في العاشر من ديسمبر/كانون الأول، حُكِم على رؤساء وزراء الجزائر السابقين أحمد أويحيى وعبدالمالك سلال بالسجن 15 عاماً و12 عاماً على الترتيب. في حين حُكِمَ على آخرين، من بينهم وزراء الصناعة يوسف يوسفي ومحجوب بدة، بالسجن لعشر سنوات. إلى جانب العديد من رجال الأعمال، ومنهم علي حدّاد وحسن عرباوي.
وقبل أيامٍ قليلة، أُجرِيَت أول مناظرةٍ انتخابية مُتلفزة على الإطلاق بين خمسة مُرشّحين -جميعهم من فلول عهد بوتفليقة- في الجزائر يوم السادس من ديسمبر/كانون الأول. وهو نفس يوم احتشاد المُحتجين في مسيرة الجمعة الأخيرة قبل الانتخابات المُقرّرة اليوم الخميس 12 ديسمبر/كانون الأول.
القيادة السياسية-العسكرية
وتُعَدُّ تلك المحاكمات و"المناظرة التاريخية" المزعومة بمثابة حفلةٍ تنكرية، لذا لم تنطل الحيلة على الكثير من الجزائريين.
إذ كانت القيادة السياسية-العسكرية تُجرّب كافة أنواع الحيل لإقناع الناس بأنّ الانتخابات هي السبيل الوحيد للمضي قُدُماً، وأنّ مقاطعة التصويت ستُشكّل تهديداً لاستقرار البلاد التي قد "تدخل في نفقٍ مُظلم من الفراغ الدستوري"، بحسب رئيس الأركان أحمد جيد صلاح.
ورغم أنّ الانتخابات الرئاسية ستُعقد في موعدها المُحدّد دون أدنى شك -بعد أن انطلقت فعلياً في الخارج-، لكن لا تزال هناك أسئلةٌ مطروحة حول الكيفية التي سيُدير بها النظام أزمته المُتواصلة مع الشرعية. أو بعبارةٍ أخرى، ما هي خطوة النظام التالية في مواجهة التعبئة السلمية والضخمة التي لا تُبدي أي علاماتٍ على التراجع؟
يُواجه النظام اليوم ثلاثة خيارات. إذ يُمكنه أن يُواصل تجاهل مطلب الشعب، والاعتماد على إرهاق الحركة، أو يُمكنه أن يستخدم التدابير القسرية ويقمع المُحتجين بصرامة. ومؤخراً، بدأت الأجهزة الأمنية في القبض على الكثير من نشطاء المُعارضة والشخصيات السياسية، كما فرّقت الشرطة المُتظاهرين بعنفٍ عشية الانتخابات.
والخيار الثالث سيكون بدء عملية المفاوضات مع الحركة الاحتجاجية، بمُجرّد انتخاب رئيسٍ جديد. وهذه الخطوة من شأنها أن تسمح للقيادة السياسية-العسكرية بخلق قدرٍ يسير من الشرعية للرئيس الذي سيكون مُفتقراً إليها، كما ستُجنّبها القمع العنيف الذي قد يدفع البلاد إلى دائرةٍ من العنف.
عقدٌ اجتماعي جديد
ومع ذلك، فإنّ أيّ محاولات للتفاوض مع الحركة الاحتجاجية ستُواجه عقبةً كبيرة: ألا وهي الفجوة الهائلة بين المُحتجين وبين قادتهم. إذ يُطالب المُحتجون بالحرية والتحرّر والمساواة والكرامة، في حين تُؤمن القيادة السياسية-العسكرية تحت إمرة جيد صلاح بأنّ الانتخابات هي الحل الوحيد والدليل النهائي على وجود الديمقراطية.
ويجب أن يُفهَم رفض الجزائريين للانتخابات الرئاسية على أنّه نابعٌ من رغبتهم في إعادة كتابة العقد الاجتماعي، الذي رسّخ طغيان الأقوياء والأغنياء.
لكن هذه الحاجة لا تعني بالضرورة أنّ الانتخابات لن تحظى بمشاركةٍ شعبية. ففي ظل الظروف الحالية، لا يزال في مقدور النظام أن يعتمد على مؤسسات الدولة وإداراتها لجذب الناخبين.
