ينتظر شعب تركيا لحظة حاسمة، غداً الخميس27 سبتمبر/أيلول، أثناء إعلان اسم الفائز باستضافة بطولة كأس أوروبا لعام 2024، التي تتنافس على استضافتها مع ألمانيا.
ويمكن أن تشكّل استضافة الأتراك للبطولة تجربةً جميلة لا تأتي إلا مرة واحدة في العمر لملايين من محبي اللعبة في هذا البلد العاشق لكرة القدم.
معركة صعبة.. فلمن الغلبة؟
لا شك أن تركيا بلدٌ شغوف بكرة القدم، إذ إن دوري الدرجة الأولى فيها يتسم بالحيوية والتنافسية منذ بدايته وحتى آخر مباراة فيه.
وبحسب صحيفة The Washington Post، يُستهلُّ أحد الهتافات التي يتغنَّى بها مشجعو فريق بشكتاش في مدينة إسطنبول بعبارة: "جئنا كي نكون حبات العرق على قميصك، جئنا لنموت من أجلك"، في لفتة واضحة إلى مدى الولاء الجنوني للجمهور بأنديتهم التي يشجعونها.
وعلى الرغم من هذا، فإن ألمانيا لطالما كانت الوجهة المفضلة في هذا السباق، ففضلاً عن ثقافتها المولعة بكرة القدم والنجاحات المستمرة منذ فترة طويلة في المحافل الدولية، تفتخر بأنها صاحبة بطولة الدوري الأعلى حضوراً جماهيرياً، وأنها تمتلك كثيراً من الملاعب الكبيرة والحديثة.
كرة القدم في تركيا لا تقتصر على كونها مجرّد لعبة ذات شعبية كبيرة، بل تتعدى ذلك بكثير.
خصم سياسي قبل أن يكون رياضياً
سيتوجَّب على تركيا كي تُمنَح هذا الشرف أن تتفوق على ألمانيا، التي تُعَد قامة كبيرة في عالم الساحرة المستديرة وخصماً سياسياً دائماً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
تتشابك العلاقات بين تركيا وألمانيا تشابكاً أوثق من علاقاتها بأي دولة أوروبية أخرى.
فقد هاجر مئات الآلاف من المواطنين الأتراك إلى ألمانيا في ستينيات القرن الماضي، لتستضيفهم في بداية الأمر باعتبارهم "عمالاً ضيوفاً" لسد عجز العمالة في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
أمَّا الآن، تشكل الجالية التركية في ألمانيا ما يتراوح بين 3 و4 ملايين مواطن، فضلاً عن التدفق المستمر للأشخاص بين البلدين.
وصحيحٌ أنَّ هذه الهجرات عزَّزت العلاقات الاقتصادية والثقافية بين البلدين، لكنها أيضاً تسببت في كثير من الصدامات السياسية.
إذ تعرَّض الأتراك في ألمانيا على مرِّ عقود من الزمان للعنصرية والاتهامات التي وُجِّهَت إلى ولائهم ودينهم، مما ولَّد توترات بين الحين والآخر بين أنقرة وبرلين.
بالإضافة إلى أن ألمانيا لطالما عارضت محاولات تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
هل تستطيع ألمانيا فصل الرياضة عن السياسة؟
مع أنَّ كلتا اللجنتين المتقدمتين لاستضافة الحدث الرياضي ترغب في تنحية السياسة بعيداً عن المنافسة الرياضية، فإنه لن يكون هناك مهرب من تسرب السياسة إلى الرياضة.
إذ يشدِّد العرض الألماني لاستضافة البطولة على طبيعة ألمانيا "المستقرة" ويلمح إلى الانتقادات الموجهة إلى أردوغان.
وقال ماركوس شتينغر، الذي يرأس اللجنة الألمانية المسؤولة عن ملف استضافة بطولة أمم أوروبا 2024: "نريد إثبات القدرة على الفوز باستضافة بطولة مع وجود أعلى المعايير الأخلاقية".
وبالنسبة للعديد من الأتراك، يمكن أن يشير التفوُّق على ألمانيا إلى قبول بلادهم في الساحة الرياضية العالمية، وانتصارٍ نادرٍ على ما يراه الكثيرون منهم تجاهلاً مستمراً من أوروبا.
إذ قال سيرفيت يارديمشي، ممثل تركيا أمام اللجنة التنفيذية للاتحاد الأوروبي لكرة القدم: "سيكون ذلك مصدر فخر كبيراً للبلاد".
رغم قرب تركيا الجغرافي من سوريا إلّا أن ألمانيا مهددة أكثر
من المؤكد أن التعزيزات الأمنية التي تتخذها تركيا ستكون سمةً مميزةً للبطولة؛ إذ تبعد ولاية غازي عنتاب، -وهي إحدى المدن التي ستستضيف مباريات البطولة إذا فاز الملف التركي- 30 ميلاً (48 كيلومتراً) عن سوريا.
المسؤولون الأتراك عارضوا المخاوف الأمنية التي تلمّح إليها ألمانيا، مشيرين إلى أن البلاد لم تشهد هجمات إرهابية كبيرة منذ ديسمبر/كانون الأول من عام 2016، على عكس الدول الغربية التي لا تزال تشهد مثل تلك الهجمات ومن بينها ألمانيا على وجه التحديد.
هل ستشكّل أزمة أوزيل الفرق؟!
صارت التنبؤات معقدة، وأحد الأسباب هو صانع ألعاب المنتخب الألماني مسعود أوزيل المعتزل.
وتعود قصة اعتزال أوزيل الذي وُلِدَ في ألمانيا لأبوين تركيين، إلى لقائه بالرئيس التركي رجب طيّب أردوغان في العاصمة البريطانية لندن في شهر مايو/أيار.
