فعل نجم كرة القدم المصري، وهداف فريق ليفربول الإنكليزي محمد صلاح ما لم يفعله غيرُه من لاعبي بلاده، عندما فاز بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنكليزي الممتاز للموسم 2017-2018.
"عربي بوست" رصدت فرحة أهالي قرية "نجريج"، مسقط رأس "الملك المصري" كما يلقبه مشجعو ليفربول، والوقوف على ردة فعلهم تجاه الإنجازات المتتالية التي وصل إليها "ابنهم"، كما يطلقون عليه.
الطريق إلى نجريج، الواقعة بمحافظة الغربية، يبدأ إما من مدينة طنطا حيث طريق ترابي يمتد لنحو 20 كيلومتراً، أو من مركز بسيون عبر طريق قصير يمتد لنحو 3 كيلومترات، وهو طريق ضيق بين أراض زراعية.
نجريج يمكن وصفها بأنها "عزبة"، وليست قرية، فهي صغيرة في مساحتها وفي عدد بيوتها. بعد نحو 200 متر من مدخلها الغربي (من جهة بسيون) يوجد بيت محمد صلاح، هو بيت من 3 أدوار في شارع لا يتعدى عرضه 6 أمتار.
صباح يوم الإثنين 23 أبريل/نيسان، وأسفل المنزل، كان يمكنك أن تلاحظ تجمعاً من أناس جاؤوا من قرى، بل ومن محافظات أخرى، لتقديم طلبات إعانة من اللاعب الشاب الذي بات محطَّ أمل القاصي والداني في مصر. قمنا بدق الباب وجرس المنزل، لكن ليس هناك مجيب. أنت لا تعلم إذا ما كان هناك أحد بالداخل أم أن البيت مهجور.
أسرة صلاح لا تتعامل مع وسائل الإعلام تقريباً، هم يسعون لعيش حياتهم الطبيعية بعيداً عن صخب نجومية ابنهم، الذي جعلهم مطاردين من كل صوب، وأفقدهم خصوصية لطالما تحلَّوا بها، كما يقول سكان نجريج.
"العمدة هو المتحدث الرسمي باسم صلاح"، هكذا قال لنا أحد الجالسين على مقهى القرية الذي يرتاده صلاح منذ صغره، وما زال يجلس عليه كلما زار قريته في إجازة.
لو كنت تتوقع وجود صور كبيرة لصلاح في طرقات القرية، فأنت مخطئ بلا شك. بل إنك لن تجد له إلا صورة واحدة يضعها صاحب محل "آيس كريم" في الشارع الرئيسي للقرية. عندما تسأل الأهالي عن السبب، يجيبونك بتلقائية، "الفرحة والحب ليستا بالصور. نحن نحب صلاح وفخورون به. ربنا يحفظه".
لكن يمكنك أن تلاحظ تأثير صلاح في شباب قريته، الذين فضَّلوا اختيار قصَّة شعر ابن بلدتهم.
صلاح بات ظاهرةً، ليس في قريته فقط، وإنما في مصر والعالم العربي، كما يخبرنا نفس الشخص الجالس على المقهى في تحفُّظ شديد، لأنه يخشى أن يترك لنفسه العنان في الحديث، فـ"يضر الشاب الصاعد من حيث لا يدري". هو لا يثق في الإعلام كثيراً، كما قال لـ"عربي بوست".
الفرحة في وقتها فقط لأنهم اعتادوها
لكن مجرد ذكر صلاح أمام السكان يحدث لمعة حب ممزوجة بالفخر في العيون. أهالي نجريج يتعاملون مع النجم الصاعد على أنه ابنهم جميعاً، إنه ابنهم "الفالح" كما يصفونه، وهم يسردون لك ما يقوم به، في تحفظ وعزة نفس واضحين.
