نُصبت المشانق، جُهزت المسدسات، استعدت الكتائب التي ستعلن وفاة "المتخاذل" ليونيل ميسي ليذهب بلا رجعة إلى الجحيم. ذلك الملعون غير القادر على جلب كأس العالم للأرجنتين بينما يفعل العجب العجاب مع برشلونة الإسباني. فليعد إلى كتالونيا ولا يرنا وجهه بعد اليوم في بوينس آيرس!
محاولة بائسة، يقودها الظهير الثقيل متوسط الموهبة ميركادو من الجانب الأيمن ليرسلها عرضية إلى قلب منطقة الجزاء، والساعة تشير إلى مرور 85 دقيقة و47 ثانية وميسي وأغويرو وهيغوايين غائبون عن المنطقة. ليس سوى لاعب واحد في المنطقة قادم من مدينة لا بلاتا، اسمه ماركوس روخو سيسجل الهدف الحاسم ويعيد ميسي من الجحيم.
لكن هل الجحيم حقاً هو العودة إلى كتالونيا واللعب مع برشلونة؟
أم أن الجحيم متواجد في الأرجنتين ذاتها؛ فأخطاء الحارس يتحملها ميسي، وأخطاء الدفاع يتحملها ميسي، وأخطاء متوسطي الميدان يتحملها ميسي والفرص الضائعة يتحملها ميسي.
المعضلة الحقيقية في حالة المنتخب الأرجنتيني هي نسيان أن كرة القدم لعبة جماعية يتكون فيها الفريق من 11 لاعباً وليس من لاعب واحد كما التنس أو سباقات الفورمولا 1. هنالك مدرب يصرخ على الخط الجانبي، ولاعبون يرتكبون أخطاء شنيعة بلا داع وحارس يغرق فريقه بسذاجة وعندما تنتهي المباراة يتساءل الجميع "أين كان ميسي؟".
ورغم أن الإجابة تصرخ معلنة عن نفسها وهي أن ميسي كان مختفياً تحت هذا البناء المهترئ الآيل للسقوط في أي لحظة، فإن الرغبة في إثبات صحة وجهة النظر حتى ولو عن طريق نكران الحقائق تغلب على النفس وتحمل ميسي كل المسؤولية بينما لن يتم الليلة الاحتفاء به مثلما سيحدث مع روخو مسجل الهدف.
المعضلة الثانية في قراءة أو مشاهدة ما يقوم به ميسي، أننا صرنا معتادين على مستوى معين من السحر والخيال، صار هذا هو الطبيعي والحد الأدنى الذي يجب أن يقوم به. وإن قام بشيء أقل من ذلك، فهو أمر مرفوض تماماً دون النظر إلى العوامل الأخرى المتغيرة طوال الوقت.
يجبر ميسي الجميع دائماً على احترامه وتقديره، لا يهم لون القميص الذي تشجعه، فحتى أولئك الذين يقوم بإذلالهم كروياً، أشد منافسيه داخل الملعب الذين يجب عليهم إيقافه، المدافعون، لا يستطيع أحدهم أن ينكر أنه الأعظم.
أحد أعظم المدافعين في التاريخ، القيصر الألماني فرانز بيكنباور، قال أيضاً "إنه عبقري بحق، هذا الفتى يمتلك كل شيء.. لحسن الحظ أنني لم أقابله في مسيرتي".
ما يتكلم عنه بيكنباور شاهدناه في لقطة الهدف الأول الذي سجله ميسي بقدمه اليمنى بعد أن كسر مصيدة التسلل بذكاء كبير ثم حول الكرة إلى شباك نيجيريا، معلناً عن هدفه الأول وعن هروبه من المقصلة.
أن تأتي من تحت الأنقاض.. أن تكون ماركوس روخو!
في الوقت الذي يتصاعد فيه مستوى المدافع الأرجنتينيّ ماركوس روخو ويقترب من الوصول إلى أعلى مستوياته رفقة مانشستر يونايتد تحت إشراف مورينيو، تأتي ليلة 20 أبريل/نيسان 2017 على ملعب "أولد ترافورد" في مباراة ربع نهائي الدوري الأوروبي، تشير ساعة المباراة إلى مرور 23 دقيقة فقط، يسقط ماركوس على الأرض في لقطة عصيبة ويغادر أرض الملعب على النقالة فيما ارتسمت علامات الذعر على وجه جوزيه مورينيو.
صبيحة اليوم التالي، أعلن نادي مانشستر يونايتد إصابة ماركوس روخو بالرباط الصليبي. سيغيب على إثر هذه الإصابة روخو 211 يوماً، مدة طويلة جداً. سيشتري خلالها مانشستر يونايتد قلبي دفاع وسيثبت آشلي يونغ أقدامه في مركز الظهير الأيسر.
