والد نيمار ليس الوحيد.. أرباح كرة القدم تُحوِّل أقارب اللاعبين إلى «وكلاء بالصدفة»

خلال السنوات الأخيرة، ارتفع عددُ أعضاء العائلة الذين يُمثِّلون لاعبي كرة القدم المحترفين داخل إنجلترا، بوصفهم وكلاء أو وُسطاء، على المستوى الرسمي بشكلٍ ملحوظ

عربي بوست
تم النشر: 2019/08/20 الساعة 17:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/08/20 الساعة 15:29 بتوقيت غرينتش

حينما نتابع أزمة اللاعب البرازيلي نيمار، وعدم رغبته في الاستمرار مع باريس سان جيرمان، وفي نفس الوقت تلقِّيه عروضاً جادّة بالقيمة العالية التي يطلبها النادي الفرنسي، نتذكر على الفور أنَّ مَن وضع نيمار في هذا الموقف المعقَّد هو والده.

فنيمار سانتوس الأب، الذي يعمل وكيلاً لنجله، معروف بأنه نهِم للمال بشدة، وهو السبب في دفع ابنه لترك برشلونة قبل عامين للتعاقد مع باريس سان جيرمان مقابل 222 مليون يورو، دون أن يفكر في انعكاس ذلك الانتقال على مستوى نيمار جونيور، وهذه هي المشكلة التي يعاني منها لاعبين كثر مع تنامي ظاهرة الوكلاء أو الوسطاء الاقارب في كرة القدم.

في إنجلترا بدأت ظاهرة الأقارب الوكلاء تنتشر بكثافة في الفترة الأخيرة، حيث تمتلئ القائمة الموجودة داخل الملفات في مقرِّ الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم بألقابٍ مألوفة لدى مُشجِّعي كرة القدم: راشفورد، وألكساندر-أرنولد، وبوليسيتش، وأوزيل، وغوندوغان.

ولكنها ليست قائمةً بأسماء لاعبي الدوري الإنجليزي الممتاز، بل هي بأسماء الأشخاص الذين يستطيعون تمثيلهم خلال المفاوضات.

وتشمل القائمة اسم دين راشفورد، شقيق مُهاجم فريق مانشستر يونايتد ماركوس راشفورد، إلى جانب شقيق مدافع ليفربول ترينت ألكساندر-أرنولد، ووالدي كريستيان بوليسيتش لاعب تشيلسي، وغوردون آيب لاعب بورنموث.

وذكرت صحيفة New York Times الأمريكية في تقرير مطوَّل لها أنَّه خلال السنوات الأخيرة، ارتفع عددُ أعضاء العائلة الذين يُمثِّلون لاعبي كرة القدم المحترفين داخل إنجلترا، بوصفهم وكلاء أو وُسطاء، على المستوى الرسمي بشكلٍ ملحوظ.

وقال خبراء صناعة كرة القدم إنَّ هذا التحوُّل تعود جذوره إلى التغييرات الأخيرة في اللوائح، التي سهَّلت تسجيل الأقارب لتمثيل مصالح أشقائهم وأبنائهم وأبناء عمومتهم، خلال مفاوضات الانتقال وتجديد العقود، بشفافيةٍ ومباشرةٍ أكبر.

وقال آيب، لاعب بورنموث: "ليست لديك سوى حياةٍ مهنية واحدة، وليس الأمر أعقد من أن أسمح لأمي وعائلتي برعاية مصالحي فيها" .

سلسلة تغييرات

ولا يُعَدُّ تأثير أفراد العائلة على الانتقالات والصفقات التجارية للاعبين أمراً جديداً بالطبع، إذ يقول مسؤولو كرة القدم إنَّ الغرض من تغيير القوانين هو إضفاء طابعٍ رسمي وزيادة الشفافية، وسط مشهدٍ شديد الفوضوية.

لذا في عام 2015، امتثل اتحاد كرة القدم الإنجليزي لسلسلةٍ من تغييرات قوانين الفيفا، التي صِيغت في محاولةٍ لتقليل الأعداد الكبيرة لصفقات الانتقال التي كانت تُبرم من دون وكيلٍ مُرخَّص.

ونتيجةً لذلك، صار يُشار إلى كافة الوكلاء بالوسطاء، وهو تحوُّل في التصنيف، يسمح الآن لأولئك الذين لم يكونوا مُؤهَّلين في السابق بصفتهم وكلاء، لكنهم كانوا يُمثِّلون اللاعبين للإشراف على مفاوضات العقود لعملائهم.

وصار التسجيل أسهل في أعقاب هذا التغيير. ففي السابق، كان الوكلاء مُلزمين باجتياز اختبارٍ صعب. والآن، يتعيَّن على المُمثل أن يملأ استمارة تسجيلٍ على الإنترنت، ويدفع الرسوم ليُصبح وسيطاً. وفي حالة التعامل مع القاصرين، يتعيَّن عليه أن يجتاز فحص الخلفية الجنائية.

