كانت الألعاب النارية تدوي بالفعل في شوارع العاصمة البرازيلية ريو دي جانيرو قبل ساعتين من انطلاق المباراة التي جمعت المنتخب البرازيلي ونظيره البلجيكي في الدور ربع النهائي. وتجمعت الحشود حول شاشة كبيرة مع امتلاء وسط المدينة في ريو بالحركة تشوقاً للمباراة.
وبعد مرور بعض الوقت، أحرز اللاعب البرازيلي فرناندينيو هدفاً بالخطأ في مرمى فريقه، وتبعه هدفٌ آخر من اللاعب البلجيكي كيفين دي بروين، فخيَّم الصمت على الجمهور، حسب ما وصفه تقرير صحيفة The Guardian البريطانية.
البرازيل منقسمة سياسياً
تريد البرازيل دائماً أن تفوز بكأس العالم. إلا أنَّ برازيل اليوم، المُنقسمة سياسياً -التي يُدمرها الركود، بينما يقبع زعيمها الأكثر شعبية في العقود الأخيرة في السجن، ويقود رجل يميني مُتطرف استطلاعات الرأي بشأن الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في شهر أكتوبر/تشرين الأول المُقبل- كانت تُريد بشدة أن تنتصر على الرغم من مشكلاتها العديدة، أو بسببها.
ومع ذلك، فبعد الهزيمة التي تلقاها المنتخب البرازيلي بهدفين مُقابل هدف، كان هناك نحيب وغضب ومزاح أسود أقل من ذلك الذي أعقب هزيمة البرازيل الصادمة 7-1 أمام ألمانيا في نصف نهائي بطولة كأس العالم الماضية التي أُقيمت في عام 2014. مجرد شعور بأنَّ الناس كانوا يفكرون في الوضع.
ونشر موريسيو سانتورو، وهو أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ريو دي جانيرو البرازيلية، على صفحته على موقع فيسبوك: "إنَّ خروج البرازيل من كأس العالم بهدفٍ عكسي أمرٌ يعبر جداً عن الأزمة القومية الحالية".
البرازيل سيئة وبطولة 2014 لم تستطع توحيد البلاد
وقال ماركوس كوردولينو (50 عاماً) وهو موظف حكومي شاهد المباراة في شارع بنيامين كونستانت في ريو: "إنَّه شعورٌ سيئ للغاية. لم يلعب فريق البرازيل جيداً كما كان باستطاعته. فشل نُجومنا في التألق".
جديرٌ بالذكر أنَّ المنتخب البرازيلي فاز بكأس العالم خمس مرات، لكنَّ علاقته بالبطولة ازدادت برودةً في السنوات الأخيرة.
استضافت البرازيل بطولة 2014 بعد مرور عام على مظاهرات ضخمة في الشوارع ضد الفساد المالي والبذخ في الإنفاق على الملاعب. لقد توقف الاقتصاد عن النمو، وظهرت الشقوق في قصة نجاح دولة كان من المُتوقع لها أن تجمع بين النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي.
بعد ذلك، بدأ كل شيء في التداعي: فضيحة ابتزاز مالي بمليارات الدولارات، وظهور وباء زيكا، وتزايد جرائم العنف، واستيلاء الجيش على الخدمات الأمنية المتداعية في ريو دي جانيرو، وعزل الرئيسة اليسارية ديلما روسيف، وتعيين نائبها السابق الأقل شعبية اليميني ميشال تامر بدلاً منها.
اهتمام أقل بمنتخب بلادهم
وفي البطولة الحالية، كان اهتمام الجماهير البرازيلية بمتابعة منتخبها أقل مما كان عليه قبل أربع سنوات، حتى أن بعض البرازيليين كانوا يشجعون غريمتهم التقليدية الأرجنتين. لكنَّ الفريق أعطى سبباً للشعور بالأمل تحت قيادة المدرب أدنور باتشي، المعروف باسم تيتي، الذي بدا أنَّه قدم الخبرة الإدارية التي يفتقر إليها زعماء بلاده السياسيون الفاسدون والمكروهون على نطاقٍ واسع في البلاد.
