في بهو فندق "ميتروبول" قرب الساحة الحمراء بالعاصمة موسكو، كان أعضاء الوفد المغربي، المكلف بترشيح المملكة لاستضافة كأس العالم 2026، مجتمعين بعد نهاية حفل التصويت وغلبة الملف الأميركي كما كان متوقَّعاً.. كانت خيبة الأمل باديةً على الأعضاء، الذين كانوا إلى غاية صباح الأربعاء 13 يونيو/حزيران 2018، ينتظرون حدوث معجزة تقلب الموازين.
وحصل الملف المشترك على 134 صوتاً، والمغرب على 65 صوتاً، وصوت واحد ملغىً، لتفوز الولايات المتحدة الأميركية والمكسيك وكندا بشرف تنظيم مونديال 2026.
وتخلَّت 7 من الدول العربية عن المغرب باللحظات الأخيرة في سباق الترشح، وأسهمت أصواتها في منح النجاح للملف الثلاثي بفارق 69 صوتاً.
ويأتي على رأس هذه الدول، السعودية التي لم تكتف بأن خذلت الرباط في سعيها إلى تحقيق حلم روادها سنوات، كما يحكي بأسف، لـ"عربي بوست"، عضو في الوفد المغربي؛ بل لعبت دوراً أساسياً في حشد الدعم للأميركيين بقارة آسيا طيلة اليومين اللذين سبقا عملية التصويت، لتمنح 46 من اتحاداتها أصواتها للملف المشترك.
طبخة سعودية
"ضمنّا لحد الساعة أكثر من 70 صوتاً، وخلال اليومين القادمين سنعمل على كسب أصوات جديدة".. بهذه العبارة المتفاءلة، كان يحكي فوزي لقجع، رئيس الاتحاد المغربي لكرة القدم، في الطائرة التي تقلُّ الوفد المغربي إلى موسكو يوم الإثنين 11 يونيو/حزيران 2018.
الخطة المغربية لكسب أصوات إضافية، في الدقائق الأخيرة، كانت مبنيَّة على العلاقات العامة واللقاءات في المكان عينه، كما يشرح لـ"عربي بوست" إطار تقني في اللجنة التي أشرفت على إعداد الملف المغربي. كما عوَّل المغاربة على التقديم النهائي لملفات الترشح، والذي ينظَّم يوم التصويت قبل اختيار المرشح المحظوظ؛ ومن ثم إقناع اتحادات أخرى بالوقوف مع المملكة لتحقيق حلمها.
الأصوات الـ70 التي ظن رئيس الاتحاد المغربي أنها مضمونة، جلُّها إفريقية إضافة إلى الدول العربية وبعض الدول الأوربية وعلى رأسها فرنسا، ولكن عند وصولهم للعاصمة الروسية تغيَّرت كل الحسابات كما تقول عضوة في الوفد المغربي، اكتشفوا تردداً في مواقف الدول التي كانت أعلنت دعمها لهم في السابق، خاصة الاتحادات العربية، التي بدا أنها غيَّرت موقفها في آخر لحظة، "أحسسنا بأن هناك شيئاً ما يُطبَخ ضد الترشح المغربي".
صباح يوم الثلاثاء 10 يونيو/حزيران 2018، تفاقمت مخاوف الوفد المغربي، كانت هناك إرهاصات فوز الملف الأميركي بكل مكان. في الفندق الذي يقيم به المغاربة، كان رئيس لجنة الترشح المغربية، حفيظ العلمي، صحبة رئيس الاتحاد المغربي لكرة القدم فوزي القجع وباقي الأعضاء، على موعد مع رؤساء اتحادات عربية وإفريقية وآسيوية، أعضاء اتحاد سلطنة عُمان أكدوا للمغاربة، حسب مصدر حضر اللقاء، أن الموقف ليس في صالحهم وأن السعوديين يشنون حملة ضد الملف المغربي لصالح الأميركيين.