حتى مع عودته من الإصابة لم يعتمد عليه البرتغالي كثيراً، لانخفاض مستواه وسيصبح خياراً ثالثاً في مركز قلب الدفاع والظهير الأيسر. ومع اقتراب الصيف وفتح سوق الانتقالات الشتوية أصبح يقيناً أن لا مكان لروخو في مدينة مانشستر بعد هذا الصيف.
مع انتهاء الدوريات الأوروبية واقتراب الملحمة الكبرى، كأس العالم، أعلن سامباولي قائمته المتوجهة إلى روسيا؛ روخو متواجد. لكن الكل يعتقد أنه لن يكون أساسياً في تشكيلة المتخبط خورخي سامباولي.
سامباولي الذي لم يستقر على تشكيلته الأساسية رغم مرور أشهر عديدة من توليه قيادة فريق الأزرق والأبيض أشرك روخو أساسياً في المباراة الافتتاحية أمام آيسلندا، ثم قرر تغيير الخطة بالكامل أمام كرواتيا فأخرجه من التشكيلة وخرجت الأرجنتين بفضيحة من المباراة، ثم أعاده في مباراة نيجيريا الحاسمة.
هنا يتوقف الدور البشري، ينزوي في ركن بعيد ويتدخل القدر، لأسباب مجهولة لبني الإنس؛ سيرجيو أغويرو المهاجم ليس موجوداً في الكادر بالكامل رغم أن اللقطة في منطقة الجزاء ولحسن حظ الأرجنتين هيغوايين غائب عن المشهد لتنشق الأرض عن ماركوس روخو، الذي سيسدد كرة تقتل الحلم النيجيري وتعبر بميسي والأرجنتين إلى دور الـ16.
لتعطينا كرة القدم لحظة من اليوفوريا الخالصة، الهستيريا الكاملة، لحظة يتدفق فيها الأدرينالين في العروق بغير حسبان.
لحظة تؤكد بها كرة القدم قانونها الأعظم؛ "أنها لعبة لاعقلانية".
فنياً؛ لا يوجد الكثير لنتحدث عنه، سذاجة إفريقية معتادة، أعرفها منذ أول عهدي بكرة القدم، أداء كبير ثم في لحظة ينهار كل شيء. السنغال 2002، غانا 2010، ساحل العاج 2014، والآن نيجيريا 2018. لا جديد، أداء عظيم من كافة اللاعبين ثم في اللحظات الحاسمة يتحولون إلى مجموعة من الهواة الذين يمارسون كرة القدم لأول مرة.
أما الأرجنتين فحاول سامباولي تلافي الأخطاء التي وقع بها في المباراة الثانية معيداً التمركز بـ4-4-2 مع دخول إيفر بانيغا إلى التشكيلة الرئيسية للفريق مما ساهم في معضلة بناء اللعب في وسط الميدان وأراح ميسي في الكثير من الأوقات. لكن سوء مستوى دي ماريا وبطء هيغوايين عطلا الهجمات الأرجنتينية ولم يمنحا الفريق السرعة المطلوبة في الهجوم وإن بدا الفريق أكثر توازناً على المستوى الدفاعي عن المباراة السابقة.
الجزء الرقمي والإحصائي
توفر الإحصاءات القادمة من موقع Who Scored صورة عامة وأخرى مفصلة عن المباراة نقدمها لكم في هذا الجزء. حيث تشير الصورة (1) إلى أن المباراة كانت متقاربة بشكل كبير في جُل جوانبها؛ دفاعياً وهجومياً. من حيث التسديدات، الفرص، التدخلال، المراوغات والثنائيات الهوائية. كل شيء كان متقارباً ما عدا التركيز في اللحظات الحاسمة التي فقد فيها المنتخب النيجيريّ تركيزه واعطى بطاقة التأهل إلى رفقاء ميسي.
صورة(1)
صورة (2) تقدم إحصائيات لاعبي نيجيريا الذين قدموا مباراة كبيرة خاصة في الشوط الثاني من اللقاء الحاسم.
صورة(2)
صورة(3) تقدم صورة تفصيلية أيضاً للاعبي الأرجنتين الذين حالفهم الحظ في خطف بطاقة التأهل إلى دور الـ16.
صورة(3)
وبهذه النتيجة تلتقي الأرجنتين وفرنسا في نهائي مبكر للبطولة في دور الـ16، بينما تعلق باقي الآمال الإفريقية بأقدام لاعبي السنغال، رفاق ساديو ماني.