حمادة طلعت هو لاعب رماية مصري يمثل مصر في أولمبياد ريو دي جانيرو، ربما لم يكن لأحد أن يسمع عنه قبل أن يتجرأ ويرفع علم دولة السعودية في العرض العام للبطولة الذي يقوم فيه كل وفد بحمل العلم الذى يمثل دولته، أثار هذا التصرف أزمة كبيرة بعد تعبير الكثير من الأشخاص عن استيائهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
ولعل هذا هو السبب الرئيسي في اشتعال القضية على مواقع التواصل الاجتماعي، أما الموضوع في حد ذاته فيبدو في ظروف أخرى غير لافت للانتباه، لكن المشكلة كلها تكمن في الظروف الحالية، الظروف الاقتصادية لمصر، والمنح المتتالية، وأزمة الجزيرتين، كل هذا ساهم بشكل كبير فى إلقاء كثير من اللوم على عاتق لاعب شاب يشارك في بطولة رياضية هامة.
للأسف ساهم أشخاص أغلبهم ثوريون في سب ولعن اللاعب، وتناوبوا في الانقضاض عليه، رغم أنهم تعرضوا لمثل هذا الإحساس من قبل وما زالوا يتعرضون له، إلا أن الغل الدفين والشعور بالرضوخ لدولة أخرى جعلهم يحيدون عن الموضوعية ويشاركون في ذبح اللاعب، وربما يضعهم هذا الموقف في شراكة مع أقطاب الإعلام الموجه الذى يدّعي وطنية جوفاء، ليتحد الجميع ثواراً وفلولاً من أجل ذبح الشاب حمادة طلعت، الذي ربما تصرف بسذاجة ظناً منه أنه هكذا يدعم الأخوة والعروبة على أقل تقدير.
من المؤكد أنه ليست هناك تعليمات لرفع علم السعودية في الأولمبياد، وإلا لكان هناك علمان على الأقل وسط الوفد المصري، غير أن الصورة ظهرت بالصدفة لشخص مندثر بين الحشود يرفع علم مصر في يد وعلم السعودية في اليد الأخرى، إذاً فهو تصرف فردي، فهل سيتحمل حمادة وحده نفقات جميع الأزمات الجارية التي جعلت هناك حالة من الكراهية المتبادلة بين بعض أبناء البلدين؟!
مثل هذه المواقف تذكرنا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما أهلك من قبلكم أنهم إذا سرق فيهم القوي تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد"، فالهلاك يأتي مع غياب العدل، والصراع المستعر على هاشتاج #رجعوا_حمادة هو دليل على أن الموضوع لا يعامل بعدل، ولا يخص حمادة، ولكن كل شخص يتحدث حسب هواه، ونبرة الحدة التي يتحدث بها أشخاص ثوريون ومستنيرون -رغم أنهم معذورون لما تعرضوا له من ضغوط متتالية كبيرة- تنذر ببشارة سيئة على مستقبل الجميع سواء داخل مصر وبيننا كأبناء وطن واحد، أو خارجياً مع شعب آخر شقيق، فمثل هذه المواقف مع الزمن تجعلنا للأسف ننسلخ من أهدافنا الواحدة، ونتبادل الاتهامات في وقت أحوج ما نكون فيه لموقف مثل موقف حمادة، لكن فى ظروف أخرى، فالمشكلة كلها تكمن فى التوقيت.
والسؤال هنا: ماذا لو رفع حمادة علم فلسطين يوم افتتاح البطولة ؟ ألم يكن ليتم تكريمه ويشيد به الجميع كما فعل الكثيرون قبله في عدة محافل دولية، رغم أنها دولة عربية أخرى، إلا أن شعور الناس تجاه فلسطين لا يزال يحمل الود والتقدير والحمد لله، ولا يمكن لنا نحن أن نطلق على فلسطين قضية إنسانية وفقط، فهي قضيتنا الدينية على مر التاريخ، لكن العلم السعودي سبّب مشكلة؛ لأنه سبق وفعل ذلك أشخاص آخرون داخل مصر في أزمة الجزيرتين، ما جعل من تصرف حمادة فرصة لإسقاط تلك الأزمة على هذا التصرف الفردي.
أما من يرفضون علم بلد عربي مسلم في أي وقت، ويتهمون من يفعل ذلك بالخيانة، فلا أستطيع أن أفهمهم حقاً، هل الحلم فعلاً هو أن نكون بلداً مقطوعاً محرماً عليه أعلام أشقائها من الدول -في ظروف أفضل بالتأكيد ووجود أخوة حقيقية- مع الاحترام الكامل لوطننا وللمنافسة الشريفة مع أبناء أي وطن آخر، فالذي يجمعنا كبير لو كنا ندركه حقاً، أكبر من أي علم، وأكبر من أي منح، وقد درسنا في التاريخ بالمدرسة أن السعودية قطعت امدادات النفط عن أميركا وإسرائيل أثناء حرب 1973، فهل كان يصح أن تقف السعودية موقفاً محايداً مع عَلمها، وتترك العلم المصرى يرفرف وحيداً، أم أنها فعلاً رفعت العلم المصري بكلتا يديها وقتها.
تعيد هذه الأزمة للأذهان قضية التخابر مع دولة قطر التي كان يحاكم فيها محمد مرسى رئيس مصر الأسبق وحصل على براءة، أي براءة تلك وبأي طعم؟! ويا ترى هل سيحصل حمادة على براءة أيضاً من فعلته، أم ستكون طعنة أخرى في قلب الوطن العربي الإسلامي؟!
ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.