ومنذ تطبيق التغييرات فعلياً قبل أربع سنوات، ارتفع عدد الممثلين المسجلين من بضع مئات العملاء إلى أكثر من ألفي وسيط؛ مما دفع الوكلاء المخضرمين المتضررين مثل ميل ستين، رئيس جمعية وكلاء لاعبي كرة القدم، إلى استخدام مصطلحاتٍ مثل "مجاناً للجميع" و "الغرب المتوحِّش" في وصف المشهد الراهن.

وقال: "لدينا الكثير من الأعضاء الذين يحضرون الاجتماعات، ومُستعدون للالتزام، والمشاركة، واكتساب المعرفة. لكن ما يُقلقني هم الأشخاص الذين لا يحضرون، الأشخاص الذين يقضون وقتهم في صراعهم المنفرد، ولا يُدرِكون ما يفعلون" .

 الحد الأدنى

وأقرَّ ستين بأنَّه رغم أرجحية كون أفراد العائلة المُسجلين بصفتهم وسطاء أكثر اهتماماً بمصالح أقاربهم اللاعبين، لكنه قال إنَّه لا يزال يعتقد بضرورة وجود حدٍّ أدنى للخبرة العملية، قبل تأهيل شخصٍ للإشراف على صفقات تُقدَّر بملايين الدولارات عادةً.

ويتَّفق هال روبسون-كانو، مُهاجم وست بروميتش ألبيون مع هذه الفكرة. إذ ساعده شقيقه الأكبر، ديفيد، خلال صيفٍ محوريٍّ في مسيرته عام 2016، حين حوَّل أداءه القوي لصالح ويلز -بدون عقد- خلال بطولة الأمم الأوروبية بفرنسا، إلى صفقة انتقال للدوري الإنجليزي الممتاز.

وقال روبسون-كانو إنَّ العلاقة الشخصية كانت مُهمةً بالنسبة له، إلى جانب تجاربه السابقة مع الوكلاء الذين شعر بأنَّهم يُفضلون مصالحهم على مصالحه، لكنه لم يكُن ليُوظِّف شقيقه بناءً على العلاقات العائلية فقط، في حال عدم اجتيازه اختبار الوكلاء.

وأضاف روبسون-كانو: "حين يتعيَّن عليك الثقة حقاً في كلمة الشخص الذي يدخل المفاوضات، فمن الضروري أن يتواجد شخصٌ مثل شقيقي للإشراف على الأمر. هل كنت سأثق في الوكلاء الآخرين؟ لا أعتقد ذلك" .

وسيط ديلي آلي 

بوجود منظومةٍ تضع الآن الوكلاء المحترفين، مثل خورخي مينديز ومينو رايولا، على نفس القائمة إلى جوار أفراد العائلة الذين سجَّلوا بالكاد عبر الإنترنت؛ فإنَّ الخط الذي يُحدِّد الدور الذي يُؤدِّيه الوكيل، والخبرة المطلوبة لتأديته، صار غير واضح.

وبالنسبة لديلي ألي، لاعب خط وسط توتنهام هوتسبير، كان من الضروري أن يُؤدِّي أحد أفراد عائلته دور الوسيط إبان توقيعه لصالح وكالةٍ كبرى عام 2017. إذ انتقل ديلي ألي في عمر الـ13 إلى منزل ألان وسالي هيكفورد، اللذين كان نجلهما هاري أحد زملاء ألي في فريق ميلتون كينز دونز للأشبال. واعتاد منذ ذلك الحين الإشارة إليهم باسم عائلته بالتبنِّي، وشجَّع هاري -الذي يُشير إليه بشقيقه- على تأدية دور ممثله الأساسي.

وأوضح هاري هيكفورد، الذي سجَّل نفسَه وسيطاً: "أحد أهم مميزات الأمر أنَّ ديلي سيكون دائماً صادقاً معي، بوصفي شقيقه، أثناء الحديث حول المشكلات والمخاوف. والميزة الكبرى الأخرى للعلاقة الوثيقة معه أنَّك تستطيع القراءة بين السطور، وفهم حالته المزاجية ومشاعره، حتى حين لا يقول الأمر صراحة" .

وإقراراً بأنَّه قد لا يمتلك الخبرة الكافية في صناعة كرة القدم، أو العلاقات التي يمتلكها الوكيل التقليدي؛ شكَّل هيكفورد فريقاً حول ديلي ألي يشمل مكتب محاماة وخبراء علاقات عامة ووكالةً رياضية.

