كلما خسر اللاعب السويسري روجر فيدرر مباراةً، يحبس عالم التنس أنفاسه مترقباً ما سيحدث بعد ذلك، ورغم حقيقة أنَّ "كوكب التنس" كما يلقبه محبوه فاز في 43 مباراة من أصل 49 لعبها في العام الجاري.
لكن بعد مرور شهر على بلوغه الـ38 من عمره، خرج من بطولة الولايات المتحدة المفتوحة، وهو يبدو منهكاً وضعيفاً بعدما هزمه غريغور ديمتروف، الأصغر منه بـ10 سنوات، وتفوق عليه في مباراةٍ مثيرة في الدور ربع النهائي من البطولة.
خسر روجر فيدرر فيدررصاحب الـ20 لقباً في البطولات الأربع الكبرى أمام ديمتروف الذي لم يفز بأي لقب في (الغراند سلام) بعد مباراةٍ من خمس مجموعاتٍ أمتعت جميع المشاهدين طوال ثلاث ساعاتٍ و12 دقيقة، مع أنَّها بدت أطول من ذلك. لكنَّ السؤال الذي بات الجميع يهمس به هو هل أصبحت أيام السويسري في الملاعب معدودة؟ وهل سيفوز فيدرر بلقبٍ آخر في البطولات الأربع الكبرى؟
قالت صحيفة The Guardian البريطانية إن فيدرر نادراً ما يسمح للآخرين باستكشاف خبايا روحه، ولكن في خسارته الأخيرة، كان من المستحيل تجاهُل فقدانه لهدوئه. إذ اختفى إيقاعه المميز في التحضير وإطلاق التسديدات القاضية.
وبدا مهزوزاً في ملعب آرثر آش المكتظ وسط أنظار 24 ألف مشجع، معظمهم من أنصاره، وملايين المتابعين الآخرين خارج الملعب، الذين آمنوا بأنَّ بطلهم قادرٌ على تحقيق معجزةٍ أخرى، مثلما آمن أنصار الملاكم الراحل محمد علي كلاي به حين تحدَّى أحكام السن والمنطق.
لكنَّ فيدرر لم يحقق المعجزة، بل كان أداؤه سيئاً. إذ كان يلعب ضد سنه وإصابته وخصمه، الذي قدَّم أداء رائعاً وكان على وشك انتزاع مجموعةٍ نظيفة من فيدرر، الذي لم يخسر سوى أربع مجموعاتٍ نظيفة طوال مسيرته. لكنَّ السويسري استطاع تجنُّب ذلك.
وقال فيدرر بعد انتهاء المباراة: "لقد كان غريغور في يومه، لكنَّ جسدي لم يكن كذلك". وفي أثناء المباراة، كانت الجماهير تجلس صامتة في مقاعدها في نهاية المجموعة الرابعة، في انتظار عودة فيدرر من غرفة خلع الملابس، حيث كان يخضع لعلاج الجزء العلوي من ظهره ورقبته من أجل العودة إلى المباراة.
وفي تلك الأثناء، كان توني غَدسيك وكيل أعماله ممسكاً بهاتفه ليتابع ما يجري، فيما كانت ميركا زوجة روجر تجلس بجانب غَديسك في المكان المخصص لفريق عمل اللاعب، ولم تكن تبدو عليها علامات القلق.
وقال فيدرر إنَّه شعر بمشكلةٍ في ظهره ورقبته فجأةً في عصر يوم المباراة. لكنَّه قال بإصرار: "كنت قادراً على اللعب. لا بأس. الأمر طبيعي. بذلت كل ما في وسعي. ولم تكن الإصابة شديدة للدرجة التي تدفعني إلى الانسحاب. لقد استطاع غريغور التفوق عليَّ. قاتلت بكل ما لديَّ من قوة".
نفاد صبر
وهذا هو العُرف السائد في رياضة التنس، مع أنَّ اتباعه صعبٌ: فاللاعبون الخاسرون المصابون يحاولون عدم التركيز على مشكلاتهم كي لا يظهروا بأنَّهم يختلقون أعذاراً تُقلِّل من إنجاز خصومهم الفائزين.