الفرحة كانت كبيرة وعارمة فور إعلان فوزه بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنكليزي الممتاز، لكنها كما يقول الأهالي لا تستعدي أن تستمر أياماً طويلة، فقد تعودوا على نجاحه، وهم حالياً ينتظرون فرحة فوزه بالحذاء الذهبي، كأفضل لاعب في العالم، والتي يثقون في أنه سينالها.
الشيوخ والنساء وحتى الأطفال يتحدثون عمَّا فعله صلاح في قريته. وهم هنا لا يتحدثون عن أعمال الخير، فهي كثيرة، وهم ينتظرون منه ما هو أكثر، لكنهم لا يفصحون عنه.
لقد غيَّر صلاح من نظرة الكبار للعب الكرة، وجعلهم يعتبرونها مستقبلاً يمكن الرهان عليه لأولادهم؛ خاصة أن هذه القرية بها عدد كبير جداً من الموهوبين، و"منهم من هو أفضل من صلاح"، كما يقول صديقه المقرب أحمد راضي. بالنسبة لكبار السن في معظم القرى، هم يرون كرة القدم مضيعة للوقت ولا يمكن أن تضمن مستقبلاً لأبنائهم.
صلاح ترك أثراً في الكبار والشباب
راضي، وهو زميل الطفولة، يقول إن محافظة الغربية عموماً أخرجت عشرات اللاعبين المعروفين، منهم محمد النني لاعب أرسنال الإنكليزي (مدينة المحلة)، ومحمد المحمدي لاعب الزمالك ومنتخب مصر (قرية شبراوات المتاخمة لنجرين)، ووائل جمعة لاعب الأهلي ومنتخب مصر المعروف (من قرية الشين)، وباسم مرسي لاعب المنتخب (طنطا)، وآخرون.
وبينما هو جالس في محل "الحلاقة" الخاص به، أضاف راضي لـ"عربي بوست"، أنهم ينتظرون من الدولة أن تهتم بهذه القرية التي تضم "ألف صلاح"، مشيراً إلى أن هناك نحو 30 ناشئاً من القرية يلعبون في أندية كبيرة.
ولفت راضي إلى أن معظم الشباب باتوا يقلدون قصة شعر صلاح، ويرتدون التيشيرت الخاص به، مضيفاً "لقد زاد الاهتمام بكرة القدم التي هي أصلاً محل اهتمامنا في القرية منذ سنوات طويلة".
وتابع "لقد أخذ صلاح 6 لاعبين من القرية، ومنحهم الفرصة، لكن ظروفهم كانت أكبر من أن يتحملوا فاتورة الصبر التي دفعها صلاح، وساعده فيها والده لسنوات".
أحمد المسيري، صديق صلاح الآخر، يقول وهو جالس إلى جوار عبدالعال: "كنا فريقاً واحداً، وذهبنا جميعاً لفريق مقاولون طنطا، لكن صلاح كان الأوفر حظاً؛ لأنه كان الأكثر صبراً واجتهاداً".
وتابع المسيري، الذي كان يرتدي قميص صلاح ويقلده في تسريحة شعره، أن صلاح لم ينجح بسهولة "قدم لنجريج الكثير جداً، لذلك ستجد الناس كلها منبهرة به. إنهم يحبونه وينتظرون منهم المزيد، وهو يعرف ذلك ولا يتجاهله".
وعن تعامل صلاح مع أهل القرية، يقول أصدقاء صلاح إنه يأتي في الإجازات، ويجالس نفس الأصدقاء، ويجلس على نفس المقهى، كما أنه لا يمارس مظاهر الغنى بين الناس كغيره.
نجم كبير ننتظر منه الكثير
صاحب محل "قاصد كريم" للآيس كريم، يقول وهو واقف إلى جوار صورة صلاح المعلقة على محله: صلاح يمارس حياته مع الأهالي بمنتهى البساطة، وكأنه لم يصبح نجماً. حتى إنه يذهب إلى نفس صالة تنس الطاولة الصغيرة التي كان يلعب بها وهو صغير.
