حسن الظن وحاز تقييماً بلغ 7.5/10.
أداء ابن الـ 21 عاماً دفع ساري للاستعانة به كأساسي في مباراة أودينيزي التي انتهت بفوز يوفنتوس 3-1، ونال فيها اللاعب تقييماً بلغ 8.3/10، فزُّج به كأساسي في مواجهة سامبدوريا الصعبة التي أبلى فيها بلاءً حسناً أيضاً، وساهم بفوز فريقه 2-1 رغم جهوزية دي ليخت لخوض المباراة.
ساري: من الطبيعي أن أستفيد من طاقة بديميرال
المفاجأة المدوية تمثّلت باستعانة ساري بديميرال على حساب دي ليخت في كأس السوبر الإيطالية التي استضافتها العاصمة السعودية الرياض في 22 ديسمبر/كانون الأول 2019، والتي خسرها حامل لقب الدوري الإيطالي 1-3.
ساري لم يكتفِ بالاستعانة بديميرال كأساسي، بل قال عنه: "لديه قدرٌ عظيم من الطاقة الإيجابية التي ينقلها إلى زملائه. نحن بحاجة للاستفادة من ذلك في الوقت الراهن. إذا رأيت لاعباً مليئاً بالطاقة في التدريبات، فمن الطبيعي أن تدفع به كأساسي. ديميرال يتمتع بثقةٍ عاليةٍ بالنفس في هذه الفترة، وبالتالي من الطبيعي جداً أن يشارك كأساسي".
ورغم الهزيمة بفارق هدفين، فإن ديميرال لا يتحمل مسؤولية أيٍ من الأهداف الثلاثة التي استقبلتها شباك حارس المرمى البولندي فويتشيك تشيزني، فنال تقييم 6.44/10.
هل بدأ دي ليخت يشعر بالتوتر من ديميرال؟
ما زال من المبكر جداً الحكم على تجربة دي ليخت – الفائز بجائزة مجلة France Football لأفضل لاعب شاب في العالم في العام 2019 – وديميرال أو توقع مستقبلهما مع يوفنتوس؛ لكن صحيفة TuttoSport المقربة من بطل إيطاليا، سارعت بالتأكيد على ثقة ساري بمدافعه الهولندي، مشيرةً إلى أنه استغل فترة استبعاده من التشكيلة الأساسية في الراحة من ضغط المباريات.
أما ديميرال فيبدو مرشحاً قوياً ودائماً لهزّ عرش دي ليخت، وربما بونوتشي أيضاً! فهو اللاعب الذي قال عنه المدير الرياضي ليوفنتوس فابيو باراتيتشي، إنه كان اللاعب الأكثر طلباً في سوق الانتقالات الصيفية، وإن الإدارة لا تفكر أبداً في بيعه.