تُوزَّع المصافحات والقبلات فيما تدخل فرقةٌ من الشباب إلى المبنى بعد عودتهم من تمرين ركضٍ حول البحيرة بمتنزَّه بارك دو لا بيد.
يهرول فريق الشباب تحت سنِّ 21 عاماً مارِّين بلوحةٍ جدارية تصوِّر روميلو لوكاكو في صغره، ثم يختفون إلى داخل الصالة الرياضية.
والد روميلو هو الذي موّل لبناء هذا المركز
يقول جان كيندرمانز، مدير أكاديمية أندرلخت: "كان والد روميلو هوَ من دفَع بنا لبدء التعاون مع المدارس، في سنّ الخمسة عشر، كان روميلو في طريقه للشهرة بالفعل وحظَي بالكثير من الاهتمام".
حينها قال والده: "إنَّ نوادي لينس، وأوكسير، وسانت-إيتيين جميعها مهتمة بضمِّ ابني لها، وكلٌّ منها بإمكانه أن يوفِّر له مدرسةً يرتادها، ومكاناً للإقامة، وتعليماً كروياً. يريدون تقديم كل شيءٍ له". وبعد بضعة شهور من ذاك بدأنا مشروع المواهب هذا. والآن، بعد مُضِي أكثر من عشرة أعوام، صار اسمه برنامج الموهبة الأرجوانية، إذ إنَّه لم يعُد مشروعاً فحسب".
قضى روميلو ساعةً يومياً يتدرَّب فيها على تسديد الكرة تجاه المرمى كل صباحٍ قبل استئناف دراسته الأكاديمية، فالسرُّ في نجاحه هوَ الاختلاط بالناس وامتلاك هواياتٍ واهتماماتٍ مختلفة.
وتخرج فيه أكثر من ثلث تشكيلة المنتخب
تحيط بمركز أندرلخت للتدريب الذي يقع في ضواحي بروكسل بيوت عطلاتٍ خشبية،ومتنزَّهات محلية ساحرة، ومؤسسات تعليمية. قد أخرَج هذا المكان قائمةً من الأسماء المشهورة، ومن بينها ثمانية لاعبين من أصل 23 لاعباً يمثِّلون بلجيكا في كأس العالم المُقامة في روسيا الآن. طُوِّرت مهارات كلٍّ من لوكاكو، وفينسان كومباني، ولياندر دندونكر، ويوري تيلمانز، ودريس ميرتينس، وعدنان يانوزاي، وميتشي باتشوايي، ومروان فيلايني ها هُنا. هذا يمثِّل أكثر من ثُلث تشكيلة المنتخب وقد سجَّل هؤلاء الثمانية عدد أهداف يفوق التي سجَّلها فريق البرازيل.
بالطبع يشعر كيندرمانز بالفخر لبراعة النادي في اكتشاف المواهب المحليَّة وتطويرها لتُصبِح عالمية المستوى. وقال: "نحاول أن نحظى بأفضل لاعبي بروكسل قبل الانتقال لمرحلة كرة القدم ذات الفريق المكوَّن من 11 لاعباً تحت سن الثالثة عشرة. بدءاً من الأطفال تحت سن السادسة وحتى تحت سن الثانية عشرة نركِّز فقط على اللاعبين القاطنين في المنطقة المحيطة. وهم يدرسون ضمَّ الآتين من أماكن أبعد نظراً لشخصيَّاتهم، وسنَّهم، وثقافتهم.
يتعاملون مع كل فتى بشكل مختلف
تُصقَل مهارات الشباب تحت سن السابعة عشرة على يدّ المدرِّب نور الدين مُكرِم. تتطوَّر التمارين الصغيرة لتُصبِح مباريات استحواذٍ على الكرة. ثم يخطو مُكرِم إلى الملعب؛ ليتحدَّث مطوَّلاً إلى فريقٍ محتشد كل 10 أو 15 دقيقة.
وفي الجهة المقابلة من المجمَّع في الملعب الخاص بمن هم تحت سن الخامسة عشرة، تمارس المجموعة الأصغر تمارين تسديد الكرة؛ حيث يوجِّه لاعبو الجناح تمريراتٍ غير مستقيمة باتجاه المرمى. ينفد صبر المدرِّب مع أحد المدافعين ممَّن يُمرِّرون ويتلقُّون الكرة مجدداً. وبرغم النقد المُوجَّه له، لا يُبدي المراهق أيَّ انفعال.
قال كيندرمانز: "علينا أن نتعامل مع كل فتى بشكلٍ مختلف. لدينا هنا أديان، وثقافات، ولغات، وجنسياتٍ مختلفة. وكُل فردٍ يكون رد فعله مختلفاً. نحاول التكيُّف مع خلفية كلٍ منهم. ما يهم هنا هو يملك الفتى قدمين ورأساً سليماً".
وأضاف: "أندرلخت هوَ الشارع. نحن مرآة المجتمع؛ إذ إنَّ بروكسل مثلها مثل لندن، أو باريس، مثل أية مدينة كبيرة. تصُب التعدُّدية الثقافية في مصلحتنا. انظر مثلاً لفنسان كومباني، مولودٌ لأمٍ بلجيكية وأب إفريقي: آتٍ من عائلةٍ متواضعة لا تملك سيارة فارهة، تعلَّم في وسط بروكسل. كان يستقلَّ الترام إلى هنا ثم حافلة ليلية ليعود إلى البيت في وقتٍ متأخر بعد انتهاء التمرين. كان أثر الشارع بادياً عليه".