وأضاف هيكفورد: "سيُعاني الكثير من الناس في إدارة المفاوضات حول العقود، وتوفير فرصٍ للاعبين خارج أرضية الملعب. ولا غنى عن مشورة العلاقات العامة والاستشارات القانونية، فأنا مُؤمنٌ بأنَّ كل لاعب كرة قدم عليه الاستعانة بمصدر خارجي لهذا النوع من الخدمات، لأن أفراد العائلة لا يُمكنهم تقديم الكثير حين لا يكون لديهم الكثير من الخبرة في تلك المناطق" .

الوالدة الوسيطة 

غوردون آيب لاعبٌ آخر في الدوري الممتاز من الذين اختاروا الإبقاء على هذا النوع من القرارات داخل المنزل، وهو نهجٌ تبنَّاه علناً خلال المقابلات الصحفية التي أجراها طوال مسيرته الاحترافية. وحين كان في الـ10 أو الـ11 من عمره، قال إنَّ والديه قرَّرا الإشراف على حياته المهنية، مما نقله من دوريات الشباب التي يتابعها الكشافة عن قرب في لندن إلى ليفربول، والآن بورنموث على الساحل الجنوبي لإنجلترا.

واليوم، تُعَدُّ والدته تشارليت ليفيرمور أول خطوط التواصل لمن يرغب في التعامل مع اللاعب تجارياً داخل أو خارج أرضية الملعب. ومزح آيب قائلاً إنَّه "ليس ديفيد بيكهام"، لذا فإنَّ والدته لا تُؤدي دوراً إدارياً يشمل صفقات رعايةٍ أو عقوداً ضخمة، أو حتى الرد على مكالماتٍ هاتفية بصفةٍ يومية.

وحين يصله عرضٌ ما يقول آيب إنَّه يُناقش الأمر مع تشارليت أولاً قبل أن يطلب مشورة الآخرين من ذوي الخبرة، وهي مجموعةٌ تشمل قدامى اللاعبين مثل ريو فرديناند وإيان رايت. ثم تأخذ العائلة القرار النهائي معاً.

لكن فتح المنظومة أمام العملاء والوسطاء لا يعني أنَّ الأمر يخلو من العيوب. وفي بعض الحالات، يُبالغ أفراد العائلة غير المخضرمين في تقدير قيمة أقاربهم خلال المفاوضات المعقدة، ويحدث الأسوأ حين يبخسونهم قيمتهم.

وذكر ديفيد سيليجمان، المحامي الرياضي الذي يُقدِّم الاستشارات للأندية واللاعبين والوسطاء، مثالاً، تفاوض فيه قريب لاعبٍ ما على صفقة تمديد عقدٍ بدت رائعةً على الورق، إذ حصل اللاعب على زيادةٍ في أجره، وحصل فرد العائلة على عمولة.

لكن بمرور العام الأول، تحسَّن مستوى اللاعب وكان يجب أن يحصل على ضعف الأجر المُتفاوض عليه. وأوضح سيليجمان أنَّ الوكيل المُتمرِّس كان من شأنه أن يُضيف بنداً لفسخ التعاقد تحسُّباً لهذه الاحتمالية، ولكن في غياب هذا البند لم تكُن لدى اللاعب سلطةٌ للتفاوض طوال السنوات الثلاث التالية.

نصائح فاسدة 

وفي أمثلةٍ أخرى، قال سيليجمان إنَّ أحد اللاعبين الذي شهد انهيار علاقته مع ناديه، نصحه ابن عمه بالانسحاب من الفريق لأنَّ عقده قد أُلغي، لكن العقد لم يكُن ملغياً، ونتيجةً لذلك سقط اللاعب في هوةٍ دامت ستة أشهر، إذ عجز عن العودة إلى ناديه القديم، وعجز عن الانضمام إلى نادٍ جديد حتى فتح باب الانتقالات من جديد، وذلك في حال موافقة الفريق الجديد على السعر الذي حدَّده ناديه القديم فقط.

وقال سيليجمان، الذي أقرَّ بأنَّ تلك القصص المُرعبة هي أمرٌ نادر على مستوى النخبة: "إنَّه خطأٌ صغير"، لكنَّه قال إنَّه لا يزال يرى في مشاركة أفراد العائلة أمراً إيجابياً، بشرط أن يدرك المشاركون حدود الأمر.

وأضاف: "أكَّدت على هذا الأمر لسنوات عديدة: أفضل الوسطاء هم من يطلبون المساعدة، في أي مجال. إذا لم تكُن خبيراً في شيءٍ ما، اطلب المساعدة. لذا وبصفتك فرداً في العائلة، فأنت خبيرٌ في مصلحة رفاهية أفراد عائلتك، لأنَّ هذا الأمر بالغ الأهمية" .

تحميل المزيد