الكلام نفسه أكده للمغاربة أعضاء اتحاد بنغلاديش، لتبدأ آمال المغاربة في الانحسار، وحتى رقم الـ70 صوتاً التي كان يؤكدها رئيس الاتحاد المغربي، باتت موضع تشكيك، في حين أكدت حسابات ليلة الثلاثاء 12 يونيو/حزيران 2018، أن الملف الأميركي ضمن أكثر من 100 وما زال يحصد المزيد.
المغاربة خاطبوا القلب.. والأميركان الجيب
صبيحة الأربعاء 11 يونيو/حزيران 2018، كان يوم الفصل.. حضر الوفدان إلى مقر لجنة الفيفا؛ لتقديم ملفهما التقديم النهائي قبل التصويت، حضر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وألقى كلمة ترحيبية بالوفود الحاضرة للعرس الكروي العالمي الذي سيُفتتح رسمياً يوم الخميس 22 يونيو/حزيران 2018.
بعد الاستراحة، شرع حفيظ العلمي رئيس لجنة الملف وفوزي لقجع رئيس الاتحاد، بالإضافة إلى اللاعبين الدوليين فاديكا وأموكاشي، في طرح أبرز إيجابيات الترشيح المغربي.
العلمي تحدَّث عن تعبئة شعب كامل من أجل الحدث، حيث إن المغاربة يعلّقون آمالهم عليه من أجل تحقيق قفزة نوعية بكل المجالات؛ نظراً إلى الاستثمارات الضخمة التي سيستفيد منها الاقتصاد المغربي، واعتبر رئيس لجنة الملف أن وضعية البلد المالية جيدة، إضافة إلى حالة الأمان التي يعرفها بفضل منع امتلاك السلاح عكس الولايات المتحدة، وتتطرق أيضاً إلى الأرباح التي ستجنيها الفيفا من الملف المغربي والتي من المنتظر أن تتجاوز 7 مليارات دولار، وختم كلمته بأن كأس العالم حلم شعب بأكمله.
أما فوزي لقجع رئيس الاتحاد المغربي لكرة القدم، فقد اعتبر أنه من المجحف أن تنظم القارة السمراء كأس العالم فقط مرة واحد خلال 2010 بجنوب إفريقيا، وكيف أن فوز المغرب بالحدث سيغير بلداً، أكثر من نصف سكانه شباب، مما يتماشى مع روح وأهداف الفيفا.
أما القائمون على الملف الأميركي الكندي المكسيكي، فقد ركزوا في عرضهم على الأرباح التي سيجنيها الاتحاد الدولي لكرة القدم والتي ستتجاوز 14 مليار دولار، ما يعني ضعف المبلغ الذي يعِد به المغاربة.
مفاوضات اللحظات الأخيرة
مفاوضات اللحظات الأخيرة تدخلت فيها السعودية بقوة، كما يحكي مصدر "عربي بوست"، حيثما تحرّك المغرب، خاصة في البلدان الآسيوية، يجد السعوديين سبقوه واتفقوا معهم، "طبعاً، الوعود السعودية ضخمة ومقنعة مادياً.. تحركاتنا نحن مبنيَّة على الجانب المعنوي والتضامني أكثر، مما يضعف موقفنا"، يؤكد المصدر.
بدأ عدّاد الأصوات لصالح المغرب يتهاوي، وخلال إعلان النتائج حصل الملف المشترك على 134 صوتاً، والمغرب على 65 صوتاً، لتفوز الولايات المتحدة الأميركية والمكسيك وكندا بشرف تنظيم مونديال 2026 بالضربة القاضية.
لائحة الدول التي تخلّت عن المملكة ضمَّت كل من العراق، والأردن، والكويت، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، ولبنان، كما نجحت السعودية في إقناع 45 اتحاداً آسيوياً بالتصويت للملف المشترك.
