ماذا تعرف عن مافيا كرة القدم ووكلاء لاعبيها؟ هل الأندية ضحية لهم؟
من يتحكم في قيمة انتقال اللاعبين التي تتضخم بشكل كبير يوم بعد الآخر؟
في هذا المقال سنتناول بعض الجوانب المخفية من سطوة اثنين من وكلاء الأعمال وسيطرتهما على سوق الانتقالات، بناء على التسريبات الأخيرة من موقع دير شبيغل الألماني.
مينو رايولا وصفقة بوغبا؟
"زملائي الأعزاء، هل تعرفون أن نظام الفيفا TMS تم إنشاؤه من أجل مزيد من الشفافية في انتقالات كرة القدم؟
هل لديكم فضول لمعرفة ما حدث خلف الستار في انتقال بول بوغبا من اليوفنتوس إلى مانشستر؟ نودُّ مشاركة المعلومات التي لدينا معكم".
كان تلك الرسالة التي أرسلها أحد موظفي الفيفا إلى كيمبرلي موريس في مارس/آذار 2017. وكيمبرلي موريس تعمل في قسم النزاهة والالتزام بنظام مطابقة الانتقالات TMS.
قام يوفنتوس بإعادة بيع عقد بوغبا إلى مانشستر يونايتد في 2016 مقابل 105 ملايين يورو، بعد أن كان حصل عليه مجاناُ قبل عدة سنوات. هذه الصفقة كانت في وقتها أغلى صفقة انتقال في عالم كرة القدم، إلى أن جاءت صفقة نيمار وانتقاله إلى باريس سان جيرمان.
مينو رايولا (وكيل أعمال بوغبا) كان الاسم الأبرز في هذه الصفقة، حيث قام بتمثيل ونصيحة الأطراف الثلاثة المشتركة في الصفقة: يوفنتوس ومانشستر يونايتد وبول بوغبا، وحصيلته من ذلك كانت 49 مليون يورو.
بعد ذلك، بدأ الفيفا تحقيقاً رسمياً في الصفقة وعاقب يوفنتوس، لكن القضية أُغلقت لاحقاً. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2017، نشر الفيفا تصريحاً صحافياً، يقول فيه: "إن الأدلة التي تم تقديمها غير كافية لتحديد ما إذا كان يوجد خرق للقوانين أم لا". ولكن تلك لم تكن نهاية القصة.
حرب مزايدات
كيف وصل سعر بوغبا لـ105 ملايين يورو؟ وهل يستحق فعلاً هذا المبلغ؟ للإجابة عن ذلك، تجب العودة إلى وثيقة تم توقيعها في 20 يوليو/تموز 2016، بين يوفنتوس وشركة توب سكور التابعة لرايولا.
الوثيقة تنص على أنه في 2015، لم يكن من الممكن بيع بوغبا بالسعر الذي يرغب فيه يوفنتوس، ولكن ذلك تغير في 2016، واللاعب تغيرت قيمته السوقية بفضل تحركات رايولا وعمليات التسويق للاعب التي قام بها.
قام رايولا بتقديم اللاعب في وسائل الإعلام على أنه " لاعب غالي الثمن"، وبدأ بنشر الإشاعات عن احتمالية انتقاله، بادئاً بذلك حرب المزايدات. وضع رايولا مبلغ 90 مليون يورو كرقم ابتدائي، وبدأت حينها حرب المزايدات فعلاً. وفي الوقت نفسه، كان رايولا قد اتفق مع يوفنتوس على 18 مليون يورو كعمولة ثابتة، ويضاف إليها 3 ملايين أخرى على كل 5 ملايين تُضاف على الـ90 مليون الأساسية، ما يعني أن عمولة رايولا بعدما تمت الصفقة وانتقل اللاعب، كانت 27 مليون يورو من نادي يوفنتوس فقط.
وقبل إتمام الصفقة، في 8 أغسطس/آب 2016 تحديداً، قام رايولا بتوقيع عقد مع مانشستر يونايتد، يبدأ بموجبه عملية المفاوضات مع يوفنتوس لانتقال بوغبا إلى مانشستر يونايتد، حصل ذلك من دون أن يعلم أي من الطرفين بأن رايولا كان يمثّل كلا الطرفين في عملية المفاوضات.
