"علي رضا بيرانوند" يبدو الاسم إيرانياً خالصاً، وهو كذلك بالفعل. فالاسم يعود لشاب الإيراني قادم من قرية سراب ياس في قلب مقاطعة خورام آباد التابعة لمحافظة لورستان.
علي رضا هو ابن لعائلة بدويّة، سيفر منها فيما بعد إلى العاصمة طهران ليعمل في أحد مصانع الملابس، ثم في مركز لغسيل السيارات، قبل أن يعمل كعامل نظافة بشوارع العاصمة. كل هذه المعاناة في تلك السن المبكرة، مرّ بها الفتى من أجل حلم يسكن أعماق قلبه.
ما يجعلنا نكتب الآن عن عليّ ليست وسامته البالغة أو كونه فاتناً مثل باقي سكان قريته، ولا أنه أحد قائدي الميليشيات الإيرانية في سوريا. بل نكتب عنه بسبب "الأمل" الذي قد يقود الإنسان أحياناً كثيرة إلى الجنون، لكنه قادر على صنع المعجزات أيضاً.
الجميل في قصة الفتى القرويّ هي أنها تشبه قصصنا اليومية، قصة تشبه حياة الكثير من قارئيها، قصة لم تصنع في هوليوود بل صنعت وبدأت في ضواحي طهران، لتبرز في روسيا التي تتجه إليها أنظار العالم أجمع هذه الأيام.
عائلة بيرانوند؛ عائلة تعيش على الرعي، تتنقل بين الأرياف والمراعي للعثور على العشب كي تطعم خرافها، وبسبب ذلك توجب على عليّ الابن الأكبر أن يعمل بالرعي وأن يساعد أسرته في حمل جزء من تلك المشقة. لكن كباقي الأطفال، كان كلّما وجد وقت فراغ، لعب لعبة الأطفال الأولى في القرية، والتي تسمى "دال باران"، تقوم هذه اللعبة على رمي الحجارة لمسافات طويلة، والفائز هو من يرميها إلى أبعد نقطة. هذه اللعبة ستساعده فيما بعد!
في سن الـ 12 عاماً، سيتدرب الطفل الصغير مع نادٍ محلي، معدوم الإمكانيات تقريباً، لكنه كان بمثابة "النعيم" بالنسبة إليه. كان المكان الذي يهرب إليه كلما أرهقه الرعي، كان المكان الذي ينسى فيه حقيقة كونه راعياً للغنم، لقد كان ذلك المركز الرياضي الصغير هو المكان الذي انطلق منه الحلم الذي سيصل به إلى روسيا فيما بعد.
بدأ عليّ مسيرته في مركز المهاجم، لكن كلما غاب حارس المرمى أو تعرض لإصابة كان يقوم هو بتعويضه. أعجب صاحب الطفل الصغير بفكرة كونه حارس مرمى وتخلى عن مركز المهاجم الذي كان يتنافس عليه أغلب أطفال المركز. ومباراة بعد مباراة، اكتشف عليٌّ نفسه في مركز حراسة المرمى، وفي نهاية عامه الأول في الفريق كان قد قرّر أن يصبح حارس مرمى.
لكن لأن الرياح لا تسير دائماً بما تشتهي السفن، كان والده يعارض كل ذلك بشدة ويمنعه من الذهاب إلى التدريبات والمباريات، لقد كان يخشى عليه من كرة القدم. فوالده، كسائر الآباء القادمين من ريف إيران، يظنّ أن كرة القدم مضيعة للوقت وأنها ليست مهنة يعتمد عليها لكسب الرزق، وكانت كل أحلام الوالد هي أن يصبح ابنه عاملاً بسيطاً في طهران وأن لا يرث مهنة الرعي.
وفي حوارٍ مع صحيفة The Guardian البريطانية، قال رضا "كان والدي يكره كرة القدم بشدة، كان يريد مني أن أصبح عاملاً، لدرجة أنه قام بتمزيق ثيابي الرياضية وقفازاتي في العديد من المرات".
وتحت هذا الضغط الشديد والسلوك العنيف من الأب، طار علي إلى مدينة الأحلام، إلى طهران.
في أرض الأحلام.. رفقة البيتزا والسيارات!
اقترض "الابن العاق" لعائلة بيرانوند المال وسافر، ولأن الحظ كثيراً ما يلعب لعبته، فلقد قابل في الحافلة مدرباً لفريق محلي، أخبره بأنه سيسمح له بالتدرب مع فريقه مقابل 30 ريالاً، لكن عليّ لم يكن يملك لا المال لذلك ولا يعرف مكاناً يقضي فيه ساعات الليل.
عن هذه الليالي الصعبة، قال علي إنه كان ينام على الأرض ويلتحف السماء أمام بوابة النادي، وعندما يستيقظ في الصباح كان يرى حوله الكثير من الأموال التي تركها الناس إلى جواره اعتقاداً منهم بأنه متسول، يضحك علي، ثم يكمل؛ بسبب هذه الأموال استطعت تناول أول وجبة لذيذة في حياتي!
