"النساء يعشقن القبعات المكسيكية!، إنَّها تفتح أمامي الكثير من الأبواب".
هكذا يقول خوسيه رامون دياز، وهو مشجع مكسيكي اشترى قبعته المكسيكية من موطنه في مدينة تيخوانا المكسيكية منذ عامين ماضيَين مقابل 47 بيزو (2.5 دولار أميركي تقريباً).
تعلَّم خوسيه هذا الدرس، ودروساً أخرى كثيرة، خلال الفترة التي قضاها بمفرده في روسيا الشهر الجاري (يونيو/حزيران 2018)، كمشجع لفريق المكسيك بكأس العالم. ارتداء قبعة مكسيكية في روسيا له مفعول السحر، إنها تبدو أهم من النقود وجواز السفر.
والأروع أنها قد تجعل من يرتديها يظهر في بثٍّ تلفزيوني دولي؛ بل وتفتح المجال للرومانسية أمام مرتديها دون ترتيبٍ مسبق، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأميركية.
فقد بدأ المغامرة بالمبيت في ملجأ للمشردين
خوسيه لا يزال طالباً جامعياً؛ لذا اضطر إلى تقديم بعض التضحيات من أجل تمويل أول رحلة له خارج أميركا الشمالية.
فقد بدأ مغامرته بمغادرة مدينة تيخوانا، حيثُ يقيم برفقة والده، متجهاً إلى مدينة لوس أنجلوس في الولايات المتحدة الأميركية (دياز وُلِدَ بالولايات المتحدة).
وهناك في لوس أنجلوس قضى الليل بملجأ للمشردين مدة شهر، في حين يعمل بمهنتين لجمع ما يكفيه من الأموال لرحلته إلى روسيا.
وبعد وصوله إلى روسيا، حرص خوسيه على ألا يتناول الطعام كثيراً قدر الإمكان.
إذ كان يحرص على ألا ينفق أكثر من 300 روبل (4.75 دولار أميركي تقريباً) للوجبة الواحدة؛ لذلك كان يعيش في الغالب على الشطائر التي تقدمها سلسلة مطاعم Subway للوجبات السريعة (حتى إنَّ أول جملة تعلَّم قولها باللغة الروسية كانت "أعطني أرخص شطيرة لديك").
كما اعتمد على طعام الأطفال (خوسيه رجل راشد يبلغ من العمر 23 عاماً، لكنَّه برر ذلك بكون طعام الأطفال "رخيصاً ومغذياً").
ومشجعو المكسيك يفعلون أكثر من ذلك من أجل منتخبهم
بقدر ما تبدو خطة خوسيه لحضور كأس العالم غريبة، فإنَّ أمثاله من المشجعين يملأون منصات التشجيع كل 4 أعوام في بطولة كأس العالم، متحملين من أجل ذلك فتراتٍ من الصعوبات يفرضونها على أنفسهم عمداً في سبيل تغذية شغفهم، آخذين قراراتٍ حياتية قد يعتبرها غير المتعصبين لكرة القدم سخيفة للغاية.
من بين الأمثلة على ذلك، أحد المشجعين (من بيرو)، تعمَّد زيادة وزنه بأكثر من 50 رطلاً (22 كيلوغراماً) قبل سفره إلى روسيا؛ لأنَّ التذاكر الوحيدة التي كانت متاحةً أمامه كانت للمشجعين مفرطي البدانة!
ويصدف أنَّ منتخب المكسيك لديه الكثير من أولئك المشجعين المتعصبين.
على سبيل المثال، أوسكار مارتينيز (26 عاماً)، كانت لديه وظيفة في مستودع شحن بمدينة سان دييغو الأميركية، إلى أن طلب من رئيسه إجازةً للسفر إلى روسيا. تعقيباً على ذلك، قال أوسكار: "قالوا لي إن ذهبت إلى روسيا فستفقد وظيفتك، فقلت لهم: لا مشكلة، وداعاً!".
خوسيه مثلا وصل به الأمر للعمل في وظيفتين
أمَّا خوسيه، فكانت بداية رحلته إلى هنا مغامرةً قصيرة في حد ذاتها.
بدأت رحلة خوسيه بأن أخذ إجازةً من كليته وسافر إلى مدينة لوس أنجلوس الأميركية في مطلع شهر مايو/أيار 2018، برفقة أخيه (الذي أراد كسب المال لأغراض أكثر عمليةً من حضور كأس العالم).
واستطاع الأخوان الحصول على سريرين في أحد ملاجئ المشردين وسط المدينة.
