منذ فترة انتشرت أخبار عن خطف المؤسسات الاجتماعية الحكومية أطفال المسلمين في بعض دول أوروبا تحت ذريعة إهمال الوالدين أو أنهم يتعرضون للعنف الأسرى، فما هي المؤسسات الاجتماعية، وما هو دورها تحديداً، وما هي صلاحياتها؟ هل حقاً هدفها خطف الأطفال من أسرهم ووضعهم في أسر بديلة؟ ما الذي تستفيده تلك الأسر البديلة من رعاية أطفال ليسوا أطفالها؟ كيف يمكنك وأنت مقيم في بلد أوروبي الحفاظ على أطفالك وتجنب الجانب السلبي لتلك المؤسسات؟
باريس ٢٠١٢
كنت قد وصلت إلى فرنسا قبل عام واحد، تم تشخيص طفلي الأكبر بطيف التوحد لم يكن تشخيصاً مؤكداً، ولكن نتيجة لذلك تم إلحاقه بمركز حكومي خاص بالطب النفسي للأطفال، في هذا المركز كان علينا الحضور مرتين كل أسبوع لجلسات علاجية، منها جلسة مع مجموعة من الأطفال لديها صعوبات مختلفة، في الجلسة الأخرى يتحدثون معنا كيف تسير الأمور في البيت والعائلة والمدرسة.
من خلال متابعتهم القريبة لنا أخبرونا أنهم يشكون في أن تنقُّلنا كثيراً من بيت لآخر في فترة زمنية قصيرة يؤثر سلباً على ابني، وبالتالي سوف يساعدوننا للحصول على سكن حكومي ثابت حتى يساعده ذلك على التطور والإحساس بالأمان، من خلال التواصل مع مركز حماية الأطفال التابع للمؤسسة الاجتماعية. بعد انتقالنا للبيت الجديد كنت قد حملت بطفلي الثالث، رأتني إحدى موظفات مركز رعاية الأطفال في محطة الحافلات وكانت تعرفني جيداً، كان وجهي شاحباً ومعي طفلان، وزوجي يعمل على بُعد ٤٠٠ كلم من باريس، اتصلت بي هاتفياً لتخبرني أنها قلقة عليّ، وأن هذا الوضع يستدعي وجود سيدة معي من الخدمات الاجتماعية، تذهب مع الأولاد إلى المدرسة ومع ابني إلى الجلسات العلاجية.
وافقت، لكن في إحدى الجلسات العلاجية بذلك المركز الحكومي أخبر ابني المعالجة النفسية أني قد فقدت وعيي في المنزل وأن أخته الصغيرة احتاجت لتغيير الحفاضة فقام هو بذلك، كان يخبرها وهو فخور أنه قام بعمل من أعمال الكبار، لكن ما حدث هو تواصل ذلك المركز الحكومي مع مركز حماية الأطفال وإخبارهم أن هناك خطراً على الأولاد لغياب الأب وسوء صحة الأم، ليقوموا بتحديد موعد مع طبيبة نفسية متخصصة تطلب مني طلباً غريباً جداً، وهو إجهاض الجنين! وأن هذا الجنين خطر على صحتي النفسية وأن حياة الأطفال متأثرة سلباً بذلك الحمل.
عندما أخبرتها بوضوح أنني لن أفعل ذلك، أبلغَت دار حماية الأطفال أنني أهمل أولادي. قامت دار الحماية بعقد اجتماع عاجل لكل من يتعامل مع أسرتي من أخصّائيين معالجين وأطباء ومدرسي المدرسة، حتى مع السيدة التي تساعدني في أعمال البيت.
مُنعت من حضور الاجتماع فقد تم دون إخطاري، علمت لاحقاً. لم يجدوا شيئاً يدينني قانونياً، لكن ما حدث هو أن الأطفال صاروا تحت المراقبة من قرب وزيادة ساعات عمل السيدة التي تساعدني في المنزل ومد فترة عملها حتى موعد الولادة. بعد عدة أشهر رفضت ترشيح المركز الحكومي لإلحاق ابني بمدرسة خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة وأصررتُ على دخوله مدرسة عادية مع حصوله على حق الدمج، قامت الدنيا ولم تقعد، هددت بسحب حضانة أولادي الثلاثة حتى الطفل الذي لم يولد بعد.
فكيف تجاوزت تلك الأزمة؟
بعد رحمة الله، كانت لي صديقة تعرف تلك القوانين جيداً، عرضت أطفالي على أطباء متخصصين بعيدين عن ذلك المركز للحصول على تقارير تفيد بأن كل شيء على ما يرام، كنت أذهب للحصول على دعم نفسي بشكل دوري وحصلت على ما يفيد بأني أستطيع حماية أولادي ورعايتهم نفسياً وصحياً، وأن غياب الأب هو لعدم توفر وظيفة مناسبة في باريس، وأنه لا يتغيب عن الذهاب معه للجلسات العلاجية إهمالاً وأنه قادر على رعايتهم مادياً. مع متابعة دار الحماية للأطفال عن قرب والسؤال الدوري عنهم في المدارس والحصول على ما يفيد بتقدم طفلي في المدرسة العادية تقدماً ملحوظاً، توقف ذلك الضغط.
