لفتت احتفالية اللاعبين السويسريين غرانيت تشاكا وتشيردان شاكيري بهدفيهما في مرمى صربيا أنظار العالم.
فبعدما تأخرت سويسرا بهدف صربي مبكر، قادها تشاكا وشاكيري لقلب النتيجة وتحقيق أول انتصاراتها في كأس العالم 2018، لتنعش آمالها في بلوغ الدور الثاني من البطولة.
وبعد تسجيلهما للهدفين الثمنين، احتفل اللاعبان بتشبيك أيديهما، وتحريكهما بطريقة تشبه طيران طائرٍ ما.
في الحقيقة كانت هذه الاحتفالية مقصودة، وكان من ورائها هدفٌ سياسي؛ إذ ينحدر تشاكا وشاكيري من أصول ألبانية – كوسوفية، وينتميان إلى عائلتين مهاجرتين عانتا طويلاً من قمع الصرب في يوغوسلافيا السابقة.
حركة يديهما جاءت كنايةً عن الصقر الذي يزيّن علم ألبانيا، والتي ينتمي معظم سكّان كوسوفا إليها. ما دفع رئيس كوسوفو هاشم تاتشاي لتهنئة النجمين ذوي الأصول الكوسوفية، بالانتصار ذو البعد السياسي.
Congratulations to goalscorers Xhaka, Shaqiri and entire #Switzerland on a well deserved win! Proud of you ?? #Kosova ju don!
— Hashim Thaçi (@HashimThaciRKS) June 22, 2018
ولم تستقل كوسوفو التي ترجع أصول 92% من مواطنيها إلى ألبانيا، عن صربيا إلا قبل 10 أعوام، إذ خاضت حرب استقلال دامية ضد يوغوسلافيا بدأت في العام 1990 وانتهت في العام 2000 بحصولها على الحكم الذاتي، قبل أن يقرر مواطنوها الانفصال كلياً عن صربياً في العام 2008.
ماضٍ أليم لعائلة تشاكا
تشكلت شخصية لاعب آرسنال الإنكليزي غرانيت تشاكا بفعل قصة وحشية أشعلت نيران الغضب بداخله، ومن العجيب أن يتمكن هذا اللاعب الشاب من روايتها لأنه لا يمكن الحديث عنها بسهولة. فعلى غرار والده رجب الذي أمضى 3 سنوات ونصف كسجين سياسي في يوغوسلافيا السابقة، لا يعد تشاكا من نوعية الرجال الذين يهربون أو يخافون من التحديات والمشاكل التي تواجههم.
يقول تشاكا (25 عاماً)، إنه "على حد علمي، كانت الأشهر الأولى التي قضاها والدي في السجن على ما يرام، ثم بدأ يتعرض للضرب بعد ذلك".
كانت "جريمة" والد تشاكا هي المشاركة في مظاهرات ضد الحكومة المركزية الشيوعية في بلغراد عاصمة صربيا في العام 1986، عندما كان طالبا يبلغ من العمر 22 عاماً ويدرس في جامعة بريشتينا في كوسوفو، التي كانت آنذاك مقاطعة ذاتية الحكم في يوغوسلافيا (صربيا القديمة).
ألقي القبض عليه وصدر حكم بسجنه لمدة 3 سنوات. سُجن والد تشاكا في زنزانة واحدة مع 4 رجال آخرين، ولم يكن يسمح له بالخروج من الزنزانة إلا مرة واحدة في اليوم لمدة 10 دقائق.
يقول اللاعب السويسري، "لأنني نجله، فقد لمست هذه القصة أعماق قلبي بكل قوة. ولكي أصف والدي بشكل صحيح، يجب عليك أن تقدر العمق الكامل لما حدث له، لأنها قصة مأساوية للغاية. أحيانا أسأله: أخبرني بما حدث لك مرة أخرى. لكني ما زلت أعتقد أنه لم يكشف عن تفاصيل كل ما حدث له. كانت هناك دائماً لحظات من الصمت أشعر خلالها بأنه أسقط شيئاً ما لم يرغب في الحديث عنه ولم يقل الحقيقة. ربما مر بالعديد من الأشياء وكان يرغب في ألا يشعر أطفاله بكل هذا الحزن".