وأثارت الصورة ضجة كبيرة في ألمانيا وجدَّدت الجدل حول الهوية الألمانية التركية.
وبعد هذه الواقعة بشهرين، اعتزل أوزيل اللعب الدولي، بعد ممارسة رئيس اتحاد الكرة الألماني "العنصرية وعدم الاحترام" بحقّه.
ولم تتوقف حتى الآن الهجمات المضادة عليه من كبار رموز كرة القدم الألمانية بل ومن بعض زملائه السابقين في الفريق.
كما دخلت تركيا على خط النقاش حول قضية مسعود أوزيل، فقد أشاد وزراء أتراك بقرار أوزيل بسبب "العنصرية".
وقد حظي قرار ابن الـ29 عاماً بتأييد رسمي تركي، حيث غرّد وزير العدل عبدالحميد غول: "أهنئ مسعود أوزيل الذي سجّل بقراره ترك المنتخب الألماني أجمل هدف ضد فيروس الفاشية".
حاولت ألمانيا استخدام كرة القدم لعرض الاندماج الديني والعرقي فيها منذ أن نجحت في استضافة نسخة عام 2006 من بطولة كأس العالم، لكنَّ قضية أوزيل أضرت بهذه الصورة بشكل كبير.
تركيا ليست في مواجهة ألمانيا.. بل أوروبا
يمكن أن يؤكد رفض الملف مرةً أخرى -كعروض الاستضافة التركية السابقة- شعور الأتراك بأنَّ تركيا محكومٌ عليها بأن تكون جزءاً غير ملائمٍ في قارة لم تتعامل معها قط بنية حسنة.
على الرغم من أنَّها عضوٌ في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم منذ عام 1962 ومرشحةٌ رسمية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي منذ عقدين تقريباً.
وقال يارديمشي: "تركيا هي سادس أكبر اقتصاد كروي في أوروبا، ومن بين هذه الاقتصادات الستة، نظَّم خمسةٌ كل البطولات الكبرى، لذا فتركيا هي الوحيدة التي لم تحظ بهذه الفرصة".
ولكن إذا حصلت تركيا أخيراً على فرصة استضافة البطولة، ستكون جماهيرها متأهبة.
إذ أفتشي، أحد النادلين الذين يعملون في غازي عنتاب قال: "إذا استدعت الضرورة، سأستقيل من وظيفتي، صدقاً سأفعل سأكون في الملاعب طوال الشهر، بدءاً من م صافرة انطلاق البطولة، وحتى آخر ركلة فيها".
تطور كبير للبنى التحتية في تركيا
تركيا ومنذ تسلّم حزب العدالة والتنمية لسدة الحكم فيها، شهدت تطوراً كبيراً خاصة من ناحية اللحاق بالتطور الذي تشهده أوروبا من ناحية البنى التحتية؛ حيث شيّدت آلاف الأميال من الطرق السريعة وزاد عدد المطارات إلى أكثر من الضعف، وشيدت أيضاً مجموعة من الملاعب الجديدة، في محاولة لتعزيز عمليات البناء في البلاد وأيضاً زيادة فرصها في استضافة البطولات الرياضية الكبرى.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طالب الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بتقييم عادل لملفات الدول المرشحة لاستضافة بطولة أمم أوروبا لكرة القدم لعام 2024.
وأوضح أردوغان، في مقابلة مع مجموعة "فونكا" الإعلامية الألمانية، أن تركيا استوفت كامل الشروط المطلوبة لاستضافة البطولة، مؤكداً أن الشائعات التي تتناقلها بعض وسائل الإعلام حول سوء الوضع الاقتصادي في تركيا لا تعكس واقع البلد، وأنّ مدرجات الملاعب ستكون ممتلئة بالجماهير في مباريات بطولة يورو 2024.
الملاعب الحديثة تبعث برسالة واضحة
عبر الملاعب الحديثة المجهزة بأحدث التقنيات، تبعث تركيا برسالة إلى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا"، مفادها أنها جاهزة على كافة المستويات، لاستضافة البطولة الأوروبية.
و8 من الملاعب الـ 10 المدرجة ضمن ملف تركيا، هي الآن قيد الاستخدام، وتقام فيها مباريات في الدوري التركي الممتاز.
وهناك ملعبان في ملف الاستضافة (ملعب أتاتورك بإسطنبول، وملعب أنقرة)، سيتم هدمهما وإعادة إنشائهما مجددًا، وسيكونان جاهزين لاستضافة المباريات قبل حلول موعد البطولة.
كما تعهد الاتحاد التركي لكرة القدم بإجراء إصلاحات في ملعب أنطاليا، لكي يكون أيضاً جاهزاً لاستضافة المباريات قبل موعد البطولة.
والملاعب التي ستستضيف مباريات بطولة أمم أوروبا لكرة القدم في حال فوز تركيا بالاستضافة، هي: "أتاتورك" و"تورك تليكوم" (إسطنبول)، بلدية بورصة الكبرى (بورصة)، أنطاليا (أنطاليا)، إسكي شهير الجديد (إسكي شهير)، غازي عنتاب (غازي عنتاب)، بلدية قونية الكبرى (قونية)، ميديكال بارك (طرابزون)، قوجة إيلي الجديد (قوجة إيلي)، وملعب أنقرة (أنقرة).
بعد 3 محاولات فاشلة لاستضافة البطولات الأوروبية، يبدو أن حلم الأتراك باستضافة هذه البطولة بات قريباً، أكثر من أي وقت مضى، إذا ما أرادت أوروبا أن تثبت حسن نيتها الغائبة تجاه تركيا منذ ملف استضافة يورو 2008.