إذ يتمتّع النظام بقاعدته الاجتماعية بين بقايا جبهة التحرير الوطني، وتوأمها التجمّع الوطني الديمقراطي. فرغم قصورها، لكن تلك الأحزاب لا تزال تمتلك قدرةً مُتواضعة على حشد الأنصار في يوم الانتخابات. علاوةً على أنّ بعض الناس سيُصوّتون لأنّهم مُقتنعون بأنّ التصويت سيحُلّ مشكلة الجمود السياسي.
وأوضحت ناخبةٌ في أوائل الأربعينيات، تعمل في شركة اتصالات الجزائر، خلال حديثها إلى موقع Middle East Eye: "لا نستطيع أن نُواصل الحياة بهذا النسق إلى الأبد. أنا أدعم الحراك، وأتظاهر كل جُمعة، لكن من المُستحيل أن يستمر ذلك. سأُصوّت لأنّني أرغب في وضعٍ حدٍ للموقف الحالي، وأؤمن بأنّ الرئيس الجديد سيتفاوض معنا.. وفي حال لم يفعل ذلك؛ فسنعود إلى الشوارع دون شك".
وفضلاً عن ذلك، لا يزال النظام قادراً على إقناع الكثير من الجزائريين بأنّ مؤامرة "الأيدي الأجنبية" ضد الجزائر هي المسؤولة عن ما يحدث في البلاد.
إذ شرح ناخبٌ آخر، وهو مُدرّسٌ مُتقاعد: "هذا حقيقيٌ بالطبع. لا يرغب أحدٌ في المنطقة أن تكون الجزائر دولة قوية، خاصةً الفرنسيين والمغاربة. جميعهم يتآمرون ضدنا.. لقد شاهدت على الإنترنت الكثير من الأشياء التي تحمل أدلةً على أنّ لهم يداً في هذه الفوضى، بمُساعدة الجزائريين الخونة".
وأطلق النظام العديد من الحملات الإعلامية وعبر الشبكات الاجتماعية، مثل تكتيكات إثارة الخوف والمسيرات المُنظمة المُؤيدة للانتخابات، من أجل تأليب الناس ضد بعضهم البعض.
وكانت تلك التُظاهرات المُؤيدة للانتخابات أكثر تواتراً وأهميةً من تلك المُناهضة للتصويت، بحسب رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي.
غياب الشفافية
لا شكّ أنّ هذه الانتخابات تفتقر إلى الشفافية، ولكن لا تزال هناك بطاقتان ستُحدّدان الرابح في هذه اللعبة: أولّهما هو إقبال الناخبين. إذ من المتوقع أن يكون الإقبال ضعيفاً، ولكن إلى أيّ حد؟
ولا توجد استطلاعاتٌ عامة لآراء الجمهور في الجزائر، من أجل تقييم نسبة المُشاركة المُتوقّعة. لكن الامتناع عن التصويت كان بمثابة القوة التي استخدمها الجزائريون طوال سنوات للمقاومة وإظهار عدم رضاهم عن قادتهم، كما تبيّن في انتخاباتٍ أخرى.
وفي بلدٍ يُعاني أزمة شرعيةٍ عميقة؛ فإنّ ضعف إقبال الناخبين سيزيد تقويض الرئيس الذي يُعاني شرعيةً هشّةً بالفعل.
والمُتغيّر الثاني هو الوضع الأمني. إذ تزايدت التوتّرات على مدار الأيام القليلة الماضية، بعد أن انتقل الجزائريون إلى أشكالٍ جديدة من المقاومة، مثل بناء الحوائط حول مراكز الاقتراع لمنع الناخبين من الوصول إليها خلال يوم الانتخابات، أو حرق صناديق الاقتراع في الأماكن العامة.
وعلى الجانب الآخر، بدأت قوات الأمن في اعتقال النشطاء والصُحفيين وكُتّاب الأعمدة والشخصيات السياسية. وفي يوم الثلاثاء العاشر من ديسمبر/كانون الأول، فضّت الشرطة تظاهرةً طلابية بقسوة.
ولكن لا يزال هناك أمرٌ واحد مؤكّد: في الـ13 من ديسمبر/كانون الأول، سيكون للجزائر رئيسٌ جديد.
والرئيس الذي لا يتمتّع بشرعيةٍ شعبية لن يُمثّل انفصالاً واضحاً عن النظام البائد، وسيكون نظاماً يُواصل الجيش التدخّل فيه سياسياً، ليزيد إحكام قبضته على السلطة.
– هذا الموضوع مُترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.