حتى عند اتباع معاييره الخاصة، سيبدو الأمر خارقاً للطبيعة؛ بل مستحيلاً أيضاً بالنسبة لكثير من محترفي هذه كرة القدم. فقد كانت الركلة الحرة التي سددها البرتغالي كريستيانو رونالدو بمثابة تتويج لمجهوداته الجبارة خلال المباراة التي خاضها مع منتخب بلاده أمام منتخب إسبانيا، كما أنها أعلنت عن أول "هاتريك" في كأس العالم.
كان هدفاً خارقاً، إذ سدد رونالدو الكرة بقوة هائلة – وهذا ليس بالأمر الغريب على اللاعب – لتتجاوز الحائط البشري، ثم تنحرف في اللحظة الأخيرة وتتسلل من تحت العارضة بما لا يعطي أي فرصة لحارس المرمى الإسباني ديفيد دي خيا، سوى لأخذ لقطات تذكارية معها قبل دخولها الشباك.
يقول لاعب كرة القدم الإنكليزي السابق تيري فينابلز في مقالٍ نشرته صحيفة The Guardian البريطانية، إن رونالدو لم يسجل الكثير من الركلات الحرة في آخر 3 مواسم، لكنه فكرة التنفيذ وطريقة الأداء والقدرة على خلق التوافق بين الفكرة والتنفيذ في تلك الركلة كان مثيرة جداً للانتباه والدهشة.
أما ميزة رونالدو الكبرى بحسب فينابلز، فهي قدرته وتمكُّنه من تسجيل كل هذه الأهداف وهو تحت الضغط الشديد، فقد فعل ذلك طيلة السنوات الماضية، ما لا يدع مجالاً للشك في أن يكون "الهاتريك" مجرد ضربة حظ؛ لأنه يعرف تماماً كيف يتحكم في الكرة.
طيلة عقد ونصف العقد، شاهدت كيف كان رونالدو ينفذ ركلات حرة رائعة، لكنني لا أتذكر أن أياً منها كان بكل تلك الحرفية المذهلة، التي تجمع بين القوة والدوران والسرعة.
لقد تجسد الكمال الكروي في تلك الركلة في نهاية المباراة التي لُعبت الجمعة 15 يونيو/حزيران 2018، الأمر الذي جعلني أتوق إلى مشاهدة المزيد. هذا هو رونالدو مُلهم البرتغاليين وقائدهم نحو موسكو وربما النهائي. ولكن من دون شك، هو يرى في ذلك أيضاً فرصة لإثبات نفسه كأفضل لاعب على مر العصور. ولا يقف أمام تحقيق هذا الهدف سوى منافس وحيد واقعي، ألا وهو الأرجنتيني ليونيل ميسي.
لكنَّ ميسي فشل – للأسف – في إبهار الجمهور بقدراته المعهودة خلال مباراة الأرجنتين الأولى ضد آيسلندا، كما أن إهداره ضربة الجزاء جسد قدراً من التهاون الذي ولَّده الإحباط.
وفي الوقت الحاضر، يبدو رونالدو في مقدمة سِباق الأعظم في التاريخ. وعندما تعيد النظر في عمر هذا الأسطورة، الذي أتم 33 سنة، وتُقارنه بما حققه من إنجازات وما يحلم به، ستدرك حتماً أنه لا يسعى وراء تحقيق حلمه فحسب؛ بل حلم بلده أيضاً.
لطالما انتقدوا غروره ووصفوه بأنه "متصنِّع"؛ لأنه عندما يغمز يقول "إنني أستطيع أن أفعل كل شيء"، لكن، ما العيب في التمتع بهذه الثقة بالنفس؟
فهو لاعب يقوم بأداء رائع ويواصل تقديم الأفضل كلما سنحت له الفرصة. كما أنه يعمل على تغيير طريقة لعبه ليتأقلم مع أحكام التقدم في العمر بشكل مدهش ومثير للإعجاب؛ حتى لا يتراجع أداؤه، ولا دليل أفضل على ذلك من المباراة الأخيرة لمنتخب بلاده أمام منتخب إسبانيا.
لقد استغل رونالدو كل المزايا المتاحة له علمياً وطبياً خلال التدريبات. وفي الحقيقة، إن مزجه بين تلك المزايا مع ما يتحلى به من إصرار وطموح، يجعله قادراً على تقديم المزيد. كما أن طريقته في اللعب مثالية، فهو لاعب موهوب ويحسن العمل مع الفريق. بربكم، ما الشيء الذي لا يمكن لرونالدو أن يقوم به؟
إنه سريع جداً، وقادر على التصويب وتمرير الكرة، والقيام بضربات رأسية وركلات حرة، كما أنه يسجل أهدافه بثبات وبمستوى عال. وعلى غرار ميسي، نادراً ما يواجه رونالدو المتاعب في الملعب. ويبدو أن مزاجه الآن تحت السيطرة حتى عندما يكون غاضباً للغاية.