ويضاف، "كان فخوراً بانتمائه لكوسوفا، وكان يعتقد أن لهم الحق في الوجود. كان يدافع عن حقوقهم، والتي كانت حقوقاً ديمقراطية في الأساس، مثل القدرة على التصويت في الانتخابات. لم يكن وحده من اعتقل، بل تم اعتقال أشخاص آخرين، من بينهم عمه، الذي كان قد سجن قبل ذلك بعدة سنوات وحكم عليه بالسجن لمدة 15 عاماً. لقد كانت أحكاماً سياسيةً تماماً، وكان والدي يسأل: لماذا لا نطبق الديمقراطية هنا؟ نحن نستحق أن نكون ديمقراطيين. نحن نستحق أن تُسمع أصواتنا".
ولفهم تشاكا، لا بد من فهم عائلته أولاً، وكيف عانى أفرادها، وكيف تعاونوا معاً وعملوا بلا كلل من أجل التغلب على المشكلات التي تواجههم.
يلتزم تشاكا بعدد من المبادئ؛ أهمها الولاء والاحترام، فعندما يلتزم بشيء ما تجاه شخص ما، فإنه لا يدخر جهدا للقيام بكل ما التزم به، تماما مثل والده ووالدته، إيلي.
يقول اللاعب ذو الأصول الكوسوفية، "من بين التفاصيل التي لها دلالة كبيرة هي أن والدي ووالدتي كانا قد قضيا سويا 3 أشهر فقط قبل اعتقال والدي. أنا أكن كل الاحترام والتقدير لوالدتي، لأنني لم أسمع قط عن امرأة قضت مع رجل 3 أشهر فقط – وهي في سن صغيرة – ثم تنتظره لمدة 3 سنوات ونصف. والدتي شخصية رائعة حقاً".
ويضيف، "من بين الأشياء الغريبة أننا لا نعرف لماذا أفرج عن والدي قبل انتهاء مدة الحكم عليه، لكنه خرج من السجن في نفس الوقت الذي خرج فيه عمه. لم يكن أي من أفراد الأسرة يعرف أنهما سيخرجان من السجن حتى وصلا إلى باب المنزل. أشعر بأنهما قد اتفقا على أن يلتزما بقواعد السجن ولا يتحدثا إطلاقاً ولا يتسببا في أي مشكلات. وأعتقد أن هذا هو السبب في أنهما قد خرجا من السجن قبل انتهاء المدة المقررة، لكني لست متأكدا من ذلك".
أدرك والدا اللاعب الشاب أنهما بحاجة إلى بداية جديدة في حياتهما، فهاجرا إلى سويسرا في العام 1990 وأنجبا طفلهما الأول، تولانت، في بازل في العام 1991. ثم غرانيت بعد 18 شهراً. ويلعب تولانت الآن في خط وسط بازل السويسري، ويعد أحد أبرز لاعبي الفريق.
وقال غرانيت لاعب آرسنال الإنكليزي، "أظهر والدي قوة لا تصدق، وقد اكتسبنا أنا وتولانت قوة ذهنية كبيرة منه. إنه بمثابة نموذج ومثل أعلى نحتذي به، فهو الذي علمنا أن نكون أقوياء من أجل تحقيق أهدافنا. لذلك نشأنا أقوياء للغاية. وهذا هو السبب الذي يجعلنا نتحلى بهذه القوة الذهنية الكبيرة داخل الملعب، وهي التي تمكننا من التغلب على التحديات التي تواجهنا".
يدين تشاكا بكل شيء لسويسرا لأنها هي التي منحته العديد من الفرص واحتراف كرة القدم، لكنه لا يستطيع أن ينسى جذوره الألبانية – الكوسوفية التي لا تزال موجودة بداخله حتى وهو يعيش في العاصمة البريطانية لندن وفِي مونديال روسيا.
زميله شيردان شاكيري احتفل بتسجيل هدفه الثاني أيضاً بنفس الطريقة، بل أيضاً ظهر وهو يرتدي حذاء عليه علم سويسرا وآخر ألبانيا، نظرا للأهمية السياسية للمباراة.