انتقال ملكية نادي نيس الذي يلعب في الدوري الفرنسي إلى الملياردير البريطاني جيم راتكليف، من مالكه الأمريكي الصيني السابق، في صفقة بقيمة تتراوح بين 100 و120 مليون يورو (115 و128 مليون دولار)، أثار حالة من الجدل في الشارع الرياضي الفرنسي لا تزال في عنفوانها حول مستقبل كرة القدم في فرنسا ومستقبل الأندية نفسها.
تظهر على فرنسا مؤشرات أنها قد تكون سوق كرة القدم الذي يستهدفه المستثمرون في المرحلة المقبلة. إذ تتضمن المعاملات الأخرى التي أُجريت على النوادي الفرنسية في الشهور الأخيرة: نادي بوردو (105 ملايين دولار تقريباً)، ونادي ليل (88.5 مليون دولار تقريباً).
ويعتقد القائمون على كرة القدم الفرنسية أنه مع توافر المستثمرين المناسبين، يمكن أن ينافس الدوري الفرنسي الممتاز نظيره الإنجليزي الذي يعد أعلى دوريات العالم قيمة. فمع تكلفة دخول السوق الأقل نسبياً، مقارنةً بكرة القدم الإنجليزية والإيطالية، تمتلك كرة القدم الفرنسية، في رأيهم، فرصةً لتحقيق ذلك.
يقول ديديه كيو، المدير العام لرابطة الدوري الفرنسي LFP، في حواره مع موقع SBD Global: "بفضل بطولة أمم أوروبا 2016، نمتلك الآن 16 ملعباً يحتوي كل منها على أكثر من 30 ألف مقعد، من بينها ثمانية ملاعب تمتلك 40 ألف مقعد".
واستطرد: "كذلك فإنه من بين أفضل 10 أكاديميات (كرة قدم) في العالم، ثمة 5 فرنسية: ليون، ورين، وبوردو، وباريس سان جيرمان، وتولوز. ففرنسا أفضل مصنع لإنتاج اللاعبين في العالم".
يقع الدوري الفرنسي الممتاز "ليغ 1" في المرتبة الخامسة ضمن أكبر خمسة دوريات أوروبية من حيث الأرباح، بعد البريمييرليغ الإنجليزي، والبوندسليغا الألماني، ولا ليغا الإسباني، وسيري A الإيطالي. أضاف كيو: "هناك مساحة للتقدم. ولا يوجد سبب -خلال السنتين أو الثلاث القادمة- يمنع الدوري من أن يصبح رقم اثنين في أوروبا".
خطوة إلى الأعلى
من ناحيته يرى أوريلين فرانسوا، المحاضر في الاقتصاد الرياضي بجامعة روان الفرنسية خلال حديثه إلى قناة DW الألمانية، أن أول التشريعات القانونية المقيدة للاستثمار الأجنبي في كرة القدم الفرنسية والتي تلزم الأندية بالاحتفاظ بحصة تبلغ 33% على الأقل في شركاتها الخاصة وفرت حماية لكرة القدم الفرنسية من الاستثمار الأجنبي لعهد طويل حتى أوائل الألفية الثالثة.
وتابع مستدركاً: "لكن أندية كرة القدم تبنت تدريجياً تشريعات أكثر (انفتاحاً) أُدخِلت في القانون الفرنسي منذ ذلك الحين".
واليوم أعادت الأندية الفرنسية كافةً هيكلة نفسها في شكل "شركات رياضية محترفة ذات شخصية اعتبارية" أو "شركات مساهمة مبسطة (SAS)"، لا تفرض عليها أي قيود من حيث الاستثمار الأجنبي.
وقال فرانسوا: "من الممكن أن أقول إنه لا توجد، في الواقع، أي قيود قوية أخرى على أعمال كرة القدم الفرنسية، فإذا كان مالك النادي يرغب في بيع ناديه، فهو يحتاج موافقة أغلبية المساهمين إلى جانبه؛ لكن في كثير من الحالات، يستحوذ المالك على أكثر من 50% من رأس مال النادي".
وأضاف فرانسوا: "من الممكن أن أقول إن تجارة كرة القدم الفرنسية قريبة للغاية من الوضع بإيطاليا، وفي إنجلترا ولكن بدرجة أقل". واستطرد: "بالفعل، يبدو النموذج الفرنسي راسخاً في المنطق الليبرالي بسبب القواعد والتشريعات الجديدة، التي تفتح الطريق أمام الاستثمار الأجنبي".
نموذج مختلف
من هذا المنطلق، يرى فرانسوا أن النموذج الفرنسي يختلف عن الألماني والإسباني.
في الدوري الألماني، هناك قاعدة 50 + 1 التي تنص على أنه من أجل المشاركة في المنافسات الوطنية، يجب أن يمتلك النادي غير الهادف للربح أغلبية شركته الخاصة. ونتيجة لذلك، تعيق هذه القاعدة امتلاك المستثمرين الأجانب لحصص من رؤوس الأموال.
في النموذج الإسباني، لا توجد قاعدة تتيح للمستثمرين الأجانب، كصناديق التحوط، المشاركة في رأس مال أي نادٍ.
فالنموذج الحاكم لأرقى النوادي، مثل ريال مدريد وبرشلونة، وبدرجة أقل، أتلتيك بلباو وأوساسونا، يجعل من دخول المستثمرين أمراً مستحيلاً. وفي الواقع، يحكمها مجلس من "الشركاء" الذين يملكون حقوق التصويت في أنديتهم.
يقول فرانسوا: "بالنظر إلى حقيقة أن تجارة كرة القدم تعاني عجزاً دائماً، من الممكن أن أقول إن جميع مالكي الأندية بائعون محتملون".
ومن ثم، فمن المتوقع أن نرى عمليات استحواذ خلال السنوات القليلة القادمة. وقد اقترب سانت إتيان ونانت من العثور على مستثمرين أجانب. فقد بدأ فالديمار كيتا، صاحب شركة نانت، في هذا العام، مناقشات مع أحد صناديق التحوط حول الاستحواذ على النادي، على الرغم من توقف المفاوضات.
عودة لصفقة شراء نادي نيس، حيث يتجاوز المبلغ الذي دفعه راتكليف المبلغ الذي دفعته شركة قطر للاستثمار لشراء نادي باريس سان جيرمان في يوليو/تموز 2011 والذي بلغ 79 مليون يورو (87.5 مليون دولار تقريباً)، كما يتجاوز مبلغ 45 مليون يورو (50 مليون دولار تقريباً) الذي دفعه رجل الأعمال الأمريكي فرانك ماكورت للاستحواذ على نادي مارسيليا في سبتمبر/أيلول 2016.
والسؤال الآن هو: هل يتغير وضع نيس بعد انتقال ملكيته إلى الملياردير الإنجليزي مثلما حدث لباريس سان جيرمان الذي هيمن على الكرة المحلية في فرنسا طوال السنوات الماضية؟
يقول موقع قناة DW الألمانية إن الحقيقة أنه بعد أكثر من 60 عاماً من كونه أحد الأعضاء المؤسسين للاتحاد الأوروبي لكرة القدم، وهو الجهاز المعني بإدارة كرة القدم الأوروبية، نادراً ما كان نادي كرة القدم الفرنسي في موقع غير هامشي، وربما يكون تعديل هذا الوضع هو التحدي الأساسي للمالك الجديد.