تعتبر بطولة كأس العالم لكرة القدم أكثر الأحداث الرياضية مشاهدةً في العالم، ويمكن مقارنتها بالأولمبياد من حيث عدد المشاهدين العالميين. ومع ذلك، ومع انطلاق البطولة في روسيا، وصفت بطولة كأس العالم هذا العام بأنها محدودة إلى حد ما من وجهة نظر التسويق والإعلان والدعاية التجارية.
في العموم فإن إعلانات كأس العالم لها 3 مستويات، الأول هو "شركاء الفيفا"، والثاني هو "رعاة كأس العالم"، أما المستوى الثالث والأخي فهو "الداعمين الإقليميين".
وعلى الرغم من أن العلامات التجارية الكبرى مثل Nike و Adidas وVisa قد أخذت جميع إعلانات كأس العالم، وأطلقت حملاتها بالفعل، وشغلت المستويين الرئيسيين (شركاء الفيفا، ورعاة كأس العالم) بالكامل، فإن المستوى الثالث -الأقل أهمية- من الرعاية والذي يسمى (الشراكات الإقليمية) لا يزال به فراغات لم يتم ملئها بالرعاة.
وفي منتصف يونيو/حزيران فقط، قام FIFA بتأمين أول راعٍ من الدرجة الثالثة في إفريقيا.
مصر الراعي الأول من الدرجة الثالثة في إفريقيا
قالت الفيفا إن حملة "مصر- تجربة واستثمار" الإعلانية، ستملأ أول أربعة من الشركات الإفريقية في برنامج لصفقات تجارية من الدرجة الثالثة. ولم يتم الكشف عن قيمة الصفقة.
This is our story, our welcome, our invite. #ThisisEgypt
Posted by Experience Egypt on Monday, June 18, 2018
كما أنها أول اتفاقية رعاية لكأس العالم FIFA خلال السنوات الخمس الماضية من خارج الصين وقطر وروسيا.
وتهدف مصر إلى "عرض مجموعة واسعة من الخبرات السياحية والإمكانات الاستثمارية، التي يمكن لهذا البلد أن يقدمها"، يقول FIFA.
لكن هذا لا يفيد الفيفا كثيراً
إجمالاً، تم بيع 20 فقط من أصل 34 موقعاً تجارياً في كأس العالم. مما لا شك فيه أن هذا سيكلف الفيفا مئات الملايين من الدولارات من العائدات المفقودة، وهو ما يعد أخباراً سيئة للرئيس جياني إنفانتينو، الذي وعد الدول الأعضاء بأن العائدات ستزيد خلال فترة ولايته.
إذن لماذا لم تشهد كأس العالم هذه نجاحاً تجارياً مماثلاً للسنوات الماضية، مثل حملة جوغا بونيتو وجان كلينج الشهيرة، في بطولة كأس العالم ألمانيا 2006؟
السبب بسيط: نقل العلامة التجارية. تفترض هذه النظرية التسويقية أن معرفة أو شعور المستهلك حول العلامة التجارية -سواء كان مكاناً أو شخصاً أو منتجاً- سينتقل إلى العلامة التجارية التي ترتبط بها في حملة إعلانية أو تسويقية، حسب حسب أندرو هوجز المحاضر والباحث .المختص في الجامعة الوطنية الإسترالية
في هذه الحالة، فإن العلاقة مع "العلامات التجارية" الملوثة مثل روسيا والفيفا ستجعل بعض الشركات الغربية حذرة من الارتباط بها قبل نهائيات كأس العالم، لكن الشركات الأخرى من آسيا مثلاً لن تجد نفس المشكلة.
فلم تثبت وجود مشكلة للعلامات التجارية من أجزاء أخرى من العالم، مثل الشركات الصينية Wanda Group ،Hisense ،Vivo ،Mengniu Dairy، وأيضاً الخطوط الجوية القطرية، وجازبروم الروسية، اللذان تدخَّلا بسرور لملء الفراغ الناتج عن غياب الشركات الغربية.
