من كان بإمكانه التسبب في كل تلك الأضرار وزيادة آلام المنتخب الإسباني سوى أسطورة ريال مدريد في العصر الحديث؟
بعد يومين فقط من إقالة مدربهم جولين لوبيتيغي؛ بسبب توقيعه على عقود الانضمام إلى ريال مدريد، ليكون المدير الفني القادم لأبطال أوروبا دون علم الاتحاد الإسباني لكرة القدم أكد الرجل، الذي طالما كان القوة الدافعة للنادي الملكي ما يقرب من عقد من الزمن، أن فريق ريال مدريد مستمر في تقويض أحلام منتخب إسبانيا بكأس العالم.
وإن كان تعيين ريال مدريد لوبيتيغي مشوباً بالكثير من الإثارة والتشويق التي جرت سراً من دون علم الاتحاد الإسباني، فإن ما قام به كريستيانو رونالدو، الجمعة 15 يونيو/حزيران 2018، لم يحدث في السر أو بالخفاء وإنما أمام أعين ومرأى العالم أجمع؛ إذ لم يكن هناك أي شيء خفي في الطريقة التي أحرج بها كريستيانو رونالدو إسبانيا.
كل ما يريده رونالدو هو أن يرى الجميع إمكاناته وقدراته، ولهذا السبب، أصبح ملعب "فيشت" مسرحاً لفصل جديد يحاول فيه رونالدو إثبات أنه أعظم لاعب كرة قدم على الإطلاق.
تشير ساعة الملعب إلى الدقيقة الـ 88، الإسبان يحتفلون بالمدرجات وفي ساحات مدريد، ظنت إسبانيا بأَسرها أنها فازت بالمباراة ولكن هيهات، فقبل دقيقتين من نهاية الوقت، أطبق الصمت في كل أركان إسبانيا بينما يتقدم رونالدو لتسديد تلك الركلة الحرة التي وضعها "حيث يسكن الشيطان"، ويكتفي ديفيد دي خيا بمشاهدتها وهي تتهادى في الشباك معلنةً عن هدف قاتل، معدلة به البرتغال النتيجة لتصبح 3-3، لتكون نهاية لائقة لـ 90 دقيقة مثيرة في مدينة سوتشي.
لا جديد يُذكر ولا قديم يعاد عن تألُّق رونالدو هنا، سوى أنه أكد من جديدٍ، وجهة النظر القائلة إنه إذا كانت البرتغال تودُّ إضافة كأس العالم إلى خزائنها كما فعلت في البطولة الأوروبية التي فازت بها في فرنسا قبل عامين، فإن الاعتماد على رونالدو وحده مخاطرة كبيرة.
يبدو أن دفاعاً هشاً قد يفسد الحفل، فعندما قلبت إسبانيا تأخرها في النتيجة من 1-2 إلى 3-2، كان يبدو أن الحفل قد انتهى وأن على المشاهدين مغادرة مقاعدهم، لكن رونالدو، في ليلته الاستثنائية، أضاف فصلًا جديدًا لكتابه الذي لا يبدو أنه قد اقترب من فصله الأخير بعد. وصعَّد الأمور لدرجة أكبر.
لم يحتج ابن ماديرا سوى إلى 135 ثانية فقط لوضع ختمه على مباراة أثبتت أنها تستحق الإثارة التي سبقتها. شاهد الجمهور حول العالم حركته المفضلة – التي تُعرف بـ Step-over – لأول مرة، عندما كان مراهقاً يلعب لنادي مانشستر يونايتد ضد بولتون في العام 2003، وبعد مرور 15 عاماً، لا يزال المدافعون يواجهون صعوبة شديدة في محاولة منعه من إحراجهم.
كان هذا كلاسيكياً بكل معنى الكلمة، ولكن يظل على البرتغال معرفة كيفية الدفاع بشكل أفضل وأسرع؛ فمن الممكن أن ينقذك كريستيانو مرة، ولكن ليس كل مرة. ومع ذلك، فإن وجود كريستيانو على أرضية الميدان، أيًا كانت حالته، يجعل البرتغال تحتفظ ببصيص من أمل.
ملك الضغوطات
من يتذكر ركلة الجزاء ضد يوفنتوس في ربع نهائي دوري أبطال أوروبا؟ من كان قادراً على التعامل مع كل هذه الضغوط؟
إذا كان هناك لاعب يتعامل مع الضغوط بهذه الحماسة، فليدلّنا أحد عليه.
أيضًا، وفقاً للتقارير الواردة قبل المباراة، قام رونالدو بتسوية قضية التهرب الضريبي مع السلطات الإسبانية بالموافقة على دفع غرامة قدرها 16.4 مليون جنيه إسترليني.
قضت الضغوط على بعض أفضل اللاعبين، لكن رونالدو يبدو كأنه ينتعش مع زيادة الضغوط عليه بطريقة قد تبدو غير صحية. بتسجيله ذلك الهاتريك، أصبح أول لاعب بالتاريخ يسجل في ثماني بطولات كبرى متتالية، ونحن جميعاً نعرف أنه مغرمٌ بكسر الأرقام القياسية.
ومع ذلك، لم يكن أي شيء ليسعده أكثر من رؤية ركلته الحرة وهي تصل إلى شِباك إسبانيا في آخر لحظات المباراة، بعد أن بدت إسبانيا قادرة على تعويض هفوة دي خيا الفادحة.
جرس إنذار
لقد كانت مباراة متقلبة، وقد يرغب فرناندو سانتوس، مدرب البرتغال، في إعادة تشكيل محوري الدفاع مع تقدُّم البطولة؛ إذ يبلغ مجموع عمري بيبي وخوسيه فونتي 69 عاماً، ويبدو أن الزمن قد فعل بهما الأفاعيل. بالتأكيد، قد تشعر البرتغال بالظلم من أن الحكم الإيطالي جيانلوكا روكي لم ير خطأ كوستا ضد بيبي، ولكن مع إشارة الحكم باستمرار اللعب، لم يستطع فونتي التغطية أمام كوستا لحفظ ماء وجهه.
مع تحركات كوستا غير المتوقعة يميناً ويساراً، ارتكب مدافع ساوثهامبتون ووست هام يونايتد السابق خطأ فادحاً بالتراجع ودفع ثمناً باهظاً عندما ركل مهاجم أتليتيكو مدريد الكرة في الزاوية السفلى، ثم حدث الأسوأ. ولكن عندما يكون رونالدو جاهزاً للإنقاذ، لا يوجد مستحيل.
في النهاية، بكرة القدم، لن تحرز هدفاً ما لم تصوب، وإذا كان بإمكان اللاعبين الشباب أن يتعلموا أي شيء من رونالدو، فهو الإصرار دائماً على محاولة إحراز الأهداف.