وقررت 11 دولة عربية أخرى الالتزام بدعم الملف المغربي رغم الضغوط الممارَسة من قِبل أميركا ورئيسها دونالد ترمب والسعوديين، ويتعلق الأمر بكل من الجزائر، وموريتانيا، واليمن، ومصر، وتونس، وسوريا، وقطر، والسودان، وليبيا، وعمان، وفلسطين، إضافة إلى تركيا.
وقتها، بدت الفرحة على أعضاء الوفد السعودي كما يحكي بأسىً عضو لجنة الترشح المغربي، أعلنوا فرحتهم وكأنهم هم من سيستضيف كأس العالم، "لم نكن نظن أنهم سيحاربوننا بهذا الشكل!"، يعلق العضو. وعن إمكانية أن تكون الخلافات السياسية والتزام المغرب الحياد تجاه الأزمة الخليجية هو السبب وراء الموقف السعودي، يجيب العضو بأن كل شيء وارد، إلا أنهم كانوا يعتقدون أن الانتماء العربي ووحدة المصير كانا سينتصران في النهاية، وذلك ما لم يحصل.
أسباب موضوعية وراء الفشل
ورغم الدور السعودي، فإن خسارة المغرب الرهان كانت متوقَّعة بنسبة كبيرة، لأسباب موضوعية، كما يشرح لـ"عربي بوست" عضو سابق في ملف الترشح سنة 2010، والذي مُني فيه المغرب بالفشل، حيث حصل المغرب على 10 أصوات مقابل 14 صوتاً لجنوب إفريقيا، لتفوز الأخيرة بشرف تنظيم العرس العالمي.
ويؤكد العضو السابق أن أسباب الفشل نفسها تقريباً تتكرر كل مرة، حيث يتم تقديم ملف الترشح في آخر لحظة وبارتجالية كبيرة، مما يجعله أقرب للنزوة السياسية منه إلى الخطوة الاقتصادية المدروسة كما تصنع باقي الدول في ملفات ترشيحها.
وتعامل المغرب مع الملف بشكل عاطفي، كما يشرح مصدر لـ"عربي بوست"، حيث اعتمد خطابه على الحق الإفريقي التاريخي في التنظيم والرغبة في التنمية وإرادة التغيير، وهي مؤشرات لا تقنع الفيفا، التي تعتمد مؤشرات موضوعية من قبيل جاهزية الملاعب والبنية السياحية لاستقبال الوفود المشاركة، إضافة إلى الطرق والمستشفيات، "في النهاية، المغرب لم ينظِّم في حياته حدثاً كبيراً مثل هذا، ليس مثل المكسيك أو أميركا أو حتى كندا.. لا يمكن أن نقارن إمكاناتهم بمواردنا الضعيفة"، يعلق العضو.
واعتبر مسؤول مغربي أسهم في إعداد الملف، أن خسارة المغرب المتوقعة لم يعرف كيف يستفيد منها لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية مع الأميركيين، في نظره كان من الأفضل التفاوض مع ترمب للحصول على امتيازات بمجال الاستثمارات أو حتى في قضية الصحراء، التي لطالما أزعجت المملكة.
انتهى التصويت ولم ينتهِ الحلم، كما يؤكد عبد القادر لشهب، سفير المغرب لدى روسيا؛ إذ أكد بعد نهاية الحفل أن المغرب سيتقدم مجدداً بالترشح لاستضافة كأس العالم رغم خسارته خامس محاولة، رغم أسفه على تخلي بعض الدول العربية عن دعم المملكة.
السفير المغربي، في تصريح لـ"بي إن سبورت"، أضاف أن المغرب سيفكر هذه المرة في تقديم ملف مشترك بالمرة المقبلة، وربما يتقاسم الحلم مع جيرانه الجزائريين. وفي انتظار ذلك، يأمل المغاربة أن يعوضهم منتخبهم المشارك في المونديال عن خيبة تنظيم 2026.