بعد ذلك، عمل خوسيه بوظيفتين: إحداهما هي إنزال شحناتٍ من المأكولات البحرية في مستودع من الساعة السادسة صباحاً وحتى الثالثة عصراً، والأخرى هي غسل الأطباق بمطعمٍ للمأكولات اليابانية من الساعة الخامسة مساءً إلى الساعة الحادية عشرة ليلاً.
عمِل خوسيه بهاتين الوظيفتين كل يوم، وكان يتناول طعامه في ملجأ المشردين. وبحلول نهاية الشهر، كان قد جمع مبلغاً من المال يزيد على 2000 دولار أميركي بقليل.
وهذه الثقة الكبيرة هي التي دفعته لتحمُّل المشاق
وعند سؤاله عن سبب تعريض نفسه لكل هذه المصاعب، استغرب خوسيه السؤال للحظة، قبل أن يردَّ بأنَّه يحب كرة القدم، ويعتقد أنَّ المكسيك سوف تفوز بكأس العالم.
ويبدو أنَّ هناك آخرين عديدين مؤمنون بالمنطق ذاته في كرة القدم.
إذ سجلت المكسيك سادس أعلى عدد من التذاكر المبيعة في هذه البطولة، ويبلغ 60 ألفاً و302 تذكرة. ومن المنطقي أن نفترض أنَّ جزءاً كبيراً من التذاكر المبيعة في الولايات المتحدة، والتي يبلغ عددها 88 ألفاً و825 تذكرة، اشتراها مشجعو منتخب المكسيك أيضاً.
في هذا الصدد، قال بابلو كالديرون (31 عاماً)، وهو محامٍ من العاصمة المكسكية مكسيكو سيتي لديه تذاكر للمباريات كافة التي سيشارك فيها منتخب المكسيك: "نصفنا يحب كرة القدم بشدة، والنصف الآخر يريد حضور المناسبة فحسب".
ومع كل ما سبق، فإنه لم يشتر أي تذكرة
لم يكن خوسيه قد اشترى أي تذاكر لحضور مباريات فريقه، لكنَّه وصل إلى العاصمة الروسية موسكو قبل البطولة بعدة أيام؛ لأنَّ تذاكر الطيران إلى روسيا كانت أرخص آنذاك.
بعد ذلك، قضى بضع ليالٍ في بيت للشباب مقابل 10 دولارات أميركية لليلة الواحدة، قبل أن يتواصل مع رجل روسي في ضواحي المدينة، لديه أريكة للإيجار ويرغب في ممارسة لغته الإسبانية مع شخصٍ ما.
في هذا الصدد، قال خوسيه: "أنا محظوظ للغاية!".
ولكنَّ الحظ ابتسم له بشكل آخر
في وقتٍ سابق من الشهر الجاري (يونيو/حزيران 2018)، وقبل وصول حشود المشجعين من جميع أنحاء العالم، كان خوسيه يلفت الأنظار إليه أينما ذهب، بقبعته المكسكية، حتى إنَّه قد اختير عشوائياً لإجراء مقابلات تلفزيونية في الشارع 8 مرات.
وكان السكان المحليون ينتظرون في صفوفٍ لالتقاط الصور معه؛ بل وأعطته عدة نساء أرقام هواتفهن (تعقيباً على ذلك، قال خوسيه مازحاً في إحدى المقابلات التلفزيونية التي أجراها مع قنوات بثٍ دولية: "لكل من لم يصل إلى روسيا بعد، إليكم نصيحة: اجلبوا معكم قبعةً مكسيكية!").
بحلول يوم المباراة الأولى لمنتخب المكسيك، كانت موسكو تضج بالزوار، وكان الناس يتوقفون لتبادل أطراف الحديث مع خوسيه.
وقال رجل يلتفح بعَلم ألمانيا لخوسيه: "قبعةٌ مكسيكية!".
فردَّ عليه خوسيه: "قبعة مكسيكية".
غير أن القبعة المكسيكية لها منافسون
وفي وقتٍ لاحق من ذلك اليوم، طلبت امرأة قيرغيزية (من دولة قرغيزستان، إحدى دول آسيا الوسطى) من خوسيه استعارة قبعته المكسيكية، فأعطاها إياها وجلس في صمت عدة دقائق، إلى أن انتهت مجموعتها المكونة من 6 أشخاص من التناوب على التقاط الصور الشخصية بالقبعة (يبدو أنَّ القبعة المكسيكية يمكن أن تكون عبئاً أيضاً).
