على مقربة من أحد أفراد العصابات الذي يحمل مسدساً في حزامه وبندقية أوتوماتيكية في يديه، كانت حانة النساء في حي كومبليكسو دو أليماو الواقع في ريو تعرض كأس العالم على شاشة تلفزيون كبيرة.
تجاوز عدد النساء اللاتي يرتدين قمصان المنتخب البرازيلي بين الحشود التي تشاهد المباراة بين البرازيل وصربيا، عدد الرجال، في حين كان الأطفال يلعبون على الترامبولين أو يصطفون في طابور لرسم أعلام البرازيل على وجوههم.
تقول ميرا كيرينو التي تبلغ 26 عاماً – والتي تشبه العديد من النساء المتواجدات في الحانة من جهة كونها أماً عزباء – لصحيفة The Guardian البريطانية، "تلتقي بالجميع هنا..هناك شعور رائع يغمر المكان".
حقق منتخب البرازيل المشهور باسم الـ "سيليساو" نجاحاً كبيراً حتى الآن في كأس العالم، لكن بعيداً عن أرض الملعب، تُلقي هذه البطولة الأضواء على قصص حياة أمهات اللاعبين الصاخبة والتي تشبه قصص البرازيليين العاديين، على العكس من زوجات وصديقات لاعبي الفريق الفاتنات.
نشأ 6 من اللاعبين الذين لعبوا أمام صربيا (وهم ميراندا وتياغو سيلفا ومارسيلو وكاسيميرو وبوالينهو وغابرييل خيسوس) دون أب، وفقاً للنسخة البرازيلية من صحيفة El País الإسبانية.
وفقاً للإحصاءات الحكومية، تعول المرأة البرازيلية ما يقارب من 40% من العائلات البرازيلية، حتى عندما يكون لديها شريك، مقارنة بـ 23% قبل عقدين من الزمن. لكن غالباً ما يتم تجاهل الأمهات العازبات في الثقافة الشعبية.
جاء العديد من اللاعبين الكبار في البرازيل من خلفيات تتسم بالفقر المدقع.
وقالت أستاذة علم الإنسان في جامعة برازيليا ديبورا دينيز، "ترتبط أمهات هؤلاء اللاعبين العازبات بالنساء البرازيليات العاديات لأنهن عشن حياةً مماثلة. وهو ما يتناقض مع أسلوب الحياة الراقي الذي تتمتع به زوجات وصديقات اللاعبين اللواتي يتميزن في كثير من الأحيان بكونهن أصحاب بشرة أفتح (من أصول أوروبية)، على عكس الفريق الذي يعتبر مزيجاً عرقياً نموذجياً للبرازيل".
وأضافت، "تعتبر (هؤلاء الأمهات) نساء أكثر برازيلية بشكل عام. هناك تباين عرقي مهم جداً. كما أن هناك تباين فئوي أو طبقي مهم للغاية".
وتقول ليتيسيا باهيا، مستشارة لمؤسسة الأمم المتحدة وأحد مؤسسي الموقع النسائي AzMina، "تتزايد النسوية في البرازيل وفي بلدان أميركا الجنوبية الأخرى وتتزايد مناقشة القضايا التي تثيرها في المسلسلات التلفزيونية". وأضافت، "إن فكرة الاستمرار في العلاقة الزوجية من أجل الأطفال قد انهارت حقاً".
وفي حانة النساء، قالت صديقة كيرينو البالغة من العمر 23 سنة دايان أوليفيرا (والتي وشمت اسم ابنتها كاميللي التي تبلغ من العمر 7 أعوام على ساقها)، "تزداد نسبة الأمهات البرازيليات اللائي يخترن الاستقلال بحياتهن إذا لم تنجح العلاقة الزوجية". وأضافت، "تنعم المرأة البرازيلية اليوم بالاستقلالية. ولا تحتاج إلى الرجل في أي شيء".
وقالت ثايز لياو (28 عاماً) التي تدير صفحة على فيسبوك تدعى ماي سولو (الأم العزباء) ويتابعها نحو 80 ألفاً، "إن العامل المثير في تزايد عدد الأمهات العازبات في البرازيل هو حظر البلاد للإجهاض والذي يجبر العديد من النساء على الحمل غير المرغوب فيه".
وأضافت لياو، "يمكن للأب التخلي عن الطفل لكن لا تستطيع المرأة فعل ذلك". كما يعد مبدأ الذكورية المترسّخ في البرازيل عاملاً مساعداً أيضاً، وقالت: يعتبر العديد من الرجال أن الخيانة حقهم الطبيعي كما أنهم يرفضون مد يد المساعدة في المنزل. وأضافت، "نحن نستحق علاقات أفضل".
بالنسبة للعديد من النساء، يعد التركيز على أمهات الفريق بمثابة تذكير جاء في الوقت المناسب بالمكان الذي جاء منه اللاعبون. وقالت ماري لويز سوزا البالغة من العمر 36 سنة، والتي تدير مشروع فافيلا آرت في كومبليكسو دو أليماو، "لا تنتمي أي منهن إلى الطبقة الوسطى".
كانت فيرا ليسيا والدة لاعب مانشستر سيتي والمهاجم البرازيلي غابرييل خيسوس، خادمة سابقة وقد ربته وإخوته الثلاثة بمفردها.
ومع ذلك، فإنها غالباً ما تظهر في برامج الحوارات كما أنها زارت روسيا – إلى جانب نادين، والدة نيمار وآن، والدة فيرمينو من أجل الجزء السادس من سلسة قناة تي في غلوبو Matrioskas، أو الدمى الروسية.
وكان لعلاقتها القوية الداعمة التي تربطها بابنها، نجم مانشستر سيتي البالغ من العمر 21 عاماً، صدى واسعاً لدى الأمهات المتواجدات داخل حانة النساء.
تقول ريتا دي كاسيا البالغة من العمر 38 سنة، وهي أم عازبة لثلاثة أولاد، أوسطهم يسمى أندري، الذي يحلم هو بدوره بأن يصبح لاعب كرة قدم، "لقد نشأ غابرييل خيسوس في حي فقير وقد ربته أمه بمفردها".
انعكست مشاركة البرازيل في كأس العالم، ولاعبيها وأمهاتهم القادمين من أحياء فقيرة في صورة انتشرت بشكلٍ واسع في وقتٍ سابق من هذا الشهر.
فقد أراد والاس روشا، البالغ من العمر 12 عاماً، من ضاحية فيلا كروزيرو فافيلا في ريو، قميصاً يحمل اسم لاعب خط الوسط فيليب كوتينهو، ولكن لم تكن والدته ساندرا دي أوليفيرا، التي تبلغ من العمر 47 عاماً، وهي عاملة نظافة عاطلة عن العمل، ولا زوجها قادرين على شرائه.
وطلبت دي أوليفيرا من إحدى الخياطات المحليات أن تقوم بحياكة واحد من أجل الصبي، وتعهدت بالدفع في وقت لاحق.
وقام المصور برونو إيتان بالتقاط صورةٍ لهما وهما يشاهدان المباراة التي فازت بها البرازيل على كوستاريكا – ثم أطلق حملة عبر الإنترنت حتى تصل إلى كوتينهو.
انتشرت الصورة بشكل سريع وبعد أربع ساعات من انتشارها، أجاب كوتينهو في رسالة فيديو.
يريد والاس أيضاً أن يصبح لاعب كرة قدم، وتقول والدته، "إنه حلمي أيضاً. إنها مهنة جيدة له، لانتشاله من حياة الشوارع".