رغم مرور 16 عاماً على آخر تتويج برازيلي في كأس العالم، لا يزال لوسيمار فيريرا دا سيلفا "لوسيو" هو اللاعب الوحيد من تشكيل البرازيل التي شاركت في مونديال 2002، الذي ما زال يمارس كرة القدم.
فبينما الكثير من رفقاء دربه، الذين رافقوه في تلك الليلة الأسطورية في يوكوهاما اليابانية عندما أعادوا اللقب العالميّ إلى البرزيل، أصبحوا يحللون المباريات ويقدمون آراءهم حول اللاعبين والمدربين على التلفزيون البرازيلي، وآخرون أصبحوا مديرين لأكاديميات مواهب أو استجمعوا قواهم ليتقلَّدوا مهمة التدريب والإدارة الفنية، أو آخرين مثل حارس المرمى ماركوس رييس الذي أطلق علامته التجارية الخاصة بالمشروبات الكحولية، أو أمثال الأسطورة رونالدينيو الذي كشف عن نيته الترشح عن الحزب الجمهوري في الإنتخابات المحلية، في أكتوبر/تشرين الأول القادم.
ما زال يتوجّه لوسيو في كل صباح إلى نادي غاما الرياضي، الذي يلعب في دوري الدرجة الثالثة، وهي البطولة المحلية في القطاع الفيدرالي في البرازيل. وهي بطولة بعيدة كل البعد عن سحر الدرجات الأولى في الدوري البرازيلي؛ حيث لم تتمكن المباريات التي خاضها نادي غاما في مدينته هذه السنة من حشد أكثر من ألف و692 مشجعاً. بينما حضر بعض مبارياته خارج ملعبه أقل من 100 شخص.
المتعة..سر الاستمرار
لا يردُّ على هذا السؤال أفضل من بطل العالم السابق، قال لوسيو: "ما يحفزني على الاستمرار في اللعب هو حبي لكرة القدم، والفرحة التي تتملكني في الحصص التدريبية، ودافع الاستيقاظ كل يوم بصحة جيدة. لا أستطيع تخيل فعل أي شيء سوى لعب الكرة؛ في الحقيقة، لقد لعبت مع أكبر الأندية في العالم وفزت بكل الألقاب الممكنة، لكن بالنسبة لي، أنا أرغب في أن أتمتع بكل يوم في حياتي، فأنْ تعيش اللحظة مهمٌّ للغاية. ولا أستمتع بشيء في حياتي مثل الكرة.
ويتمثل دافعي الأساسي الحاليّ في أن أنقل خبرتي إلى اللاعبين الآخرين وأن أعلمهم دروس كرة القدم، كما تعلمتها في كبار الأندية الأوروبية ومع السيليساو".
صرَّح لوسيو بهذه الكلمات التي كانت تنمُّ عن إخلاص شديد وتفانٍ عالٍ. وعمد قلب الدفاع الصلد، إلى استعادة ماضيه الذي قضاه في ذات المدينة، في حواره مع صحيفة The Guardian البريطانية. ومن الجميل أنه يلعب الآن لصالح النادي نفسه الذي كان نقطة انطلاق مسيرته في طريق صعوده نحو القمة يوماً ما. "لقد بدأت مسيرتي مع نادي بلانالتينو، لقد شاركت في بطولة البرازيل لكرة القدم في سنة 1996، ومن هناك تم نقلي إلى نادي غاما".
ثم أضاف: "لم يشارك نادي غاما في كأس البرازيل في السنة التي انضممت فيها له، لذلك انتدبني نادي غوارا، الفريق الذي سيلعب بطولة كأس البرازيل ضد إنترناسيونال، على سبيل الإعارة، لخوض تلك المباراة فقط. لقد هزمنا بنتيجة 7 أهداف نظيفة، لكن المسؤولين في نادي إنترناسيونال تفطنوا إلى أنني أملك شيئاً مميزاً في طريقة لعبي لكرة القدم، ممَّا دفعهم لانتدابي. أظن أن تلك الفرصة كانت هبة من عند الله، غيَّرت حياتي ومسيرتي المهنية. وقد تمكَّنت من الاستفادة إلى أقصى حدٍّ من تلك الفرصة، وحقَّقت كل ما كنت أحلم به".
خلال الفترة التي قضاها في نادي إنترناسيونال، وهو نادٍ مشهور في مدينة بورتو أليغري، استحقَّ قلب الدفاع فارع القامة أن ينضم إلى المنتخب البرازيلي، ليكون ظهوره الأول بالقميص الأصفر وهو ابن الـ20، ليلفت انتباه نوادي النخبة في أوروبا. إثر ذلك، انتقل لوسيو إلى باير ليفركوزن في سنة 2001، وبدأ الموسم الأكثر دراماتيكية ومرارة في مسيرته. فقد كان ليفركوزن متقدماً بفارق خمس نقاط في صدارة الدوري الألماني، وأمامه ثلاث مباريات فقط ليحسم اللقب، لكن الرياح لم تسر كما تشتهي السفن البرازيلية؛ وخسر مباراتين من أصل ثلاث المباريات، ليخسر اللقب بفارق نقطة واحدة في نهاية المطاف.
