حينما يواجه منتخب تايلند للسيدات نظيره الأمريكي، مساء الثلاثاء الحادي عشر من يونيو/حزيران، في أولى مبارياته بكأس العالم للسيدات التي تستضيفها فرنسا حالياً، ستوجه الأنظار على قائدة الهجوم ميراندا نيلد (22 عاماً) المولودة في أمريكا لأب تايلندي وأم أمريكية.
هذه الفتاة التي تلقت تعليمها الجامعي في جامعة كال جنباً إلى جنب مع نجمة المنتخب الأمريكي أليكس مورغان، والتي تعتبرها نيلد مثلها الأعلى في كرة القدم، لا تتفق مع المقولات التي تعتبر أن تايلند باتت من القوى العظمى في آسيا في كرة القدم النسائية، وإنما هي استطاعت بلوغ المونديال للمرة الثانية على التوالي (بعد مونديال 2015) لأن منتخب سيدات كوريا الشمالية لم يبلغ النهائيات.
قصة نجاح المنتخب التايلندي للسيدات في كرة القدم تستحق أن تروى كما تقول صحيفة New York Times الأمريكية، حيث لخّصت الصحيفة في تقريرها المطول ما سمّته خلطة النجاح التايلندي في عنصرين: الأول وجود رعاة أسخياء للمنتخب النسائي الشاب، والثاني سقوط منتخب كوريا الشمالية الذي كان أحد القوى الكبرى في القارة الصفراء على مستوى الكرة النسائية في فخ المنشطات.
القصة كما ذكرتها الصحيفة الأمريكية بدأت في مونديال 2011 حين تم اكتشاف تعاطي 5 لاعبات من كوريا الشمالية للمنشطات، حيث تم إيقافهن ومنع المنتخب الكوري الشمالي من المشاركة في التصفيات المؤهلة لمونديال 2015، ما فتح الباب لظهور منتخب تايلند كقوة كروية ناشئة في آسيا، حيث نجحت فتيات الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا في بلوغ كأس العالم الماضية، لكن حلمهن المونديالي توقف في مرحلة المجموعات بعدما احتل المنتخب التايلندي المركز الثالث في مجموعته برصيد 3 نقاط من فوز وحيد على كوت ديفوار وهزيمتين، وحال بينه وبين التأهل ضمن أفضل ثوالث فارق الأهداف.
وكشفت New York Times مفارقة طريفة في واقعة تناول لاعبات كوريا الشمالية للمنشطات عام 2011 فقالت إن مسؤولي المنتخب وقتها بحثوا عن كل الأعذار الممكنة لما حدث، فقالوا في البداية إن معجون الأسنان الذي تستخدمه اللاعبات هو السبب، ثم عادوا ليؤكدوا أن المشكلة في استخدام اللاعبات لأدوية شعبية مصنوعة من جلد الغزلان، قبل أن يزيحوا الستار في النهاية عن السبب الحقيقي -من وجهة نظرهم- وهو أن اللاعبات الموقوفات تعرضن للإصابة بالبرق ما تسبب في خلل هرموناتهن.
وفي تصفيات مونديال السيدات الحالي لم تستعد كوريا الشمالية جيداً، متأثرة فيما يبدو بالإيقاف الطويل والعقوبات، فودع المنتخب النسائي الكوري التصفيات أمام نظيره الكوري الجنوبي، وتأهلت تايلند مجدداً للنهائيات.
بعيداً عن السبب الحقيقي الذي لن يكون وسط الأسباب التي ذكرها مسؤولو المنتخب الكوري -كما تقول الصحيفة الأمريكية- فإن تلك المشكلة أفادت منتخباً آخر كان يبدو متحفزاً لاستغلال الفرصة وهو منتخب سيدات تايلند، فكيف صنع هذا المنتخب نجاحه؟
السر يكمن في مدير المنتخب، وهي سيدة أعمال تايلندية من محبي كرة القدم تدعى نولفان لامسام التي تعرف هناك باسم مدام بانغ وتبلغ من العمر 53 عاماً، هذه السيدة التي تعمل مديرة تنفيذية لشركة موانغ تاي انشورانس التي تعتبر واحدة من أكبر شركات التأمين في تايلند، وفي نفس الوقت تشغل منصب رئيسة أحد أندية الدوري التايلندي للرجال، كانت وراء النهضة التي شهدتها كرة القدم النسائية في تايلند.
لامسام ترعى عبر الشركة التي تملكها عائلتها دوري كرة القدم للناشئات، كما أنها وفرت مقومات النجاح للمنتخب النسائي الأول، من خلال تعيين أغلب اللاعبات في شركة التأمين التي تديرها.
وتقول نيلد إن اللاعبات في فترات الراحة من الموسم الكروي يعملن كمندوبات مبيعات للشركة، أما خلال الموسم فيحصلن على تفرغ من العمل للتركيز في التدريب والمباريات، مع استمرار رواتبهن الشهرية كالمعتاد، وخلال الاستعدادات للمشاركة في المونديال قررت لامسام مضاعفة رواتبهن وعمولاتهن كنوع من التشجيع لتقديم أفضل ما لديهن أمام أقوى المنتخبات النسائية في العالم.
كذلك تحظى لاعبات المنتخب التايلندي بنوع من التدليل كما تقول نيلد التي اختبرت نوعاً مختلفاً من المعاملة عندما كانت منخرطة في فريق جامعتها الأمريكية "في أمريكا كان المدرب يوبخ اللاعبات علناً وبصوت عالٍ، بينما في تايلند فإن كل الناس يشعرون بالخجل من انتقادنا، حتى عندما نخطئ نجدهم يبحثون عن أي جوانب إيجابية قمنا بها ليتحدثوا عنها".
لكن كل الرعاية والتدليل ستكون على المحك كما تقول New York Times مساء الثلاثاء عندما تواجه سيدات تايلند نظيراتهن الأمريكيات، في مواجهة من العيار الثقيل بالنظر لأن المنتخب الأمريكي هو حامل اللقب وأحد أقوى منتخبات العالم في الكرة النسائية، كما أن المواجهة الوحيدة التي جمعت المنتخبين سابقاً في عام 2016 انتهت بفوز المنتخب الأمريكي بنتيجة 9-0 مع الرأفة لأن المباراة كانت ودية.