يحكي الفيلم الأمريكي "ماري بوبينز" عن أطفال عائلة السيد بانك الإنجليزي الحازم شديد الصرامة، والذي باءت جلّ محاولاته بالفشل للمحافظة على مربية صارمة لأطفاله دائمي الهروب واللعب بعيداً عن المنزل.
لما ترك الأطفال المنزل وهم يطاردون طائرتهم الورقية، أبلغ والدهم الشرطة علي الفور واستطاع الشرطي إعادتهم للمنزل، وهنا قام الأب بنشر إعلان في الجريدة المحلية للبحث عن مربية للأولاد، فهو دائم الانشغال في عمله، وكذلك الأم فهي من سيدات المجتمع، جل وقتها منشغلة بالأعمال التطوعية والأنشطة الخبرية وليست متفرغة بالكامل لرعاية الطفلين.
فطلب الطفلان من والديهما أن يكتبا الإعلان، وكتبا في الإعلان أنهما يريدان مربية خفيفة الظل تشاركهما الألعاب، وتحكي لهما القصص، وتصحبهما للنزهات وتعطيهما الحلوى والسكاكر ولا تعاقبهما أبداً، فاستشاط الأب غضباً من إعلانهما الرث والمخالف لكل ما يريد، ومزق ما كتبه الطفلان إرباً، ثم ألقى بقصاصات الورق في سلة المهملات، ثم طارت القصاصات بفعل الريح لتصل لماري بوبينز المربية الجديدة.
ثم كتب الأب إعلاناً آخر ونشره بالجريدة، وعلى إثر ذاك الإعلان أتت العشرات من المربيات ذوات الطبع الغاضب والوجه العابس في اليوم التالي للتقدم للوظيفة، وما إن حلت ماري بوبينز حتى تطايرت المربيات يمنة ويسرة في كل مكان بفعل الريح السحرية، ليتم تعيين ماري بوبينز كمربية للأطفال بعد أن أبهرتهم بألعابها السحرية وحقيبتها الذكية التي حملت فيها كل شيء حتى الأثاث، رغم أن الحقيبة ذات حجم صغير ويراها الأطفال خاوية، لكن ماري بألعابها علمتهم أول دروس الحياة، وهي ألا يحكموا على الأشياء بظاهرها.
علَّمت الطفلين أيضاً أهمية التعاون بالمنزل، وضرورة الترابط بينهما وبين الأبوين، وفي نهاية الفيلم ترحل عنهما المربية المرحة بعدما وصل للطفلين أنه لا يمكن للمرء أن يحب شخصاً ويثق به أكثر من أبويه حتى لو انشغلا، حتى لو كانا على خلاف مع أبنائهما، حتى لو تملك منهما الغضب.
كانت تدير الأعمال المنزلية معهما باللعب وليس بالأوامر، وكانت تقوم بمساعدتهما وليس خدمتهما، كل فرد عليه جزء من المهام وعليهم القيام بها معاً، وكانت صارمة بود، تحضر الكعك والشاي واللبن وتضعه أمامهما على الطاولة ثم تطلب من الصغير أن يضع اللبن في الكوب لنفسه، تريه كيف يفعل الشيء ثم تتركه يعيده وحده أمامها.
وهذا واجب المربي، المربي الحق وبحق هو من يعلم أطفاله المهارات الحياتية ليستطيعوا الحياة مستقلين لا معتمدين. النصح من أرخص الأشياء التي يمكن أن يقدمها الشخص لغيره، والكلام أسهل بكثير من الفعل، لكن علينا أن نتذكر دوماً أننا كأمهات وآباء راحلون، لا نريد لأبناءنا الشقاء بعدنا. هذه هي الرسالة التي علينا أن نبدع في تقديمها لهم.
بالتأكيد بعد كورونا، وبعد أن أصبحت الدراسة في معظم البلدان من المنازل، صار الأمر غاية في الصعوبة على الأسر وخصوصاً الأمهات بحكم أنهن من يتابعن أخبار الدراسة والمدرسة والمدرسين.
منذ بدأت جائحة كورونا وصار الحمل ثقيلاً جداً على عاتق الأمهات، فبالإضافة إلى الأعمال المنزلية إن كنتِ ربة منزل، والجهد المضاعف إن كنت سيدة عاملة، أضيفت أيضا مهمة التدريس والتي بالتأكيد ليست نقطة قوة لدى الأمهات.
لقد حبا الله المرأة التحلي بالصبر والليونة وطول البال لتصبر على الحمل والرضاعة والتغيرات الهرمونية في كل مراحل حياتها منذ نعومة أظافرها وحتى الشيخوخة حيث مشاكل انقطاع الطمث وما يصاحبها من الهبات الساخنة ثم فترة اليأس… المرأة كائن قوي بطبيعته وقوته من نوع خاص، ومع كل هذا، المرأة كيان يعمل بلا انقطاع ويطحن بلا هوادة، ويستنزف بلا رحمة، ولا يُعطى حقه بالمرة.
فلتضعي تلك النقاط نصب عينيكِ:
– أنت أم ولست مدرسة.
– نحن نبذل الجهد ولكل مجتهد نصيب.
– النتائج ليست دائماً دليلاً على القدرات الحقيقية ولكن علينا السعي على أي حال.
– لا تتمادي في التظاهر بالقوة نحن بشر وهذه فترة صعبة، فلكل جواد كبوة.
– لن أقول لك خذي قسطاً من الراحة، الراحة قد تكون في كوب من الشاي أو فيلم كوميدي أو حلقة درس ديني تزهر روحك.
– قدِّري نفسك، لا تأكلي بقايا الطعام ، املئي أفضل أكوابك بمشروبك المفضل وتناولي الطعام في أفضل أكوابك.
– كوني مبدعة، لو تحبين الثياب والحلي البسي أطيب ثيابك في بيتك، أو اطهِي طعامك المفضل كمكافأة لنفسك أو ارسمي لوحتك بألوانك المفضلة. بيديك تصنعين سعادتك، لا تنتظري أن تأتي إليك السعادة، اصنعيها أنت ولو حتى سعادة مؤقتة.
– احرصي على الإنجازات الصغيرة، كرواية لكاتبك المفضل، أو مشوار أجلته أو بعض الباوندات تخسرينها، أو حتى منشور ساخر يرسم البسمة على شفاهك أنت ومن تحبين مشاركتهم.
– أنت سلعة الله الغالية، لولاك ما قام بيت، ولا صلح حال، كوني قوية واستعصمي بالله واسأليه العون والسداد.
– هناك دائماً متسع من الوقت، دائماً تستطيعين تعويض ما فاتك بأي وقت.
– اجعلي جدول المهام صغيراً قدر المستطاع، وهذا عن قصد وحينما تحققين ما خططتِ له في يومك، زيدي من المهام تباعاً، إحساس الإنجاز ينعش كيمياء المخ بهرمونات السعادة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.