أكمل كيندرمانز قائلاً: "إنَّ فنسان شاب ذكي جداً. لستُ مطلعاً على الغيب لكنِّي مقتنعٌ أنَّه سيعود إلى هنا وسيكون له دورٌ مهم يلعبه في بلجيكا. إنَّه قائدٌ بالفطرة. لا حاجة للحصول على ماجستير بطبِّ النفس كي تدرك ذلك. حتى عندما يتحدَّث فنسان أو يمزح، إنَّه مختلف. إنَّه يضُم الناس معاً بشكلٍ غريزي ويملك تأثيراً هائلاً في أيِّ مكانٍ يذهب إليه. إنَّ شخصيته حول الملعب تفوق شخصيته على أرضه حتى".
يحتاج كيندرمانز لشخصيةٍ قيادية كشخصية كومباني في هذا التوقيت. يقول: "لا أحب المدرِّبين الذين يغيِّرون ناديهم كل عام. الاستقرار أمرٌ أساسي. عادةً ما يتمرَّن مدرِّبونا على يد علماء نفسٍ ومعلِّمين تربويين. نمزج هنا بين وجود لاعبي كرة قدم محترفين سابقين و"حاصلين على شهاداتٍ في التدريب" وبالطبع كُلٌّ له حدسه الخاص. لكن ليس كافياً أن تلتزم بأسلوب تفكيرٍ واحد، عليك أن تكون تلميذاً مدى الحياة، ومديراً للأشخاص حولك، وعالم نفسٍ أيضاً. يكمن الفن الحقيقي بأن تكون مدرِّباً في ترجمة أفكارك للَّاعبين وإقناعهم بنظرياتك".
الأطفال تتغيَّر.. وكرة القدم تتغيَّر
وقال كيندرمانز: "الأطفال تتغيَّر. وكرة القدم تتغيَّر. أجعل مدربيَّ يشاهدون مباريات دوري أبطال أوروبا ويُحلَّلونها. من المهم أن تحيط نفسك بلعبة كرة القدم المعاصرة. كنا قبلاً نركَّز على الاستحواذ بالكرة بنسبة 70% من وقت المباراة، لكن ما فائدة امتلاك الكرة إذا كنت لا تفعل بها شيئاً؟ نحن الآن نعمل على تحقيق نسبة 70% من وقت المباراة في استحواذٍ فعَّال وهجومي للكرة. أضفنا تمارين التقدُّم والتسديد على المرمى لكل جلسات التدريب، وإلَّا سنستحوذ على الكرة كيفما أردنا لكنَّا أيضاً سنُهزَم كلَّ مباراةٍ بنتيجة 1-0. إنَّ فلسفة التدريب التي يتَّبعها النادي هيَ "احصل على الكرة. أبقِ عليها. تقدَّم. اصنع اللعبة. سدِّد. فُز بالمباراة". إنَّها دورةٌ نعِظ بأهميتها لجميع الموجودين بالمبنى".
وأضاف: "قد تخسَر الروح الفائزة ما إن وجَّهت اهتمامك للعوامل التعليمية فقط، ومع ذلك فإنَّه ليس صائباً أن تدرِّب اللاعبين على الفوز فقط. عليك تحقيق توازنٍ بينهما. ولهذا صنعنا نحن هذا المسار الذي لا تصنع فقط لاعبي كرة قدم ممتازين، بل لاعبين كاملين. إذا جرى كلُّ شيءٍ على ما يرام في مراحل البناء تِلك فإنَّك ستفوز بمباريات كرة القدم".
كذلك قال: "نستعد لهزيمة كل خصمٍ نواجهه بالاستفادة من الفيديوهات وتكتيكات الفريق، سواء كانت المواجهة تتبع خطة "الضغط الأمامي الشديد" للاستحواذ على الكرة أو "ضغط شبكة العنكبوت" (عندما تُجذَب الفرقة إلى منطقةٍ معينة من الملعب ثم يُهجَم عليها) لكنَّه يصبح من الجنون أن نحاول محاكاة أسلوب وتشكيلة الفريق الأوَّل بحذافيرها؛ إذ إنَّ لدينا مدرباً ظلَّ معنا على مدار ثلاثة مواسم طوال 15 عاماً".
وقال أخيراً: "وضعت الأكاديمية نظاماً باتباع تشكيلة 3-4-3 تصير 4-3-3 عند مستوى من هم تحت سن 15 عاماً، لكنَّ علينا التحلِّي بالمرونة أيضاً. تعتمد التشكيلة على نقاط قوَّتنا وضعفنا، وعلى الخصم، وعلى فترة الموسم، وعلى أهمية المباراة نفسها. بحلول اللاعب سنّ 16 أو 17 عاماً، نتوقَّع منه أن يفوز في المباريات باتبَّاعه طريقة أندرلخت في اللعب. تحظى المجموعات الأصغر في المقابل بمساحةٍ أكثر راحةً حيث يلعبون في تشكيلة 3-4-3 لكن بإمكان اللاعبين تغيير مواقعهم بانتظام. لستُ عرَّابهم، لكنِّي أعتقد أنَّ تنشئة لاعبين متعددي المواهب والمواقع سيساعد في تطويرهم ليصبحوا بشراً أذكياء ومكتملين. إذا امتثلوا لما يُطلَب منهم، وأنصتوا جيداً، وعملوا بجد، مَن يدري إلى أي علوٍ يصلون؟".
تغرُب الشمس على مركز التدريب وقد انتهى يوم التمرين بالنسبة للَّاعبين تحت سنَّ 21 عاماً. وفيما يغادرون الصالة الرياضية، يهلِّل الشباب بصيحات تشجيعٍ للَّاعبين الأصغر الذين لا يزالون يجاهدون في ممارسة تمارين القوة والتحمُّل بالطابق الأدنى. مُلصَقٌ وراءهم على الحائط تذكيراً للجميع العمل الجاد يغلب الموهبة