تقول الحكمة أو المقولة الدارجة إن "الغالي ثمنه فيه"، ولكن يبدو أن الأمر ليس هكذا دائماً، فهناك حالات يتضح فيها العكس، أو ليست بالمعنى الكامل الذي تطرحه تلك المقولة، ففي عالم كرة القدم بدأنا نرى في السنوات الأخيرة أرقاماً خيالية تُدفع لشراء نجوم لفرق، وفي نهاية المطاف لا نرى من هؤلاء النجوم رُبع ما دفع تحت أقدامهم في أرضية الميدان، لذلك فهناك خلل في تلك المقولة، أو على الأقل ليست منطقية بدرجة كبيرة في الآونة الأخيرة بكرة القدم.
فإذا جمعنا أغلى 3 صفقات في العالم وهم: "البرازيلي نيمار، والفرنسي كيليان مبابي، والبرازيلي فيليبي كوتينيو"، ليكونوا مثل أضلاع مثلث برمودا، الذي دائماً ما تسقط من فوقه الطائرات، وتختفي السفن، وكل شيء يمر في نطاقه، دون معرفة السبب لذلك، فلم يقدم هذا الثلاثي ما يستحق عليه ما دُفع فيه، باستثناء الناجي الوحيد من مثلث برمودا، وهو الفرنسي الشاب كيليان مبابي، مع باريس سان جيرمان، وسط خيبة أمل كبيرة للثنائي البرازيلي نيمار مع الفريق الباريسي، وكوتينيو مع برشلونة.
نيمار أغلى صفقات العالم بقيمة 220 مليون يورو قادماً من برشلونة إلى سان جيرمان، توقع الجميع له أن يتألق بشدة، كونه أصبح نجم فريقه الأول، وخرج من ظلِّ ميسي في برشلونة كما أراد، خاصة مع هدف الإدارة في الظفر بلقب دوري أبطال أوروبا، ولكن تمخض الجبل فولد فأراً، فلم يتمكن نيمار من تقديم أي مستوى في المسابقة الأوروبية الكبيرة يشفع لما دُفع فيه من أجل قدومه، بالإضافة لإصابته خلال موسمين في أحرج لحظات البطولة بالدور ربع النهائي، وغادر الفريق من المسابقة.
ولم يقدم المستوى المنتظر منه ليثبت قيمته المرتفعة، فلا يجب أن يتحدث أحد عن أدائه بالدوري الفرنسي، الذي توج بلقبه البي إس جي من قبل قدومه لمواسم متعاقبة، فالهدف من القيمة الكبيرة التي دُفعت فيه هو دوري الأبطال، الذي اختفى خلاله اختفاء النمل وسط الحجر، الأمر الذي جعل الإدارة تفكر جدياً في الاستغناء عنه بالصيف المقبل، لعدم جدواه للفريق، ولكثرة مشاكله بالفترة الأخيرة أيضاً.
فيليب كوتينيو ثالث أغلى صفقات العالم بقيمة 160 مليون يورو قادماً من ليفربول، توقع له الجميع التوهج مع الفريق الكتالوني، وتعويض رحيل نيمار لسان جيرمان، ولكن سرعان ما خفضت التوقعات حتى وصلت لمرحلة الإحباط من النجم البرازيلي المهاري، مع تراجع مستواه بشكل مخيف للجميع، وصولاً لإطلاق صافرات الاستهجان عليه من قبل جماهير برشلونة، في لقاء كلاسيكو ذهاب نصف نهائي كأس ملك إسبانيا أمام ريال مدريد الأربعاء.
النجم المهاري صاحب الـ26 عاماً، وضح للجميع بعد عام كامل من وجوده بملعب كامب نو عدم تأقلمه حتى الآن مع الفريق الكتالوني، لسبب أو لآخر، فقد كوتينيو سحره المعروف على أرضية الميدان مع البلوغرانا، وبات في أحيان كثيرة عبئاً على الفريق وليس نجماً له كما كان منتظراً، وخاصة مع القيمة المرتفعة للغاية التي دُفعت من أجل استقدامه لبرشلونة.
ليؤكد النجمان البرازيليان وجود خلل في المقولة الدراجة: "الغالي ثمنه فيه"، لتصبح ربما "الغالي ليس دائماً ثمنه فيه"، وهو ما جعلهم يختفوا اختفاء ضحايا مثلث برمودا الشهير في المحيط الأطلنطي، باستثناءٍ وحيدٍ هو كليان مبابي.
مبابي ثاني أغلى لاعبي العالم بقيمة 180 مليون يورو هو الناجي الوحيد من تلك المقولة، ومن مثلث برمودا الصفقات القياسية، التي اختفت في أرضية الميدان، فقد قدم الشاب الفرنسي مستوى مذهلاً مع باريس سان جيرمان، لفت إليه أنظار الجميع، بمهارات وسرعة كبيرة وأهداف غزيرة وأرقام وإحصائيات مثيرة لليافع الفرنسي، أكملها ببطولة كأس العالم مع فرنسا 2018 في روسيا. صاحب الـ20 ربيعاً يستحق ما دُفع فيه؛ نظراً لما يقدمه على أرضية الميدان مع فريق العاصمة الفرنسية.
حتى في مسابقة دوري الأبطال كان أكثر نجاعة هجومياً وتهديفياً من نيمار، زميله بالفريق وأغلى لاعبي العالم، ولكنه لا يستطيع وحده العبور بالفريق لحمل لقب البطولة، ويبدو أن الفرصة ستكون متاحة أمامه في كسب الرهان هذه المرة، عندما يقود الفريق بمفرده أمام مانشستر يونايتد في ثمن نهائي البطولة العريقة هذا الموسم، من دون نيمار المصاب، وربما يُثبت قيمته الكبيرة، ويقود الفريق لأقصى نقطة في البطولة، ويُثبت أحقية المقولة بأن "الغالي ثمنه فيه" بالفعل.