قبل انطلاق المباراة في ملعب "لوجنيكي" بالعاصمة الروسية موسكو، كان الحديث يدور حول قرار المدرب فرناندو هييرو بعدم الدفع بنجم كرة القدم الإسبانية، أندريس انييستا الذي أحرز هدف الفوز في نهائي كأس العالم 2010، رغم أنه شارك في 9 بطولات كبرى لم يغب فيها سوى عن مباراة واحدة.
استغنى مدرب المنتخب الإسباني فرناندو هييرو عن خدمات أندريس إنييستا في آخر مباراة له بدور الـ 16 في المواجهة أمام روسيا التي تستضيف كأس العالم، وحل محله اللاعب ماركو أسينسيو، الذي لم يكن فعالاً طيلة وجوده على أرضية الميدان.
واحتفظ جيرارد بيكيه وسيرجيو راموس بموقعيهما في مركز قلب الدفاع، على الرغم من استقبال الشِّباك الإسبانية 5 أهداف خلال مبارياتها الثلاث مجتمعة في مرحلة المجموعات. حيث أثبت منتخبا المغرب وإيران أنهما أكثر قوة مما كان متوقعاً، أما البرتغال أمام إسبانيا فكانت محظوظة بالحالة الفنية التي كان عليها النجم العالمي كريستيانو رونالدو.
وقد حاولت روسيا مباغتة المنتخب الإسباني في بداية اللقاء من خلال ضغط هجومي يقوده بواسطة صانع الألعاب الموهوب أليكساندر غولوفين، الذي أثار بعض القلق لبيكيه وراموس في البدايات.
لكن راموس، المعروف بقدرته البدنية المتميزة، أنهى هذا القلق بمساهمته الفعالة جداً عن طريق مضايقته المدافع الروسيّ في إحراز هدف المباراة الافتتاحي.
إذ قام بإجبار سيرغي إيغناشيفيتش على تسجيل هدف غير مقصود بمرماه، وفي حالة عدم دخول الكرة للمرمى فإن الحكم ما كان ليتردد في منح راموس ركلة جزاء، ليبرهن راموس مرة أخرى على أنه لا يزال من الأقوى في المواجهات الثنائية.
وحسب تقرير صحيفة Daily Mail البريطانية، فقد ظهر الجانب السلبي لطريقة لعب راموس في الركلة الحرة التي لم يكن هناك داعٍ لها بالدقيقة الـ 23 من زمن المباراة، بعد أن استخدم ذراعه للسيطرة على المهاجم العملاق أرتيم دزيوبا، الذي يُعتبر من اللاعبين القلائل في كرة القدم الحديثة الذين يمكنهم الانتصار في المواجهة الثنائية الأرضية والهوائية ضد راموس.
ومع ذلك، فقد تمكنت روسيا بالكاد من إمساك الكرة بما يكفي لوضع الدفاع تحت أي ضغط؛ إذ لم يتمكن الفريق من حيازة الكرة سوى خلال الثواني المعدودة التي قد يُفتح فيها اللعب من حين لآخر، أو عند ركل الكرة من مسافة بعيدة.
في تلك الأوقات، كان جيرارد بيكيه يحظى بوقت هادئ على أرضية الملعب، حتى جاءت اللحظة التي تحولت فيها المباراة رأساً على عقب.
فقد منح مدافع برشلونة الفريق الروسي ضربة جزاء من لمسة يد بعد أن قفز لإبعاد كرة عالية قادمة من ضربة حرة، ورفع ذراعيه من أجل تعزيز موقعه، ثم أعاد رفع ذراعه اليسرى؛ حتى يتمكن من إعاقة الهدف المحقَّق من رأسية دزيوبا، ويدَّعي أنه كان في حالة طبيعية ولم يتعمَّد لمس الكرة.
لقد أوقف الرأسية بالفعل، لكن الفضل يعود إلى الحكم الهولندي بيورن كويبرس، الذي لم يقتنع، ولم ينزعج من الشكاوى التي انتقدت قراره بعد ذلك.
علِم بيكيه أنه أخطأ في توقيت ارتقائه، فقد كانت الكرة تطير فوقه وكان بحاجة إلى أي فعل يائس ليمنعها من ولوج الشِّباك. يمكن أن يُعد ذلك بمثابة خطأ دفاعي آخر بعد المواجهة المرعبة التي تعرض لها أمام اللاعب المغربي خالد بوطيب والتي مرت دون عقاب بعد تصدي الحارس دي خيا.
واصلت إسبانيا العمل الشاق بعد مرور نصف الوقت في محاولتها المستميتة لاختراق الدفاع الروسي الصلد، المدعوم من قِبل حشود الجماهير في موسكو.
حتى لعِب راموس كرة طولية لم يستقبلها أحد، لتكون أفضل تعبير عن حالة المنتخب الإسباني اليائسة في مباراة ليلة الإثنين، حيث كانت هذه الكرات بمثابة تدريب سهل للاعبي المنتخب الروسي أصحاب البنية الجسمانية الضخمة والقامات الفارعة، ولولا إجهاد اللاعبين الروس وإجادة جوردي ألبا لتحوَّلت بعض تلك الكرات الطائشة إلى هجمات خطيرة لصالح أصحاب الأرض.
وبعد مرور 75 دقيقة، كان بيكيه متصدراً ترتيب أفضل الممررين بأكثر من 110 تمريرات، إلا أن أغلبيتها كانت قصيرة، وبسيطة، ولم تهدف إلى تحقيق شيء أو تُمثل أي تهديد.
يُعد بيكيه وراموس جزءاً هاماً من الفريق الإسباني التاريخيّ تماماً مثل إنييستا، لكن كانت هناك علامات واضحة للغاية على انتهاء عصر المجد.
ثمة أوجه شبه كبيرة بين فريق آرسنال بعد 2004 والفريق الإسباني الحالي؛ إذ يقوم الفريقان بالكثير من التمريرات ولكن دون تحقيق أهداف في النهاية، ويبدو الفريق متصدعاً، وقابلاً للهزيمة من قِبل الفرق الأقل كفاءة. فقد افتقر الاستحواذ على الكرة إلى الاتجاه المناسب في غياب إنييستا، الذي شارك في المباراة بعد مرور 66 دقيقة، في محاولة لتحقيق بعض الزخم مرة أخرى إلى طريقة لعبهم.
لقد فشل الفريق الإسباني في فك شيفرات دفاع روسيا البطيء والعتيق، بأي شكل من الأشكال، حتى الدقيقة الـ 19 من الوقت الإضافي عندما تسبب البديل رودريغو في إحداث ذعر كامل للجماهير الروسية بعد اختراقه الجبهة اليسرى للمنتخب الروسي، لكن تسديدته لم تكن بالدقة الكافية لتتجاوز حارس المرمى الروسيّ. وحاول الإسبان بعدها استغلال زخم تلك الفرصة، لكن بحلول ذلك الوقت، كان الأوان قد فات لإنقاذ سمعة إسبانيا في هذا اللقاء الهام.
ولا يزال الثلاثة يتميزون بإرادة حديدية، كما اتضح خلال ضربات الجزاء الرائعة التي سُجلت في نهاية المباراة. لكن جهود كوكي وياغو أسباس قضت على الحلم الإسباني في الاستمرار.
وبهذه النهاية، يمكننا القول إن هذا هو الحضور الأخير لأعظم جيل في تاريخ كرة القدم الإسبانية.