سبتمبر ٢٠١٧ هامبورغ – ألمانيا
يحتاج ابني من جديد للالتحاق بمركز التوحد بالمدينة، لا يقوم التأمين الصحي بتغطية تكاليف الجلسات، قامت هيئة حماية الأطفال بتقديم الدعم اللازم وتيسير الحصول على موعد سريع لتلك الجلسات. في الوقت ذاته تحصل تلك الهيئة من الجهات المختصة بعلاج ابني ومدرسته على ما يفيد بأن كل شيء على ما يرام، يجلسون معه بشكل منفرد ويقومون بزيارة المنزل ورؤية حجرته مرتين سنوياً للتأكد من أنه يحصل على كل الدعم اللازم، وتقديم النصح في بعض النقاط.
من تجربتي في أكثر من بلد مع هيئة حماية الطفل ومن تعاملي المتكرر معهم في مواقف مختلفة إيجابية وسلبية، يمكننا رؤية أن دور تلك المؤسسات واضح ومن خلال محورين أساسيين:
المحور الأول: هو تقديم الدعم اللازم لمساعدة الأطفال والمراهقين على النمو النفسي والصحي بشكل طبيعي وآمن، وذلك من خلال تقديم استشارات أسرية في حالة وجود مشكلة في تربية الأطفال أو الحاجة إلى نصائح خاصة بالتربية، وفي بعض الأوقات وخصوصاً فترة المراهقة، وفي حالة وجود مشاكل بين الوالدين والمراهق لسوء سلوكه ومقابلته صعوبات مختلفة كنتيجة لتلك المرحلة التي يكثر فيها الشد والجذب، يمكنها أن توفر مربياً أو شخصاً متخصصاً يقوم بمتابعة الطفل وزيارته منزلياً والعمل على تقويم السلوك الذي يسبب مشكلة له وللآخرين.
المحور الثاني: هو حماية الطفل من التعرض لسوء معاملة أو عنف جسدي أو جنسي أياً كان مصدره، وأيضاً ضمان نمو الطفل بشكلٍ صحي فلا يبقى جائعاً مثلاً نتيجة لبخل أو فقر من أسرته. أيضاً من واجبات تلك المؤسسات التأكد من أن الطفل ينال حق التعليم، فالأغلب في حال رؤية الطفل دون سبب مصاباً أو يبدو عليه آثار عنف تتدخل الهيئة فوراً بسحب الطفل ووضعه في مكان آمن حتى يتم التحقيق بشأن ذلك. ويتخذون إجراءات احترازية منها منع الأسرة الأصلية من التواصل مع الطفل ومنطقهم في ذلك تأثيرها السلبي على الطفل.
وأخيراً، من المؤكد أن تلك المؤسسات لم تنشأ من أجل خطف أطفال المسلمين أو الضغط على تلك الأسر لتغيير ثقافتها، في ألمانيا على سبيل المثال أنشِئت تلك المؤسسة في ١٩٢٢ ثم اتخذت شكلها الحالي في أوائل التسعينات. لكن من المؤكد أيضاً وجود بعض حالات تشدد أو مبالغة من تلك المؤسسة، خصوصاً مع الأسر القادمة من الشرق الأوسط، ولكن وجود تلك الحالات هو حالات تظل فردية وليس اتجاهاً للدولة.
نصائح للأسر المقيمة في أوروبا
ما أنصح به أي أسرة أجنبية بعد تجربتي هو احترام قوانين البلد وعدم استخدام العنف الجسدي مطلقاً مع أطفالهم كوسيلة للعقاب أو التربية:
- تعلم لغة البلد يجنب الوالدين التعرض لسوء الفهم ويساعدهم على متابعة أطفالهم عن قرب في المدرسة دون وسيط، والحصول على الدعم المناسب.
- الحفاظ على المواعيد الطبية للأولاد وخصوصاً الفحوصات الطبية الدورية وكشف الأسنان.
- الاهتمام بمظهر الأطفال أثناء ذهابهم إلى المدرسة، وتجنب تكرار ذهابهم بأدوات مدرسية ناقصة أو دون طعام.
- وجود طبيب نفسي متخصص متفهم لثقافتنا تستمد منه الأسرة دعماً نفسياً ونصائح خاصة بأطفالها.
بشكل شخصي عندما أتخذ قراراً مثل البدء في تدريب الأولاد على البقاء بمفردهم في المنزل أو تدريبهم على استخدام المواصلات العامة أو الذهاب بمفردهم إلى المدرسة، أطلب رأي الطبيب الخاص بهم ويكون مسؤولاً إذا حدثت لا قدر الله أي مشكلة أو بلاغ إهمال بحقنا، بكتابة ما يفيد بأن ذلك غير صحيح.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.