بينما كان كل ما قاله فيدرر صحيحاً، لكنَّ نفاد صبره كان واضحاً في قَِصَر إجاباته. فحين يكون السويسري مفعماً بالمشاعر الإيجابية، يتوسَّع في الموضوعات والقضايا، ويرُد بذكاءٍ واهتمام على أي سؤالٍ يوجَّه إليه تقريباً. فهو مُثقف ومُلِمٌ بلغاتٍ عديدة.
كانت الإجابات مقتضبة هذه المرة، وكان آخر مكان أراد فيدرر التواجد فيه هو خلف ميكروفون بعد منتصف الليل ليشرح أسباب خسارته أمام اللاعب البلغاري غريغور ديميتروف بثلاث مجموعات مقابل مجموعتين (6-3 و4-6 و6-3 و4-6 و2-6) في بطولة أحرز فيدرر لقبها خمس مرات متتالية، لكنه لم يحصل عليه منذ أن تغلب على البريطاني أندي موراي في نهائي عام 2008.
ومنذ ذلك الحين، خسر فيدرر أمام الأرجنتيني خوان مارتن ديل بوترو في نهائي عام 2009 وأمام الصربي نوفاك ديوكوفيتش في نصف نهائي عام 2010، وأمام اللاعب نفسه في نهائي عام 2011، وأمام التشيكي توماس بيرديش في ربع نهائي عام 2012، وأمام الإسباني تومي روبريدو في الدور الرابع عام 2013، وأمام الكرواتي مارين سيليتش في نصف نهائي 2014 وأمام ديوكوفيتش في نهائي 2015 وأمام ديل بوترو في ربع نهائي 2017، ثم أمام المصنف رقم 55 على العالم الأسترالي جون ميلمان في الدور الرابع العام الماضي. ومنعته إصابة بالركبة من المشاركة في نسخة عام 2016 من البطولة.
موهبة محصنة
ومنذ عام 1998 -أي بعد عام من بدء لاعب الغولف الأمريكي تايغر وودز مسيرته الاحترافية- يقدم فيدرر أداءً مميزاً ونادراً ما خيب آمال معجبيه. وفي يوم الثلاثاء الماضي 3 سبتمبر/أيلول، كان هذا الأداء المميز في استراحة مؤقتة. إنه أبعد ما يكون عن النهاية، إذ تحدث فيدرر في وقتٍ سابقٍ من البطولة عن احتمال الاستمرار في لعب التنس حتى بلوغه سن الأربعين.
تساءل بعض المشككين "لماذا". السبب هو أن فيدرر نادراً ما يتعرض للإصابة، ولم يحدث هذا سوى بضع مرات خلال السنوات الأخيرة. لكن على الرغم من أن الموهبة محصنة ضد التدهور، لكن حدة الذهن تضاءلت. ومع ذلك فهو مستمر في اللعب لأنه يحب التنس، ويستمتع بتصفيق الجمهور أيضاً.
تُعد رغبة فيدرر في السفر مع زوجته وأطفاله الأربعة وحاشيته كما لو كان في عطلة بلا توقف -مع ممارسة عمله أيضاً- أمراً مدهشاً. لا أحد آخر يفعل ذلك، ولا أحد يمكنه ذلك.
لكن الشكوك تحوم حول فيدرر، الذي استنزف قدراته البدنية عند خسارته أمام ديوكوفيتش في نهائي ويمبلدون. لكن هل كانت هذه الخسارة في بطولة الولايات المتحدة المفتوحة بداية النهاية؟ أجاب فيدرر قائلاً: "أعلم أن الناس يعتقدون ذلك".
وأضاف: "إنهم يفكرون في كل هذه الأمور. هذا بالتأكيد ليس سبب خسارتي. كنت مستعداً للعب وبذل قصارى جهدي. ولم يكن هذا كافياً الليلة".
وعن المستقبل القريب تابع فيدرر قائلاً: "المشاركة في كأس لافر وبطولتي شنغهاي وبازل، وربما بطولتي باريس ولندن. هذا هو الجدول حتى الآن. لا أعلم إذا كان الفريق لديه أفكار أخرى أم لا. أنا سعيد للحصول على قليل من الراحة الآن والعودة إلى التدريب وإعادة التقييم ثم الانطلاق مرة أخرى".