في البرازيل عادةً ما يكون وراء كل لاعب كبير قصة درامية كبيرة، لكن مهاجم ليفربول الإنجليزي روبرتو فيرمينو يتميز عن كل هؤلاء بأن قصته الدرامية دارت أحداثها داخل الملاعب وليس خارجها، مثل بيليه مثلاً، الذي بدأ حياته ماسحاً للأحذية.
فمنذ بدايته الكروية وخلال مشواره الاحترافي في أوروبا، رافقت فيرمينو حالة متواصلة من قلة التقدير، حتى أوقعه القدر في طريق الألماني يورغن كلوب، الذي أعاد اكتشاف قدراته ونجح في نفض التراب عنها، ليصبح المهاجم الأساسي لمنتخب السامبا.
كانت مغامرة فيرمينو الأوروبية الأولى في نادي مارسيليا الفرنسي، الذي اعترف مسؤولوه لاحقاً بحماقتهم، بعد رفضهم التعاقد مع اللاعب الشاب، بعدما عرضوا عليه خوض فترة اختبار مع الفريق عام 2009.
وقال إيراسمو دامياني، المدير السابق لنادي فيغيرنسي البرازيلي، حيث بدأ فيرمينو مسيرته الاحترافية: "كان هناك (في مرسيليا) لمدة خمسة عشر يوماً، ولم يستمر لأنهم قرَّروا التعاقد مع لاعب آخر. أبدى نادي بي إس في أيندهوفن أيضاً اهتمامه بفيرمينو، لكنهم لم يقدموا عرضاً محدداً" .
تعاقد نادي هوفنهايم الألماني مع اللاعب بعد ذلك بعامين، قبل أن يلفت فيرمينو أنظار يورغن كلوب لأول مرة في مواجهة بوروسيا دورتموند (الذي كان يدربه كلوب آنذاك). وعندما تولى كلوب تدريب ليفربول، في أكتوبر/تشرين الأول 2015، كان المدرب الألماني متحمساً للغاية في حديثه عن المهاجم البرازيلي الذي تعاقد معه النادي مؤخراً. وقال كلوب: "رأيت أن ليفربول قد تعاقد معه (فيرمينو)، وقلت لنفسي "كيف تمكنوا من فعل هذا؟"
وظن مشجعو الفريق الإنجليزي، الذين رأوا فيرمينو يعاني في مركز الجناح الأيسر خلال الأيام الأخيرة من عهد مدرب ليفربول السابق بريندان رودجرز، أن مدربهم الجديد يتحدث عن لاعب آخر.
لا يستحق
أما في البرازيل، وعلى مستوى المنتخب الوطني، فالدراما تصبح تراجيدية أكثر بالنسبة لفيرمينو، ويكفي للتدليل على ذلك أن نروي تلك القصة التي سبقت مونديال روسيا، العام الماضي.
فقد جمعت جلسة عدداً من أبرز المراسلين الرياضيين المتخصصين في كرة القدم بالبرازيل، أثناء استعداد المنتخب لخوض نهائيات كأس العالم، حول اللاعب الذي يجب أن يقود هجوم المنتخب البرازيلي في روسيا.
كان هناك إجماع على أن جابرييل جيسوس مهاجم مانشستر سيتي الإنجليزي سيشغل مركز المهاجم الصريح في المنتخب البرازيلي، ولكن كان هناك قلق بشأن نقص الخيارات البديلة.
تحوّلت المناقشة إلى روبرتو فيرمينو، النقطة المحورية للقوة الهجومية في فريق ليفربول تحت قيادة المدرب الألماني يورغن كلوب، الذي يصر ميلتون ليتشي -أحد أبرز المعلقين في قناة SporTV البرازيلية- على أنه لا يستحق الانضمام للمنتخب البرازيلي.
قال ليتشي: "لا يجب أن يكون فيرمينو لاعباً في المنتخب الوطني. هناك ثلاثة أو أربعة لاعبين أفضل يمكننا ضمهم للمنتخب، أعتقد أن جو لاعب أفضل من فيرمينو" .
كان ليتشي يقصد المهاجم البرازيلي جو، الذي فشل مع فريقَي مانشستر سيتي وإيفرتون الإنجليزيين. قوبلت تصريحات ليتشي بانتقادات من صحفيين لاتينيين ذوي معرفة أكبر بكرة القدم الأوروبية، لكن كان هناك دعم لها وسط مراسلين آخرين محدودي التفكير.