وأضاف: "البلد كلها كانت سعيدة بالجائزة الأخيرة، كان الجميع محتشدين في مركز الشباب لحظة إعلان فوزه بالجائزة".
أبرز ما لفت النظر في أحاديث أهالي نجريج هو تلك الدعوات الصادقة لصلاح، وهي دعوات ممزوجة بنبرة حب ولمعة واضحة في العيون.
الحاج أحمد حسين يقول بتلقائية كبيرة، إن صلاح فعل الكثير لنجريج ولا نريد له سوى المزيد من النجاح.
أما الحاج حسن هريدي، فيقول بهدوء وثقة، إن القرية تنتظر منه الكثير وتعلم أنه سيفعل.
اللافت أن أسرة صلاح تنأى بنفسها عن الدخول في معترك الخدمات، كما تنأى بنفسها عن الحديث للإعلام، بناء على طلب صلاح نفسه، كما يقول أهل القرية.
الحاج محمد بهنسي، وهو قريب صلاح من جهة الأم، يتولى مسألة كفالة الأسر ورعاية الأيتام وتقديم المساعدات الخاصة، لكنه لا يتحدث بعيداً عن ذلك أيضاً.
يقول بهنسي لـ"عربي بوست"، إن صلاح يرسل رواتب شهرية لعدد من الأسر، فضلاً عن مبلغ 50 ألف جنيه كل شهر للمساعدات العاجلة التي يتم تحديدها حسب الحالة.
طلبات أهل قريته أوامر
وبينما يعترض أحد القادمين من مركز كفر الزيات على عدم قدرته على لقاء والد صلاح، تتدخل سيدة بسيطة جداً مدافعة: "إنهم لم يعودوا قادرين على فتح باب البيت لكثرة القادمين"، مضيفة "الكابتن كتّر خيره مش مقصّر. بس الناس عايزة كل حاجة طول الوقت".
وتضيف السيدة لـ"عربي بوست"، أن صلاح ينزل في الإجازات ويزور أهل القرية كلهم تقريباً ويجيب مطالبهم". وقالت إنها طلبت منه في رمضان الماضي أن يشتري لها نصف قيراط أرض (85 متراً) لكي تبني عليه بيتاً، فقال لها "اختاري المكان الذي يرضيكِ وأبلغي به شقيقي وهو سينهي الأمر".
وتابعت السيدة في تأثر ودفاع شديدين: "ساعدنا كثيراً وما زال". ثم أمسكت بيد طفلتها ذات الـ13 عاماً، وقالت "أنا حالياً أنهي أوراق ابنتي هذه لأنها بحاجة لعملية في الحالب. الكابتن تكفل بالعملية وكفاني عناء السؤال".
وتؤكد السيدة أن فرحة أهل نجريج بصلاح لا يمكن وصفها بالكلام، مضيفة "نحن لا نجيد الكلام. لكننا نجيد الدعاء له".
ورغم أنهم لا يفصحون كما قلنا عما يريدونه من ابن قريتهم، إلا أن أحمد (سائق سيارة أجرة) يقول بعزة نفس واضحة: "هو يفعل الكثير. ونحن لا نريد منه مصالح خاصة. فقط نريد منه الاهتمام بالقرية، إن لم يكن من ماله فمن خلال معارفه ومكانته".
وأضاف "كما ترون، القرية تحتاج رصف الشوارع وتحتاج خدمات كثيرة صحية وتعليمية. لقد أنشأ صلاح معهداً أزهرياً وطوَّر مركز الشباب القديم، كما أنه تبرع بوحدة غسيل كلوي لمستشفى بسيون العام، لكننا في نجريج ننتظر منه أكثر من ذلك".
وبالفعل تبدو القرية بشوارعها غير الممهدة ومبانيها الحكومية المتواضعة بحاجة إلى تطوير كبير، يتماشى مع ما تتناقله وسائل الإعلام عما يقوم به نجم ليفربول لها.