بعد 45 دقيقة تمكن فيها ريال مدريد من مجاراة بايرن ميونخ بأعجوبة. خلال فترة ما بين شوطي المباراة على ملعب "أليانز آرينا" في ميونخ، تبادل البعض مزحة مفادها أن مدرب ريال مدريد الفرنسي زين الدين زيدان على الأغلب يضرب كفيه غضباً في غرفة تبديل الملابس، إزاء أداء لاعبيه في الشوط الأول.
في إسبانيا، غالباً ما يستخف بعمل مدرب ريال مدريد، بحجة أن أداءه يقتصر على التصفيق وتشجيع اللاعبين فقط، في حين يقال إنه يتقاعس في تسيير فريقه عوضاً عن التدخل لحسم الأمور.
كما يدعي البعض أن زيدان يعتمد خططاً بديهية غير متقنة، عوضاً عن إظهار أي قدر من الخبرة. في الواقع، تعتبر هذه التصريحات طريقة لإبلاغ العالم أن الرجل الذي فاز بلقب دوري أبطال أوروبا في مناسبتين خلال أول عامين له في التدريب، حالفه الحظ بكل بساطة، فيما يذهب آخرون للاعتقاد بأن هذه الإنجازات قائمة على الاحتيال.
حسم مباراة بايرن ميونخ بالتغيير الثالث
في مباراة بايرين ميونخ تعرض إيسكو للإصابة، مما جعل زيدان يتخذ قرار استبداله باللاعب ماركو أسينسيو. ولم يكن هذا التغيير صائباً، حيث كان من الأجدر تعويض إيسكو بماتيو كوفاسيتش، لأنه يمثل خياراً أكثر منطقية في حال أراد زيدان تأمين عنصر التحكم الذي يوفره إيسكو في وسط الميدان. وقد برزت نقطة استفهام كبيرة حول عدم توجه زيدان لخيار كريم بنزيما أو غاريث بيل الأكثر خبرة.
كان زيدان يملك أسبابه الخاصة، ففي حين كان سعيداً بطريقة لعب فريقه القائمة على الاستحواذ، لم يكن راضياً عن أداء لاعبيه عندما لا تكون الكرة بحوزتهم. أراد زيدان استغلال الانضباط التكتيكي لماركو أسينسيو، وخاصية الضغط المرن الذي يمارسه على لاعبي الفريق المنافس، فضلاً عن سرعته المبهرة في الهجمات المعاكسة.
خلال 12 دقيقة من نزوله لأرضية الملعب، لعب أسينسيو على نحو غير معهود في مركز متأخر من الجهة اليسرى لخط وسط فريقه. وتمكن أسينسيو من استغلال تقدم لاعبي بايرن ميونخ لتنفيذ ركلة ركنية، فغادر مناطق فريقه الدفاعية ليعترض تمريرة طائشة من رافينيا، وقاد هجمة مرتدة خطيرة لينهيها بتسجيل هدف حاسم لصالح فريقه.
طور عادات تكتيكية ناجعة بالتغييرات الحاسمة
بفضل أداء أسينسيو، حلت مشكلة أخرى بالنسبة لريال مدريد، ألا وهي الفوز بمباراة ملحمية إضافية. وفي حين حاول زيدان التقليل من الثناء الذي حظي به، من خلال القول بأن الفوز لم يكن بسبب إدارته للمباراة، أخذ السر الكامن وراء إنجازات فريق زيدان المبهرة على الرغم من الأداء الباهت يبرز.
ويكمن هذا السر في نمط اللعب المختلف الذي بدأ يتجلى. وبالنسبة لمدرب يسخر منه الكثيرون على نحو واسع ويقال إنه يعتمد نهجاً تدريبياً مشفراً، يعمل زيدان على تطوير عادات تكتيكية ناجعة تقوم على إجراء تغييرات حاسمة في المباريات الكبرى.
حسم مباريات كبيرة بتغيير تكتيك اللعب فجأة
أجرى المدرب الفرنسي تغييرين متأخرين ضد باريس سان جيرمان، فأدخل الثنائي فاسكيز وأسينسيو، اللذين تمكنا من قلب مجريات اللعبة على حساب الخصم في آخر 10 دقائق من المباراة. وأسفرت هذه التغييرات عن فوز ريال مدريد بنتيجة 3ـ1 بعد أن كان متعادلاً مع الفريق الفرنسي بهدف لمثله.