أفضل إعلانات كأس العالم من 2002 – 2018
العلامة التجارية روسيا
روسيا ليست شيئاً مجهولاً. وتعرف العلامات التجارية مشكلات الصورة الذهنية التجارية المرتبطة بأي صلة بروسيا، فأحداث مثل تدخل موسكو في الانتخابات الأجنبية والحرب السورية والقرم الأوكرانية، وحتى نظام المنشطات الذي ترعاه الدولة، والذي أدان الرياضيين الروس وجعلهم ممنوعين من الألعاب الأولمبية لعامي 2016 و2018.
ما هو موقف العلامات التجارية من القضايا العامة؟ هكذا يسأل الجمهور الأسترالي والأميركي
ما قد يهم بعض الشركات هو كيف يمكن لهذه الصور التأثير على علاماتها التجارية على المستوى المحلي.
ففي الأسواق مثل أستراليا والولايات المتحدة، يرغب المستهلكون بشكل متزايد في أن تكون العلامات التجارية "أصلية"، وأن تتخذ موقفاً بشأن القضايا، وليس مجرد الهوس بالأرباح.
لكن مع روسيا، قد تكون هناك استراتيجية معينة لتجنُّب الربط معها.
لا تبرز البلاد ولا اسمها بشكل بارز في الحملات الإعلانية من قبل العلامات التجارية الغربية الكبرى لكأس العالم لهذا العام. بالطبع، قد يكون هذا بسبب أن روسيا ليست في قائمة الأماكن التي يأخذ فيها الناس سليفي لشبكات التواصل الاجتماعي، وفي الواقع، لا تزال البرازيل تظهر بشكل بارز في الإعلانات منذ 2014، لأنها لا تحمل نفس الصورة الذهنية التي ترتبط بروسيا.
والروس أيضاً ليسوا متعاونين!
ومع ذلك، حتى عندما تجنبت علامة تجارية مثل خطوط الطيران الألمانية Lufthansa كل ذلك، وقامت بإبراز روسيا في إعلانها عن كأس العالم، واجهت مشكلات بسبب صعوبات في الحصول على إذن للتصوير هناك!
وزادت ردود الأفعال الغاضبة على الإعلانات
على الرغم من أن الشركات تبحث بشكل متزايد عن طرق للتعامل مع المستهلكين، إلا أنها صارت تتعامل بحذر مع الكيفية التي يمكن أن تكون بها ردة فعل عنيفة في هذه الأيام، مثل تلك التي مرَّت بها بيبسي بعد إعلان كيندال جينر الشهير.
وقامت عارضة الأزياء في إحدى لقطات الإعلان بإهداء أحد رجال الشرطة علبة بيبسي حتى يهدأ ويتوقف عن العنف تجاه المحتجين في إحدى المظاهرات. وجاءت تعليقات غاضبة من الإعلان تعتبره إهانة لأصحاب البشرة السمراء، وقبولاً لسلوك الشرطيين العنيف ضدهم بدلاً من انتقاد سلوكهم العنصري غير المهني والمليء بالتمييز.
وقد يكون هذا هو السبب في قرار VISA إعادة تسجيل بعض إعلاناتها في كأس العالم لإزالة تعليقات صوتية من قبل مورغان فريمان، الذي اتهمته مؤخراً العديد من النساء بتصرفات غير ملائمة.
لكن روسيا نفسها جاذبة للشركات
ورغم كل ذلك لا تزال روسيا نفسها الآن واحدة من أكثر الأسواق جاذبية للعديد من الشركات، وذلك بفضل الطبقة المتوسطة المتنامية التي تحظى باهتمام العلامات التجارية الغربية. لذا، فإن الشركات الغربية التي تتجنب "العلامة التجارية" في روسيا، أو تقيم علاقة مع الدولة على أساس الصور النمطية القديمة، يمكن أن تقوم بها محلياً على نطاق واسع عندما تحاول التواصل مع المستهلكين الروس، وليس مع مستهلكيها الغربيين.
هذا عن روسيا، فما مشكلة العلامة التجارية FIFA؟
ربما تكون القضية الأكبر بالنسبة للعلامات التجارية هي FIFA نفسها. إن صورة هيئة إدارة كرة القدم العالمية تحتاج إلى إصلاح أكثر من أي شركة أخرى، خاصة مع الفضائح الأخيرة التي ما زالت حاضرة في أذهان الكثيرين.