لكن في الغالب، لم يعد خوسيه وقبعته المكسيكية يلفتان الانتباه كما كان الحال من قبل؛ إذ بدأت مجموعةٌ من المشجعين السويديين الثمِلين الذين يرتدون قبعاتٍ ذات قرون، تخطف من خوسيه بعض الطلب على التقاط الصور، إلا أنَّ خوسيه كان مركِّزاً أكثر على الدخول إلى الملعب على أي حال.
والحركات البهلوانية فشلت في مساعدته على حضور المباريات
كانت خطة خوسيه تتمثل في تأدية حركاتٍ بهلوانية بكُرة القدم أمام المعالم السياحية الرئيسية في مدينة موسكو؛ لكي يجذب ما يكفي من الانتباه للتسول للحصول على تذكرة.
لكنَّ خطته باءت بالفشل؛ فلم يقدم له أحدٌ تذكرة بسعرٍ يراه معقولاً ولو قليلاً. لكن حين أدى تلك الحركات البهلوانية أمام مسرح البولشوي، قادته الصدفة إلى مقابلة المغني الكولومبي مالوما. كان مالوما يتجول في المنطقة برفقة فريق الأمن الشخصي الضخم الخاص به، وتوقف لتبادل تمرير الكرة مع خوسيه عدة دقائق.
تعليقاً على ذلك، قال خوسيه بنبرةٍ تشي بالانبهار: "هل تعرف كم فتاة تتمنى التحدث مع مالوما؟".
لكنَّ خوسيه لم يتمكن من حضور مباراة المكسيك وألمانيا شخصياً، واضطر إلى مشاهدة هزيمة المكسيك الساحقة لألمانيا في مهرجانٍ للمشجعين بالهواء الطلق.
لم يكن هذا مثالياً لخوسيه بالطبع، لكن بعدها بأيام، بدا أنَّ الحظ قد يحالفه أخيراً؛ إذ تلقَّى رسالةً نصية من زوج قريبة والده يسأله فيها إذا ما كان في روسيا؛ لأنَّه كان سيسافر بسيارته إلى مدينة روستوف نا دونو لحضور المباراة الثانية للمكسيك برفقة أبنائه البالغين الثلاثة، ودعا خوسيه للانضمام إليهم، فوافق خوسيه وتكدَّس الخمسة في سيارةٍ مستأجرة متجهين جنوباً.
ولكن، ها هو يجلس خلف شبكة المرمى مباشرة
وفي يوم السبت 23 يونيو/حزيران 2018، قبل بضع ساعاتٍ من مواجهة المكسيك مع كوريا الجنوبية، راح خوسيه يبحث عن تذكرةٍ خارج ملعب روستوف نا دونو (المعروف بـ"روستوف أرينا") دون أن يحالفه الحظ، إلى أن صادف رجلاً كبيراً في السن يرتدي قميصاً رياضياً أبيض اللون.
وعندما خلع الرجل قبعة البيسبول التي يرتديها ونظارة الشمس، تعرّف عليه خوسيه.. كان ذلك الرجل هو إنريكي ميزا، مدرب سابق لمنتخب المكسيك الوطني اشتُهر بلقب "Ojitos" ("صاحب العيون الضيقة" بالإسبانية)؛ لنظرته الثاقبة، ومدير أعمال فريق نادي بويبلا في الدوري المكسيكي حالياً. باع له إنريكي ميزا تذكرة إضافية كانت معه لمقعد جلوس خلف شِباك المرمى مباشرةً مقابل 100 دولار أميركي.
وبمجرد دخول خوسيه إلى الملعب، ارتدى قبعته المكسيكية، وبدأ يشجع بحماسةٍ شديدة مع 43.472 شخصاً آخرين هم حضور المباراة، جميعهم خاضوا مغامراتهم الصغيرة للوصول إلى هناك.
تعقيباً على ذلك، قال خوسيه: "لا أدري كيف حدث ذلك، لكنَّني حققتُ حلمي كاملاً. قلتُ لك، أنا محظوظ!".
والآن، بعد أن تحقق حلمه فإن العودة للوطن مشكلة
وفي ظهيرة يوم الإثنين 25 يونيو/حزيران 2018، كان خوسيه جالساً في المقعد الخلفي لسيارةٍ متجهة من مدينة روستوف إلى مدينة إيكاترينبورغ، حيثُ لعبت المكسيك مباراتها الأخيرة في دور المجموعات يوم الأربعاء 27 يونيو/حزيران 2018.
وبثقة يخوض الشاب المكسيكي هذه الرحلة التي تستغرق عدة أيام بمسافة 1000 ميل (1600 كيلومتر).
ولكن، ليس لدى خوسيه أي مخططاتٍ بعد ذلك؛ فهو لا يملك حتى تذكرة العودة إلى الوطن.
اقرأ أيضاً