وقال تادو برييتو (32 عاماً) وهو فني متخصص في تكنولوجيا المعلومات: "نتوقع دائماً أن نفوز بالكأس".
ومع ذلك، بلغ الحشد الذي ملأ السلالم الموجودة أمام الشاشة الكبيرة في شارع بنيامين كونستانت نحو نصف حجم الحشد الذي كان موجوداً قبل أربع سنوات، حين كانت المباريات تُعرض هنا أيضاً.
الانقسامات تظهر حتى في طريقة التشجيع
وكانت الانقسامات السياسية المُتفاقمة في البرازيل مرئية آنذاك أيضاً. إذ كانت المهندسة كاميلا ليونشيو (33 عاماً) ترتدي قميص فريق البرازيل الأزرق لأنَّ قمصان الفريق الصفراء الشهيرة كان يرتديها المُتظاهرون اليمينيون الذين كانوا يطالبون بعزل روسيف، وكان علم البلاد يرفعه أولئك الذين طالبوا بالتدخل العسكري في أثناء إضراب سائقي الشاحنات الوطني في مايو/أيار.
أما ريجينا هورغ (32 عاماً)، وهي طاهية مُساعِدة، فقد فعلت ما هو أكثر من ذلك، إذ ارتدت كالعديد من اليساريين قميصاً أحمر للمنتخب البرازيلي يحمل علم البلاد، وقالت: "الناس ليسوا متحمسين. كانت نتيجة 7-1 خطأً، والقضية الاجتماعية سيئة للغاية".
لكن البرازيليين تمسكوا بالأمل
بعد انتهاء الشوط الأول، وفي ظل تأخر البرازيل بهدفين مقابل لا شيء، كان الحشد الجماهيري لديه توقعات بأن الوضع سيتغير. إذ قالت جويلما سالدانها (38 عاماً) وهي فنيةٌ تعمل في مختبر وترتدي قميصاً عليه شعار يقول فيما معناه: "من يقول إنَّها مُجرد لعبة لا يفهم"، وأوضحت: "إنَّها ليست مجرد لعبة. إنَّها البرازيل، تلعب من أجل عالم أفضل".
ومع ذلك، ظلت الأمور تسير على نحوٍ خاطئ. وفي أثناء عزف النشيدين الوطنيين قبل بدء المباراة، تعطلت الشاشة الكبيرة، مما أجبر الناس على التجمهر حول تلفزيون صغير وُضع على مُكبر صوت مُجاور، وهي لحظة رمزية لدولة مكسورة تحاول معرفة كيف تُصلح نفسها.
ولم تعُد الشاشة إلى العمل مرةً أخرى حتى الشوط الثاني، في الوقت الذي بدأت فيه البرازيل اللعب كما ينبغي.
ثم كانت الصدمة
وبعد صافرة النهاية، تحرك الناس في الشوارع مُشوشين. ومع ذلك، لم يكن هناك شعور باليأس الذي يتذكره بعض البرازيليين من المرات التي فشلوا فيها في الماضي، مثل عام 1982، حين خرج أفضل فريقٍ إبداعي في تاريخ البرازيل من كأس العالم أمام المنتخب الإيطالي.
جلست جوليا ماير (32 عاماً) على مقعدٍ وأخذت تنظر في الرسائل الموجودة على هاتفها الخلوي، وقالت: "على البرازيل الآن أن تقلق بشأن أمور أخرى مثل الصحة والتعليم. إنَّ الصراع مُستمر".
وفي شارعٍ قريب، كان صوت الموسيقى مسموعاً بالفعل من حفلة منزلية وأخذت أربع نساء يتناقشن في المُباراة أثناء سيرهن. وقالت إستيلا ريسيندي (42 عاماً) وهي طاهية مُساعدة: "كان فوز البرازيل بهذه الكأس سيمثل مشكلةً كبيرة. فالبطولة الأخيرة دمرت دولتنا".
ثم مضت النساء في طريقهن كالبرازيل.