بعبارة أخرى، كان رايولا يمثل مانشستر ويوفنتوس واللاعب نفسه في عملية الانتقال؛ أي إنه كان يفاوض نفسه على السعر الذي يريد، ومن ثم العمولة التي يريدها، والتي وصلت لـ49 مليون يورو في نهاية المطاف من الأطراف الثلاثة!
بينهاس زاهافي.. أقوى وكلاء الأعمال خلف الستار
خلال السنوات الـ40 الماضية، قام بيني زاهافي بوضع العديد من اللاعبين ذوي الأجر العالي في مواقع ضد زملائهم أو مدربيهم أو حتى أنديتهم. وعندما تصل الأمور إلى مرحلة اللاعودة، كان زاهافي يتدخل لحل المشكلة (التي خلقها من وراء الستار)، ويقوم بنقل اللاعب إلى نادٍ جديد، وبالطبع كان بكسب الكثير من الأموال جراء هذه العمليات.
يعتبر بيني (الإسرائيلي الجنسية)، صاحب الـ76 عاماً، أقدم وكلاء اللاعبين على الساحة، حيث أتم أول عملية انتقال بالسبعينيات من القرن الماضي. ينشط بيني في كل مكان توجد فيه عمولات مجزية. بدأ من روسيا وانتقل منها إلى المنطقة العربية ثم إلى بأوروبا. وذلك بالإضافة إلى دوره في عمليات الاستحواذ على الأندية، تمويل وتأمين صفقات الاستثمار، ورعاية صفقات انتقال مثيرة للجدل، مثل انتقال اللاعبين القُصّر.
على الرغم من شبكة العلاقات العامة الضخمة التي يملكها زاهافي، فإن الرجل يوصف بـ "الشبح"، فآخر صورة واضحة له تم التقاطها قبل 12 عاماً، ودائماً ما يقوم برفض طلبات المقابلات، ومن شبه المستحيل تتبع طرق تحويل الأموال التي يستخدمها زاهافي.
زاهافي مميز جداً بإيصال المعلومات إلى وسائل الإعلام، ففي قضية ليفاندوفسكي بالصيف الماضي مثلاً، قام زاهافي بالحديث لصحيفة "بيلد"، قائلاً: "روبرت يشعر بأنه بحاجة للتغيير والبحث عن تحديات جديدة في مسيرته".
روبرت ليفاندوفسكي، هداف بايرن ميونيخ الألماني، أراد خلال الصيف الماضي، الانتقال بشدة لريال مدريد، لكن وكيل أعماله، مايك بارتهيل، لم يكن قادراً على إقناع إدارة النادي البافاري بتحديد سعر لانتقال اللاعب؛ ما دفع اللاعب للتواصل مع زاهافي، ليقوم بالضغط على إدارة بايرن ميونيخ للسماح له بالانتقال، ما اضطر وكيل أعمال اللاعب لاحقاً إلى التعاون مع زاهافي.
سبَّب بيني الصداع لإدارة بايرن ميونيخ طيلة الصيف حول ليفاندوفسكي، لكن مساعيه لم تنجح. علماً أن ليفاندوفسكي وعد بحل الموضوع في الصيف المقبل (2019)، مفضلاً زاهافي على وكيل أعماله.
زاهافي ونيمار وباريس سان جيرمان
في الصيف قبل الماضي وعندما كان النادي الفرنسي يفاوض اللاعب قبل 10 أيام من انتقاله إلى النادي الباريسي، علِم باريس أن زاهافي سيكون موجوداً على طاولة المفاوضات ممثلاً عن نيمار، بالإضافة إلى والد اللاعب.
عمولة زاهافي من تلك الصفقة كانت 10.7 مليون يورو في عقد يمتد لغاية عام 2022، أما إذا ما قام نيمار بتمديد عقده إلى 2023، فسيحصل على 2 مليون يورو إضافية.
أراد زاهافي من باريس أن يقوم بتحويل عمولته إلى أحد حسابات شركاته بسويسرا، لكن النادي كان لديه بعض التحفظات (زاهافي يملك عدة شركات في عدة أماكن/بلدان بهدف التهرب الضريبي مثل مالطا، وقبرص، وجزر العذارى البريطانية، ولوكسمبورغ).