لم ينتهِ سوء الحظ عند هذه النقطة، إذ خسر بايرن ليفركوزن نهائي كأس ألمانيا أمام شالكه، و لتكتمل الكارثة هُزم أمام ريال مدريد في نهائي دوري أبطال أوروبا. لقد كاد لوسيو أن يحرز ثلاثية في موسمه الأول في أوروبا، ولكنه أنهى الموسم بخفي حنين، على الأقل حتى الصيف.
رحلة البحث عن المجد
في وسط هذه الهزائم المتتالية وخيبات الأمل الكبيرة، كان السيليساو يخوض سباق التأهل لكأس العالم عن قارة أميركا الجنوبية، وكان المنتخب البرازيلي يكافح كما لم يسبق له من قبل، ليضمن مقعده في المونديال. ولم يضمن المنتخب هذا المقعد إلا من خلال فوزه على فنزويلا في التصفيات النهائية. عن تلك اللحظات، قال لوسيو: "لقد خضنا تصفيات كأس عالم صعبة للغاية في موسم 2002. ومن دون شك، كان الأمر متعباً أيضاً، فبعد تأهل البرازيل عُدنا إلى أوروبا للعب في جميع المسابقات المحلية ودوري الأبطال. لقد كان الأمر منهكاً للغاية".
وأضاف لوسيو، أنه "نظراً لأن تأهلنا كان صعباً للغاية، لم نكن نحظى بقدر كبير من الثقة، في حين لم يكن مشجعو المنتخب يؤمنون بقدراته. ويعد هذا الأمر منطقياً وطبيعياً للغاية، بسبب الأداء المتوسط الي قدمناه، والتي خلقت حالة من انعدام الثقة عند الجماهير والإعلام تجاه قدرتنا على الذهاب بعيدًا في المونديال الآسيويّ".
وعلى الرغم من أن الموسم قد استنزف قوى لاعبيها بشكل كبير، فإن البرازيل وصلت إلى كأس العالم، وهي تتمتع بحالة بدنية ممتازة، متفوقة بذلك على أي منتخب آخر في البطولة، وبدرجة أكبر تميزوا بالحضور البدني للوسيو، الذي شارك مع منتخب بلاده في كل دقيقة لعبها.
وفي هذا الشأن، أفاد لوسيو: "لقد كان اجتهاد اللاعبين على مستوى الحضور البدني واعتنائهم بأنفسهم وحسن الاستعداد أمراً مهماً للغاية. لقد صنع هذا الأمر الفارق بالنسبة لنا، مما مكننا من النجاح في كأس العالم. خلال البطولة، تمكَّن الفريق من خلق قدر من التناسق والانسجام فيما بينه، حيث تضافرت كل الظروف واتّخذت الأمور المسار الصحيح، مما سمح لنا بتحقيق سلسلة من الانتصارات وكسب الثقة واحترام الذات، في حين تولَّد داخلنا دافعٌ للمضي قدماً. كانت كل هذه المعطيات أمراً أساسياً بالنسبة لنا للوصول إلى المباراة النهائية ضد ألمانيا والفوز باللقب".
وعن المدرب لويس فيليبي سكولاري، الذي كان يشرف على المنتخب البرازيلي، قال لوسيو أنه كان بمثابة الأب لنا، حركاته وصراخه على خط التَّماس، وكلماته في التمارين والمعسكرات، كانت تلهمنا وتعطينا الثقة التي فقدناها خلال مشوار التصفيات العصيب. حتى تصريحاته في اللقاءات الصحفية قبل المباراة كانت تجعلنا نؤمن بقدرتنا على الفوز باللقب وإسعاد الشعب البرازيليّ. ويقول لوسيو، معلقاً على هذا الأمر: "في المباراة النهائية، كان فيليبي يشجع اللاعبين كالعادة، حتى نحن كلاعبين كنا نشجع بعضنا البعض، كنا نتحدث فيما بيننا دائماً لتعزيز روحنا الجماعية ليدب الحماس في العروق، قائلين: 'في هذه المرحلة لن نخسر. لقد وصلنا إلى المباراة النهائية. يجب أن نُظهِر قيمتنا وقدراتنا الحقيقية للعالم. الكوكب بأسره سيشاهد هذه المباراة، لن نخذل شعبنا أبداً'. لقد كنا متحمسين للغاية، ونرغب بشدة في الفوز وفزنا بالفعل".
لكن نيمار وأصدقاؤه لم يكونوا على نفس المستوى الفني، ولا على نفس القدر من التفاني والحماس للفوز بكأس العالم، لتخرج البرازيل من دور الـ8 أمام بلجيكا.