بعد توسلات ورجاءات متعددة وافق المدرب على منحه تجربة مجانية في النادي وطلب من قادة الفريق دعم الفتى الصغير بكل السبل الممكنة. فوفر له أحد زملائه في الفريق عملاً في مصنع ملابس يملكه والده وسُمح له بالنوم هناك. لكن بعد مدة ولصعوبة التوفيق بين هذا العمل والتدريب سيترك عليّ العمل، ويبدأ وظيفته الثانية التي كانت غسل السيارات، وبسبب طوله الفارع، أصبح متخصصاً بتنظيف السيارات التي لها حجم كبير.
وفي أحد الأيام، واجه عليٌّ موقفاً صعباً للغاية، أسطورة كرة القدم الإيرانية والعالمية علي دائي في مركز غسيل السيارات، على بعد أمتار معدودة من ناظريه، يطلب تنظيف سيارته. بدا التوتر واضحاً على وجه الشاب والعرق يتصبب من جبينه.
زملاؤه في العمل نصحوه بأن يطلب المساعدة من مهاجم بايرن ميونخ السابق، في بدء مشواره بأحد الأندية لتطوير مسيرته. لكن وبغرابة شديدة لم يأخذ عليٌّ بالنصيحة، وغسل السيارة والصمت مسيطر على الأجواء.
يقول حامي عرين إيران في روسيا، "كنت متأكداً من أن علي دائي سيساعدني لو أني طلبت منه ذلك، لكني كنت محرَجاً من إخباره بوضعي الحالي وقتها".
بعد ذلك، استطاع ترتيب مقابلة مع مدرب نادي نفط طهران الذي تعاطف معه، وقرر إعطاءه فرصة حقيقية وانتقل بالفعل للعب هناك، وسمح له النادي في البداية بالنوم في غرفة الصلاة، لكنهم حظروا عليه ذلك فيما بعد.
ذهب بعدها للعمل في أحد مطاعم البيتزا والمعجنات، لا لشيء، فقط ليجد مكاناً ينام فيه ليلاً، هنالك تعرض بيرانوند لموقف محرج للغاية. مدربه في نفط طهران جاء لتناول البيتزا، ولم يكن يعلم المدرب بأن لاعبه يعمل في خبز البيتزا. بعزة نفس كبيرة رفض الفتى أن يراه مدربه، لكنَّ مالك المتجر أمره بأن يخدمه بنفسه. على الفوز، قرر عليّ الاستقالة وترك العمل.
واجه أقسى أيام حياته بعد ذلك، لم يجد عملاً يوفر له مكاناً للنوم. في النهاية اضطر إلى الموافقة على العمل بتنظيف الشوارع، أحياناً كان عليه تنظيف حديقة كاملة، كان من الصعب عليه أن يكون لائقاً للمباريات بعد كل ذلك المجهود الذي يبذله.
بعد فترة، تم طرده من نادي نفط طهران؛ انتقل إلى نادٍ صغير يدعى "حوما"، المدرب هناك كان متردداً في منحه عقداً لتذبذب مستواه. حينها بدأ عليّ بإدراك صعوبة الموقف وشعر للمرة الأولى بأن حلمه يموت وهو غير قادر على فعل الكثير.
عندما تحبك السماء.. إلى المجد!
بدا مسؤولو نادي حوما مقتنعين بإمكانيات الشاب البالغ من العمر 20 عاماً، فبدأوا في التفاوض معه من أجل إعطائه عقد. لكن قبل توقيع العقود أعطاه القدر فرصة حقيقية؛ مدرب فريق نفط طهران الذي طرده من قبل، قام بالاتصال به وإخباره بأن الباب مفتوح له للعودة ما لم يكن قد وقَّع لفريق آخر.
على الفور، بدأ نجم علي بالسطوع في عالم الكرة الإيرانية، وأصبح حارس نفط طهران الأول، واختير لتمثيل منتخب إيران تحت 23 عاماً. ونظراً لتقديمه مستويات عالية، انضم في العام 2015 إلى قائمة المنتخب الأول. وبعد منافسة كبيرة وعناء شديدين، أصبح حارس المنتخب الأول.
سيحقق علي رضا بعد ذلك رقماً قياسياً بالحفاظ على شباكه نظيفة في 12 مباراة في التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم 2018، وهو رقم قياسي عالمي.
وفي هذه اللحظات بينما أضع الرتوش الأخيرة على هذه الكلمات خرج علي رضا بيرانوند من كأس العالم، لكنه خروج الأبطال، خروج من الباب الكبير. خروج سيحفر اسمه في ذاكرة عشاق ومحبي الكرة حول العالم، الذين سيقولون لأبنائهم يوماً ما أن "عليًّا قد مر من هنا". علي الذي تصدى لركلة جزاء نفذها البرتغالي كرستيانو رونالدو، وحرم البرتغال من صدارة المجموعة الثانية!
وإن كان لا بد من ختام لهذه القصة، فكلمات علي رضا نفسه هي الأكثر تعبيراً وصدقاً؛ إذ يقول "تعرضت للعديد من المواقف واللحظات والأيام العصيبة في حياتي، تلك المواقف التي تباعد بين المرء وحلمه، لكنني لا أريد نسيان تلك اللحظات، فهي التي جعلتني الشخص الذي أنا عليه الآن".