قام زاهافي بعد ذلك بتغيير رأيه، وأراد من باريس تحويل الأموال إلى إحدى شركاته في قبرص، لكن ممثلي النادي أبدوا اعتراضهم على الطلب مرة أخرى، بسبب إيمانهم بأن الشركة التي سيحولون العمولة لحسابها هي شركة وهمية بغرض التهرب الضريبي. حينها قام زاهافي بإرسال بعض المستندات السرية عن شركته، ليحاول تغيير رأي مسؤولي النادي، ولكنه لم ينجح في ذلك.
ردَّ زاهافي برسالة بريد إلكتروني على مدير النادي (جان كلود بلان)، بلهجة غاضبة، نافياً الادعاءات، ومصرّاً على تحويل عمولته إلى الشركة المعنيَّة في قبرص. ووصف قراره بمشاركة باريس ببعض المستندات السرية عن شركته في قبرص بـ "الغلطة الكبيرة" بلهجة تهديد واضحة.
في النهاية، تم تحويل الأموال لحساب شخصي لزاهافي، حيث اضطر إلى دفع الضرائب.
شركات ملكية الطرف الثالث
هي شركات رياضية تقوم على شراء حقوق انتقال موهبة محتملة من ناديه، وعندما تبرز الموهبة تقوم هذه الشركات بالضغط على النادي لبيع اللاعب، ومن ثم ضمان ربح سريع. لتوضيح الفكرة أكثر، سنذكر مثالاً عن شركة لايستون القابضة، التي تعود ملكيتها لزاهافي أيضاً.
في أبريل/نيسان 2012، قامت الشركة بشراء 100% من حقوق شراء اللاعب (لازار ماركوفيتش) من ناديه بارتيزيان بيليغراد الصربي مقابل 7 ملايين يورو.
بالسنة التالية، وتحديداً في يونيو/حزيران 2013، انتقل اللاعب إلى نادي بنفيكا البرتغالي مقابل 6.25 مليون يورو تم دفعها لشركة لايستون القابضة، لكن كانت هناك مشكلة، وهي أن المبلغ الذي تم دفعه لا يغطي ما دفعته الشركة قبل عامٍ مقابل الحصول على حقوق بيع اللاعب، لذلك اتفقت الشركة مع بنفيكا على الحصول على 50% إذا ما قاموا ببيع اللاعب مستقبلاً.
وبالفعل، في السنة التالية، في يونيو/حزيران 2014، انتقل اللاعب إلى نادي ليفربول مقابل 25 مليون يورو، حصل منها بنفيكا على 12.5 مليون يورو، وحصلت شركة زاهافي على 12.5 مليون يورو.
بالمحصلة وخلال سنتين، قامت شركة زاهافي بتحويل استثمار بقيمة 7 ملايين يورو إلى 18.75 مليون يورو، تم إيداعها في حسابات بنكية معفاة من الضرائب.
جدير بالذكر أن الفيفا قام بمنع هذا النوع من الشركات، لأنها نوع من العبودية، ولكن الشركات/وكلاء الأعمال يحاولون باستمرارٍ إيجاد صيغ جديدة للعملية نفسها، لضمان استمرار تدفق المرابح الخيالية.
وكان زاهافي قد حاول توقيع عقد مشابه مع نادي فيردير بريمن، للحصول على حقوق انتقال اللاعب ماركو مارين مستقبلاً، لكن النادي الألماني انسحب من المفاوضات.
مؤخراً، وافق زاهافي على لقاء أحد صحافيي فريق التحقيق الصحافي الأوروبي الذي يعمل مع موقع دير شبيغل والمتخصص في تسريبات كرة القدم، حيث قال في ذلك اللقاء إن السبب الوحيد لإجرائه هو خوفه من التشهير بصفقة نيمار، التي كان طرفاً مؤثراً فيها.
نبرة زاهافي في المقابلة كانت عدوانية، وقال فيها: "اسمعني جيداً، قمت بأكبر عملية انتقال في تاريخ كرة القدم، لا توجد صفقة كبيرة بعالم كرة القدم إلا وأكون موجوداً بها، لا يوجد مكان في عالم كرة القدم إلا ولديّ تأثير فيه".
وقال زاهافي إنه إذا ما تم نشر أي شيء قد يسبب أي أذى لأعماله، فإنه سيرفع أكبر دعوى قضائية في التاريخ. وأكمل تهديده بقول: "أنا رجل قوي ولدي معارف".