وبحسب صحيفة The Telegraph البريطانية، فإن هؤلاء الذين ساعدوا فيرمينو في مسيرته يعتقدون أن هذه التصريحات نتيجة للتكبر المتأصل في وسائل الإعلام البرازيلية، حيث لا يستحق الثناء سوى أولئك اللاعبين الذين سلكوا الطريق التقليدي للانتقال إلى أوروبا، عبر بوابة أحد الأندية والمدن الأكثر شهرة في بلادهم.
ضحية الإعلام
وقال إيراسمو دامياني "لا يحظى فيرمينو بالتقدير الكافي في البرازيل، لأن موهبته تشكَّلت في نادٍ متوسط" .
لم يكن فيرمينو لاعباً في فلامنغو أو بالميراس أو كورينثيانز أو سانتوس أو فاسكو دي غاما؛ لذلك لم تتشكل موهبته في مدينة ريو دي جانيرو، أو ساو باولو على سبيل المثال، ففي هذه الولايات يُعد الإعلام قوياً للغاية.
في حين قال أصدقاء فيرمينو إنه لا يكترث لشكوك المنتقدين الذين فشلوا في إدراك دوره المحوري في تحول ليفربول. فأينما حلّ المهاجم البرازيلي يُثبت نفسه بعد الاستخفاف به -أو رفضه في بعض الحالات- في البداية.
وأكد دامياني أنَّ ناديه لم يضم فيرمينو لفريق تحت 17 سنة، لأنهم اعتقدوا أنهم وجدوا نجماً مستقبلياً، بل لأنهم رأوا "لاعباً هادئاً عازماً يقرأ المباراة بسهولة، ويمكنه التطور حتى وهو لاعب احتياطي" .
لكن فيرمينو النحيل الموهوب لا يدرك القوة الهائلة الكامنة في شخصه، تلك القوة التي أسهمت في التعجيل برحيل بريندان رودجرز عن ليفربول، بعدما أصرّ على التعاقد مع المهاجم البلجيكي كريستيان بينتيكي مقابل 32.5 مليون جنيه إسترليني، لأنه كان يريد التعاقد مع مهاجم صريح.
كانت إدارة التعاقدات في ليفربول ترى أن الفريق لديه بالفعل مهاجم صريح، وهو فيرمينو، الذي تعاقد معه النادي قبل ذلك بشهر مقابل 29 مليون جنيه إسترليني. كان هناك قلق حقيقي داخل أروقة النادي، من سوء استغلال إمكانات فيرمينو.
نقطة التحول
وفي زيارة لليفربول إلى ملعب ستامفورد بريدج، معقل تشيلسي في لندن، قرَّر كلوب إشراك فيرمينو على حساب بنتيكي في مركز المهاجم الصريح. فاز ليفربول يومها بالمباراة بثلاثة أهداف مقابل هدف، وكان نجاح فيرمينو في ربط خط الوسط بالهجوم وإرباك مدافعي تشيلسي، أحدَ أهم عوامل الفوز.
منذ ذلك الحين، ينهال المديح على فيرمينو من زملائه في ليفربول، بأنه أفضل لاعب لعبوا بجواره، وتقديراً لمهارته ونكرانه لذاته ومجهوده.
ومع ذلك، يعد فيرمينو شخصاً منفتحاً أكثر مما يوحي خجله في وقت شبابه. إذ إنه اللاعب المشاكس داخل أروقة النادي، الذي يريد السخرية من كل شيء، حتى من بياض أسنانه. كانت نظرته المضحكة للكاميرا في النفق المؤدي إلى غرفة تغيير الملابس بملعب تيرف مور، عندما كان يسير خلف زميليه السنغالي ساديو ماني والمصري محمد صلاح بعد خلافهما معاً خلال مباراة بيرنلي، كانت من أبرز أحداث الموسم، إلى جانب تمريرته بالكعب التي أسفرت عن الهدف الثالث الذي سجله صلاح في مرمى نيوكاسل ضمن الجولة الخامسة.
وهناك علامات على حدوث تغيُّر في تقدير البرازيل للاعب، حيث كان فيرمينو لاعباً أساسياً في المنتخب البرازيلي خلال منافسات كوبا أمريكا، الصيف الماضي، ما يعني أن فوز ليفربول بدوري أبطال أوروبا، خفَّف الانتقادات الرافضة التي طالت فيرمينو في البرازيل.