لم ينعم النجم البرازيلي نيمار بصيف هادئ على الإطلاق، بعدما ظل أسيراً للكثير من الأحلام التي لم تتحقق أو الكوابيس التي نغصت حياته.
بدايةً من اتهامه في قضية اغتصاب، مروراً بإصابته وابتعاده عن المنتخب البرازيلي الفائز بكوبا أمريكا، وصولاً إلى فشل محاولات رحيله عن باريس سان جيرمان وعودته إلى برشلونة الذي رحل عنه قبل عامين غصباً عن مسؤولي القلعة الكاتالونية، واستجابةً لإغراء أن يكون الأغلى في العالم عبر دفع قيمة الشرط الجزائي القياسي في عقده التي بلغت 222 مليون يورو.
عندما وصل نيمار إلى باريس في عمر 25 عاماً كأغلى لاعب في تاريخ كرة القدم، كان الشاب البرازيلي المدلل يبحث عن فريق يستطيع فيه أن يصبح النجم الأوحد.
لكن على العكس لم يشعر بالرضا طوال تلك الفترة، ليبدو الآن مثل القوات المحاصرة، يواجه نيران المدفعية من الجهتين، فمشروع مغادرته العاصمة الفرنسية فشل رسمياً، كما أنه غير قادر على التعايش مع عداء جماهير البي إس جي له، بعدما احتقرها اللاعب، وكذلك ابتعاده أكثر عن باقي زملائه بالفريق، الذي أصبح مضطراً للبقاء في صفوفه.
ويسعى نيمار من الآن فصاعداً لاكتشاف نفسه من جديد للعودة إلى المكانة التي كان عليها قبل عامين، حينما كان ينافس على لقب الأفضل في العالم إلى جانب النجمين: الأرجنتيني ليونيل ميسي، والبرتغالي كريستيانو رونالدو، وطيّ صفحة الماضي بعدما غلبت الإصابات على موسميه مع الفريق الفرنسي، ما أضفى على اللاعب حالةً من الملل من النادي والمدينة.
وتلخص محاولة نيمار اليائسة للرحيل عن أسوار "بي إس جي"، والتي لم تنجح بسبب المطالب المالية المرتفعة لمُلاك النادي الفرنسي، بشكل جيد الحالة التي يعيشها اللاعب: وهي كونه أسيراً لأهوائه.
فرصيد اللاعب في باريس ينفد، كما أن كل خطوة أصبح يخطوها ستخضع للكثير من الأضواء المكبرة، ليتعين عليه بذل الكثير لاستعادة نجوميته، وثقة الجماهير التي تشعر بالإحباط بسبب سلوكه، والتي ترى أن النجاحات التي وعد بها لدى انضمامه إلى الفريق "بعيدة كل البعد عن التحقيق".
ومع باريس، جاءت أرقام نيمار أسوأ مقارنة بمواسمه الأربعة مع برشلونة، متأثرة بالإصابات التي تعرض لها في أوقات حاسمة من الموسم والتي أبعدته عن الملاعب لفترة طويلة.
فالمهاجم البرازيلي خاض إجمالي 58 مباراة في باريس، سجل فيها 52 هدفاً، ليتوج مع فريقه بلقب الدوري مرتين وكأس فرنسا مرة وكأس الرابطة مرة.
لكن نجم "السيليساو" لم يمثل القفزة التي كان يحتاجها النادي الفرنسي أوروبياً، والتي كان يأملها المُلاك القطريون حينما اشتروه في 2017 مقابل 222 مليون يورو.
وتتحمل الإصابات جزءاً من هذا الأمر، خاصة أنها جاءت في توقيتات صعبة على النادي الفرنسي، فمثلاً أحبطت الإصابة بكسر في مشط القدم اليمنى أمام مارسيليا في فبراير/شباط 2018 الفريق، قبل أيام قليلة من إياب دور الستة عشر أمام ريال مدريد في دوري أبطال أوروبا.
وفي لقاء الذهاب على ملعب سانتياغو برنابيو، كان نيمار متألقاً، بينما ساد الإحباط الفريق في حديقة الأمراء لتنتهي مغامرته في التشامبيونزليغ مع مدربه السابق أوناي إيمري.
في العام التالي، عندما كان الموسم يقترب من المواجهات الحاسمة، تعرضت نفس القدم للإصابة، ليغيب عن مواجهة مانشستر يونايتد، في نفس الدور (ثمن النهائي) ليودع البي إس جي البطولة من جديد.
بعيداً عن هذه الإصابات، ترك نيمار صورة سيئة عن نفسه كلاعب أناني متقلب المزاج، يشارك قليلاً في المناسبات الاجتماعية لناديه ويبتعد عن التواصل مع زملائه بالفريق ويهتم أكثر بمصلحته عن مصلحة الكيان المنتمي إليه.
واتضحت هذه الصورة بعد وقت قليل من انضمامه للفريق، بعدما دخل في اشتباك مع زميله الأوروغوياني إدينسون كافاني، عندما سعى نيمار لتوصيل رسالة واضحة أنه النجم الأوحد رغم أن كافاني هو الهداف التاريخي للنادي، وكان يطالب أيضاً بأحقيته في تسديد ركلات الجزاء.
ولم يخش كلا اللاعبين إظهار خلافاتهما أمام الكاميرات، لكن الجماهير أظهرت دعمها للمهاجم الأوروغوياني إزاء أنانية البرازيلي.
في المقابل غذى نيمار من حملة الكره ضده بأسفاره المتكررة إلى البرازيل وحضوره الحفلات الموسيقية وغيرها وتفاخره الدائم بالثراء، ما يتناقض مع تركيزه المفترض في كرة القدم.
ساعد على زيادة التباعد بين البرازيلي وجماهير النادي الفرنسي بروز المهاجم الصاعد المتألق كليان مبابي، الذي تطور بكل تواضع ليصبح واحداً من النجوم البارزين في كرة القدم والمنافسين على الجوائز الفردية، لتراهن عليه الجماهير الباريسية، وتكاد تنسى نيمار.
وبعدما ساهم في تتويج فرنسا بلقب مونديال روسيا العام الماضي، كسب مبابي قلب الجماهير الفرنسية ليلقب بـ "بيليه الفرنسي"، وهو ما أكد عليه الأسطورة البرازيلية، حين قال إن مبابي سيكون "خليفته".
وتراجعت صورة وقيمة نيمار بشكل أكبر بعد اتهامه من قبل عارضة أزياء برازيلية بالاغتصاب، على الرغم من تبرئة الشرطة له في نهاية الأمر، لكن هذه الأمور كشفت عن نمط حياة غير مناسب للاعب كرة قدم كبير.
بشكل عام يمكن القول إن قيمة نيمار كأغلى لاعب في العالم تراجعت في باريس، وعليه أن يبذل الكثير ليتصالح مع جمهور ناديه الفرنسي وزملائه إذا ما أراد أن يستعيد تألقه الذي كان.