من أفضل من رونالدو؟
يقول لاعب كرة القدم الإنكليزي السابق تيري فينابلز في مقاله على The Guardian، إن العديد من اللاعبين المتميزين ساهموا في ازدهار اللعبة التي نعشقها على مدى عقود، على غرار الأرجنتيني دييغو مارادونا والهولندي يوهان كرويف، وبالطبع البرازيلي بيليه. لكن بالنسبة لي، يمكن لكريستيانو رونالدو، الذي يتمتع بجميع المهارات التي نادراً ما تجتمع في شخص واحد، أن يتفوق عليهم جميعاً. وفي حين كان هؤلاء اللاعبون هم الأفضل في عصرهم، يتنافس كل من رونالدو وميسي على الفوز بلقب اللاعب الأفضل في جميع العصور.
من المتعارف عليه أن بلادنا، إنكلترا، قد امتلكت نخبة من كبار لاعبي كرة القدم على مر التاريخ، ومن أبرزهم ستانلي ماثيوز وتوم فيني. لقد كان السير ستانلي يحلّق بِحٌرية خلف الظهير الأيسر، ويمضي قدماً ويمرر الكرات، ولم يكن باستطاعته فعل أي شيء آخر، لكن ذلك لم يكن خطأه. ففي الواقع، لقد فعل السير ستانلي كل ما كان عليه القيام به، مستعملاً في ذلك الوقت أسلوباً رائعاً في اللعب. وقد اعتبره كثيرون آنذاك لاعباً ليس له مثيل، ومن بين أفضل لاعبي عصره، لكنه لم يتمكن لا هو ولا فيني من تحقيق ما وصل إليه رونالدو، الذي كانت مسيرته مكللة بالنجاحات بين نادي مانشستر يونايتد وريال مدريد، وصولاً إلى صفوف منتخب البرتغال.
كما تضم قائمة الأعظم في العالم اسماً مثل مارادونا، الذي سجل أهدافاً كثيرة لا مثيل لها، ورسم الكثير من اللوحات الفنية في أرضية الميدان، وضمن ذلك هدف "يد الرب". لقد كان مارادونا أهم اللاعبين في عصره، مثل بول غاسكوين بالنسبة لنا "كإنكليز". ولم يتسبب أمثال هؤلاء اللاعبين في خسارة فريقهم، وكل ما قاموا به كان مجرد أخطاء، إلا أن هذا لا ينفي أنهم كانوا قادرين على فعل ما فشل آخرون في تحقيقه.
ومن المؤكد والبارز أن كل هذه الأسماء لم يصلوا إلى ما أنجزه رونالدو، إلا أنهم كانوا متفانين في حب فريقهم، الذي كان يبادلهم بدوره الحب والتقدير، وهذا يمثل في حد ذاته مصدر قوتهم. أما بالنسبة للاعب مثل غاري لينيكر، فقد سجل أهدافاً وكان محبوباً من الجميع ولم يحصل على بطاقات من الحكام، إلا أنه كان يقترف بعض الأخطاء الفنية خلال المباريات تُخرجه من قائمة الأعظم في التاريخ.
كما أن هناك مجموعة من اللاعبين الذين يمكن أن نستمتع بموهبتهم خلال الأسابيع الأربعة القادمة، على غرار البرزيلي نيمار، ومواطنه غابرييل خيسوس، والبلجيكي كيفين دي بروين، فضلاً عن المصري محمد صلاح في أثناء مشاركتهم بنهائيات كأس العالم.
وعموماً، لدينا نصيبنا من اللاعبين الذين يمكن أن يقدموا أداء عالياً في نهائيات كأس العالم، على غرار هاري كين، ورحيم ستيرلينغ، وديلي آلي، وجميعهم قادرون على التأثير خلال قادم المباريات.
وفيما يتعلق بالمباراة الافتتاحية لكل من إسبانيا والبرتغال، لم أكن أتوقع قَط ما رأيته. لقد كنت مفتوناً بالفرص التي خلقها اللاعبون في هذه المباراة. لقد شعرت بسعادة غامرة بمستوى الأداء والالتزام الذي أبداه كلا الجانبين، بالإضافة إلى تدخلات رونالدو التي تُبرز مهاراته العالية. والتفكير في إمكانية حفاظ اللاعبين على تقديم هذا المستوى المرموق في النهائيات، يجعلني أتشوق إلى متابعة البطولة. وإذا استمر الأمر على النحو الذي بدأ به، فسيكون من دواعي سروري أن أشاهد وأثمِّن هذا الأداء.