أصبحت صورة FIFA قاتمة، وفي الواقع، قررت العديد من العلامات التجارية الكبرى عدم تجديد عقودها في 2014-2015: بينها Sony، الخطوط الإماراتية، Continental, Johnson & Johnson and Castrol
ولكن عندما يرى البعض التحديات مع FIFA، يرى آخرون الفرص. ومع انخفاض الأسعار إلى حد كبير، وقعت بعض الشركات الصينية غير المرتقبة على رعاية كأس العالم لهذا العام مثل Hisense
بالنسبة لهذه الشركات، فإن علامة الفيفا ليست ملوثة في كل مكان كما هي في الغرب، ومع إغراء كأس العالم في الصين في المستقبل، هناك المزيد من الصعود للدخول مع الاتحاد الدولي لكرة القدم من أي اتحادات سلبية.
ومستقبل إعلانات الشركات يرتبط بمكان البطولات القادمة
لذا، فهل ستظل العلامات التجارية الغربية الكبرى مع كأس العالم على المدى الطويل؟ إذا تم منح كأس العالم لعام 2026 لأميركا الشمالية، فقد يؤدي ذلك إلى عودة العديد من العلامات التجارية الغربية إلى الدورة، وهم على استعداد لدفع علاوة مقابل أي صفقة.
وفي حين أنه من غير المحتمل أن تكون بطولة كأس العالم المقبلة في أستراليا، فربما يكون استضافة أحدها في الصين كافياً لإغراء العلامات التجارية المحلية، من أجل دفع الأموال في صفقات شراكة إقليمية.
هل تربح الدول المستضيفة لكأس العالم حقاً؟
في شهر أبريل/نيسان، زعمت روسيا -البلد المضيف لكأس العالم هذا العام- أن البطولة ستولد ما يقرب من 31 مليار دولار من إجمالي الناتج المحلي خلال السنوات العشر القادمة.
وأرجع الفضل في السياحة والاستثمار في البنية التحتية والآثار المترتبة على تلك الاستثمارات باعتبارها مصادر نموها المتوقع، لكن الخبراء الاقتصاديين شككوا بشدة في هذه المزاعم، واعتبروها دعاية محلية توجهها حكومة بوتين للشعب الروسي.
ولم تكن هذه المزاعم في روسيا مفاجئة على الإطلاق، ففي فترة الاستعداد لكأس العالم، غالباً ما تتباهى الدول المضيفة بالمكافآت -السياسية والمالية على السواء- التي تأتي مع تنظيم البطولة.
في حالة موسكو، يعد هذا الوعد بالثروات أمراً أساسياً في تبرير صرف ما يقارب 13.2 مليار دولار حصلت عليه الحكومة، من أجل بناء الملاعب الضرورية في 11 مدينة، والنقل، والبنى التحتية الأخرى اللازمة للبطولة، وقرابة 27 فندقاً في المدن المستضيفة للبطولة، كما ذكرت صحيفة موسكو تايمز.
لكن هذه الوعود لا يتم الوفاء بها دائماً. ورداً على تنبؤات الحكومة الروسية، أصدرت وكالة موديز لخدمات المستثمرين تقريراً أعربت فيه عن شكوكها حول الفوائد المالية المفترضة.
وذكر التقرير أن "روسيا ستشهد فقط منفعة اقتصادية قصيرة الأجل، من استضافة بطولة كأس العالم 2018 FIFA".
ويمكن لتدفق السياح والإنفاق أن يعود بعوائد اقتصادية كبيرة على روسيا رغم ذلك، إذ وتوقعت دراسة للفيفا أن تعزز البطولة نمو الاقتصاد الروسي بنحو 3 مليارات دولار سنوياً، على مدى 5 سنوات مقبلة، وتبدو هذه الأرقام أقل من نصف ما توقعته الحكومة الروسية.
وسبق لجنوب إفريقيا التي استضافت كأس العالم قبل ثماني سنوات، أن حققت نحو 5 مليارات دولار ونصف مليون سائح أجنبي من البطولة العالمية، لكن روسيا التي أنفقت ثلاثة أضعاف ما أنفقته جنوب إفريقيا تنتظر وتتوقع المزيد.