أخيراً رأى الإنجليز أنديتهم تتسيد الكرة الأوروبية، بعدما هيمنت فرق البريميرليغ على نهائي البطولتين القاريتين، وهما دوري الأبطال والدوري الأوروبي لأول مرة ليس فقط في تاريخ الكرة الإنجليزية العريق، وإنما كذلك في تاريخ البطولات الأوروبية.
ما هي الأسباب التي تكمن خلف هذا التفوق المطلق بوصول فريقي ليفربول وتوتنهام إلى نهائي دوري أبطال أوروبا، وكذلك أرسنال وتشيلسي لنهائي الدوري الأوروبي، علما بأن 3 من هذه الفرق لا تنافس على لقب الدوري المحلي من الأصل الذي ينحصر الصراع عليه بين ليفربول ومانشستر سيتي الذي ودع البطولة الأوروبية من ربع النهائي أمام فريق إنجليزي أيضاً هو توتنهام.
تحت الضغط
ديفيد هاروكس، أستاذ علم النفس الرياضي، يرى أن زيادة قوة وضغط المباريات ترفع قدرات اللاعبين وهي النظرية التي يمكن أن تفسر بشكل جزئي تفوق الأندية الإنجليزية أوروبياً، حيث يعتبر البريميرليغ أقوى دوري في العالم من حيث قوة المنافسة، بعكس بقية الدوريات في القارة العجوز، بما فيها الدوريات الأربعة الكبرى في أوروبا (بخلاف الدوري الإنجليزي).
ففي إنجلترا وحدها يمكنك أن ترى فرق المقدمة الستة أو التوب سيكس كما يطلق عليها، وهي مانشستر سيتي واليونايتد وليفربول وتوتنهام وتشيلسي وأرسنال تكافح في مواجهة فرق الوسط والمؤخرة، حتى إنه لا يمكن أبداً التنبؤ بنتيجة أي مباراة بسهولة حتى لو كانت بين المتصدر وصاحب المركز الأخير.
بيب غوارديولا، مدرب مانشستر سيتي وأحد أفضل المدربين في العالم في السنوات الأخيرة، يعترف بأن المنافسة في الدوري الإنجليزي هي الأصعب بين الدوريات التي شارك فيها كمدير فني (درب في بطولتي الدوري الإسباني والألماني).
لكن المفارقة أن هذه الميزة تحديداً التي يتحدث عنها الجميع حالياً ظلت لسنوات طويلة مبرراً لضعف مشاركات الأندية الإنجليزية، وفي أحيان كثيرة المنتخب نفسه، في البطولات القارية بحجة أن قوة المنافسة المحلية تجهد اللاعبين بدنياً وذهنياً.
لماذا يمتاز الدوري الإنجليزي بقوة المنافسة؟ الإجابة على هذا السؤال تقودنا بالضرورة للحديث عن المال.
"الفلوس كل حاجة"
في أغنية شعبية في مصر يقول المطرب إن الفلوس "المال" مش كل حاجة، ناصحاً مستمعيه بأن يبحثوا عن السعادة في الأشياء الأخرى، لكن في كرة القدم وتحديداً الأوروبية يمكن القول إن الفلوس هي كل حاجة.
بحسب تقرير مفصل حول اقتصاديات الأندية في عام 2017 أصدره الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا" في يناير/كانون الثاني الماضي، فإن الأندية الإنجليزية تحقق لوحدها نحو ربع العائدات الإجمالية التي تحققها كل الأندية الأوروبية، بمبلغ 5.3 مليار يورو بينما حققت الأندية الإسبانية بما فيها برشلونة وريال مدريد 2.9 مليار ثم أندية البوندسليغا (2.8 مليار) تليها أندية الدوري الإيطالي (2.2 مليار) ثم أندية الدوري الفرنسي كآخر الدوريات الأوروبية الخمسة الكبرى 1.6 مليار).
ومع ذلك فإن الاعتماد على معدل العائدات بمفرده لا يعطينا تصوراً دقيقاً عن أسباب تفوق الدوري الإنجليزي، لأنه وفقاً لدراسة أعدها مركز ديليوت للدراسات الرياضية، فإن برشلونة وريال مدريد هما الناديان الأعلى عائدات في أوروبا، كما أن بايرن ميونيخ في المركز الرابع في هذا السياق، وبعده باريس سان جيرمان في المركز السادس، لكن الأخير لم يذق طعم الفوز باللقب الأوروبي أو حتى بلغ المباراة النهائية، كما أن برشلونة وبايرن ميونيخ يعانيان بوضوح في دوري الأبطال.
عدالة التوزيع
السر يكمن في الطريقة التي يتم بها توزيع عائدات النقل التليفزيون، وهي تتسم بالعدالة بين الفرق العشرين المشاركة في الدوري الإنجليزي الممتاز بعكس ما يحدث في بقية الدوريات الأوروبية، بحيث تحصل أندية الوسط والمؤخرة على حصص مالية تمكنها من شراء لاعبين أكفاء لتدعيم صفوفها أو الحفاظ على لاعبيها المميزين من إغراءات الأندية الأوروبية.
كما أن العائدات المرتفعة التي تحققها أندية الدوري الإنجليزي مكنتها ليس فقط من جلب أفضل اللاعبين في العالم وإنما أفضل المدربين أيضاً، حيث يعمل حالياً في البريميرليغ بعض من أبرز الأسماء في عالم التدريب مثل غوارديولا وكلوب وساري بوكيتينو، وقبلهم كان هناك فينجر ومورينيو وكونتي.
ومما لا شك فيه أن تواجد هؤلاء النخب التكتيكية والفنية في بطولة واحدة يرفع مستوى التنافس والوعي التكتيكي للاعبين وهو ما يؤثر إيجاباً على مردودهم التنافسي مع الفرق غير الإنجليزية في البطولات الأوروبية.
وضع مشابه لما يمر به الدوري الإنجليزي شهده الدولي الإيطالي في حقبة التسعينات من القرن الماضي، كما يقول أنطونيو كونتي مدرب تشيلسي ويوفنتوس السابق ولاعب البيانكونيري في التسعينيات، حيث كانت هناك "الأخوات السبع" وهو مصطلح يطلق على أندية يوفنتوس وميلان والإنتر وروما وبارما ولاتسيو وفيورنتينا التي كانت تتصارع على اللقب المحلي، وفي نفس الوقت تتسيد الكرة الأوروبية لدرجة أنه بين عامي 1989 و1998 لم يخل نهائي في دوري الأبطال من فريق إيطالي بحسب ما ذكرت صحيفة As الإسبانية، وفي نفس الوقت كانت الفرق الإيطالية حاضرة في 4 نهائيات في كأس الكؤوس الأوروبية التي تحولت لاحقاً للبطولة التي تحمل اسم الدوري الأوروبي.
لكن مع كل هذا يصعب الجزم بأسباب تفوق الأندية الإنجليزية في أوروبا هذا العام، بل إنه يصعب الجزم بأن ما حدث هذا العام يعكس تفوقاً يمكن أن يستمر في المواسم المقبلة وعلينا أخيراً أن ننتظر ونرى.