وفاز ريال مدريد على فياريال في العام الماضي بنتيجة 3-2، ويرجع الفضل في ذلك إلى قرار زيدان بإشراك إيسكو عندما كان بطل إسبانيا متأخراً 0-2.
لا يقتصر الأمر على إجراء التغييرات فقط، فخلال نهائي دوري أبطال أوروبا، ساعدت تعليمات زيدان التكتيكية المفصلة أثناء فترة استراحة ما بين الشوطين الفريق على توسيع نطاق اللعب وقلب مجريات المباراة. ومن هذا المنطلق، نجد أن زيدان يعمد إلى تعزيز سمعته على اعتباره مغيراً حقيقياً للعبة، في ظل تحليه بالهدوء وبشكل متدرج.
ذهب إلى غوارديولا وبيلسا ليتعلم مهنة التدريب
ذهب نجم ريال مدريد إلى المدينة البافارية ودخل إلى أسوار فريقها بايرن ميونخ من أجل استكمال إجراءات الحصول على رخصة تدريب يوفا برو من المستوى الثالث. وقد رافق زيدان في سعيه لنيل هذه الرخصة كلاً من ويلي سانيول وكلود ماكيليلي، وعمد ثلاثتهم إلى قضاء الكثير من الوقت في مشاهدة بيب غوارديولا عن كثب، ومتابعة ما وراء الكواليس ومراقبة حصص التمرين، فضلاً عن التحدث معه من أجل الحصول على المعلومات.
في الأثناء، تأثر زيدان على نحو شديد بمقابلاته مع مارسيلو بيلسا في مرسيليا. وفي حين لم يتطرق إلى التفاصيل المعقدة المتعلقة بالمدرب، كان زيدان يطمح لتبين النهج الذي يعتمده في إعداد فريقه. وحيال هذا الشأن، صرح زيدان أن المدرب الأرجنتيني نصحه بعدم تقليد أي شخص آخر واتباع المسار الخاص به.
ابتكر مدرسة "التفوق العددي" في جميع أنحاء الملعب
من المؤكد أن هناك بعضاً من التجديد والتطرف في الكرة التي يقدمها زين الدين زيدان. وفي الوقت ذاته، من الواضح أن هناك فلسفة متبعة ومجموعة من المبادئ الرئيسية التي يتمسك بها هذا المدرب. وبغض النظر عن التشكيلة نفسها، يوجد تركيز واضح على خلق تفوق عددي في جميع أنحاء الملعب. وبذلك، تتجلى أهمية اللعب بين الخطوط وتناقل الكرة بسرعة فائقة، فضلاً عن توسيع رقعة اللعب واستغلال الأروقة. ويمكن الجزم بأن هناك مبالغة في اعتبار مدرب ريال مدريد مجرد مسير للأمور، نظراً لأن زيدان يعمل بشكل جدي على وضع مثل هذه الخطط وتحديد هذه التفاصيل.
وتحلى بالشجاعة حتى أمام "النجوم السوبر"
وتتجلى لكل متابعي زيدان العديد من الصفات الإنسانية التي يتميز بها. وغالباً ما لا يمتنع المدرب الفرنسي عن إجراء تغييرات على الخطط التي يتبعها، خاصة عندما يكتشف أن خطة اللعب الرئيسية لم تكلل بالنجاح. وقد كان زيدان يتمتع بالجرأة الكافية ليكون أول مدير فني يستبدل كريستيانو رونالدو لدواعي تكتيكية. وفكك زيدان خطة الثلاثي رونالدو وبيل وبنزيما، التي أثبتت نجاحها في السابق. وذلك بحجة عدم مساهمة رونالدو وبيل وبنزيما في التغطية الدفاعية في كبرى المباريات.
لكن هناك مشكلات في ريال مدريد
يعاني الفريق على مستوى اللمسات الأخيرة التي تتعلق بالفرص، فضلاً عن أن أي فريق جيد غالباً ما يتمكن من الوصول إلى مناطق دفاعاته. لكن لا يجب أن ننسى أننا نتحدث عن مدرب يخوض غمار موسمه الثاني فقط في تدريب فريق من الدرجة الأولى. وسيكون إنكار إمكانية تطور زيدان ضرباً من ضروب العناد، حيث يحظى هذا المدرب بفرصة التعلم والتطور مع مرور الوقت.
يعد زين الدين زيدان على وشك أن يصبح أول مدرب يفوز بثلاث بطولات دوري أبطال أوروبا متتالية منذ سبعينات القرن 20. ومما لا شك فيه أنه لا يمكنك تحقيق ذلك من خلال التصفيق فقط.