يستحضر الجزائريون، السبت 13 فبراير/شباط 2016، الذكرى الـ56 للتجارب النووية الفرنسية بالصحراء الكبرى، وهي من أبشع الجرائم التي ارتكبتها حكومة الجنرال شارل ديغول ضد الإنسان والبيئة عام 1960 بمنطقة "رقان" جنوب غربي الجزائر.
التجارب النووية لا تزال تأثيراتها السلبية متواصلة على الشعب الجزائري رغم مرور أكثر من نصف قرن عليها، خاصة القاطنين بمنطقة "الحامدية" بمدينة رقان موقع التفجير، وحتى البعيدين عن المنطقة بعشرات الكيلومترات.
ويطالب هؤلاء فرنسا بالاعتراف بجرائمها وتعويض الضحايا الذين عانوا من أمراض عديدة بسبب تلك التفجيرات.
أفظع من هيروشيما
أطلق الفرنسيون على أول تجربة نووية لهم اسم "اليربوع الأزرق"، ويقول الباحث في التاريخ الجزائري بلال بارة لـ"عربي بوست"، إن تفجيرات رقان تعد الأبشع على الإطلاق في تاريخ البشرية.
وحسب بلال، فإن كثيرين كانوا يعتبرون تفجيرات هيروشيما باليابان الأسوأ في تاريخ العمليات النووية، لكن ما لا يعلمه هؤلاء هو أن فرنسا ألقت أكثر من 60 ألف طن من المتفجرات في ظرف 24 ساعة على أراضٍ جزائرية عام 1960.
ويضيف الباحث بلال بارة: "المعلومات التاريخية تؤكد أن فرنسا حينها أرادت اختبار قوتها النووية، حيث فجرت 4 قنابل نووية في وقت واحد على بعد 50 كلم جنوب مدينة رقان بأدرار، تلتها تفجيرات أخرى بأقصى الجنوب، وهي أقل حدة".
وما يؤكد – بحسب بارة – قوة التفجير هو "تصريحات لشهود عيان حينها أكدوا رؤية إشعاعات التفجير على بعد 650 كلم، أي بالمناطق الغربية لولاية بشار، التي لايزال سكانها يعانون من آثار التفجير إلى يومنا هذا".
لماذا تلك التفجيرات؟
فرنسا خلال تجاربها النووية بالجنوب الجزائري لم تكتفِ بالتفجير فحسب، "بل حولت الجزائريين حينها إلى فئران تجارب لاختبار مدى تأثير الإشعاعات النووية على الإنسان".
وأكد ذلك المؤرخ بلال بارة قائلاً إن الاستعمار الفرنسي قام حينها قام باقتياد 150 أسيراً كانوا في سجون ولاية سيدي بلعباس إلى منطقة رقان، وتركهم هناك لحظة التفجير للتأكد من فعالية الإشعاعات النووية.
نفس المعلومة يؤكدها المؤرخ الجزائري الدكتور كمال لوصيف، في تصريح لـ"عربي بوست" قائلاً: "إن فرنسا حينها قامت بتجريب مدى تأثير إشعاعات التفجيرات النووية بالجنوب على عشرات الأسرى الذين كانوا في سجونها بشمال الوطن".
ويضيف أنها لم تكتفِ بذلك، بل قامت بنقل أسرى آخرين بعد التفجيرات بنحو شهر من أجل تنظيف المحيط من بقايا التفجيرات التي كانت أرض جو في ذلك الوقت.
الشهود تحولوا إلى ضحايا
يقول محمد شنافي، أحد المشاركين في عملية تنظيف محيط التفجير في 27 فبراير/شباط 1960، إنه تم اقتياده بعد أيام من التفجير برفقة معتقلين آخرين لدى سلطات الاستعمار الفرنسي إلى مكان التفجير من أجل تنظيفه.
ويضيف في تصريح لـ"عربي بوست" أنه بعد اقتيادهم، تم إجبارهم على التوقيع على تعهدات بعدم التلفظ بأي تصريح حول ما وجدوه هناك.
ويضيف: "وجدنا مجسّمات سوداء، وشظايا كالمسامير بأحجام مختلفة، بعضها صغير الحجم لكنه ثقيل الوزن، إضافة إلى مادة تشبه الألومنيوم بشكل لولبي".
ورغم أنه لم يتأثر بالإشعاعات النووية، إلا أن غالبية الذين كانوا برفقة شنافي عانوا بعدها من أعراض مرضية غريبة، كما أن أحدهم، يُدعى جمال شاوش، توفي بعد أيام فقط نتيجة ذلك.
ويفيد بأنه كان يعرف شخصاً يُدعى عمار بوجلال بلقاسم، لم يشارك في عمليات التنظيف، لكنه اشتغل لدى الجيش الجزائري بعد الاستقلال بمنطقة قريبة من رقان، أصيب بالسرطان بسبب تلك الإشعاعات رغم مرور سنوات عليها، "وهو اليوم بين الحياة والموت".
أنقذوا ما تبقى
وتطالب "جمعية ضحايا تفجيرات رقان" السلطات الجزائرية بالتدخل وإنقاذ ما يمكن إنقاذه فيما تبقى من آثار الفاجعة النووية الفرنسية بالجنوب الجزائري.
ويقول رئيس الجمعية عبدالسلام عيسى إن الجزائر مطالبة بالتكفل بجميع حالات السرطانات والتشوّهات الخلقية بسبب تلك التفجيرات من خلال فتح المستشفيات بالمجان ودعم العائلات بشأن اقتناء الأدوية والسفر للعلاج.
ويؤكد في حديث لـ"عربي بوست" أن الجمعية تسجل كل شهر أعراضاً مرضية جديدة، أغلبها تكون سرطانات.
كما تطالب الجزائر باستمرار الحكومة الفرنسية بالاعتراف بجرائمها، وتعويض ضحايا حربها في الجزائر بشكل عام، وضحايا التجارب النووية خاصة.
وكانت أنيسة بن إبراهيم، المؤرخة الجزائرية والمحامية المتخصصة في القضية، قد صرحت للإذاعة الجزائرية في وقت سابق بأن التفجير ليس فقط جريمة ضد الإنسانية، "بل ضد البيئة كلها، سواء الماء والحيوان وحتى الغطاء النباتي الذي يبقى منعدماً إلى يومنا هذا"، كما قالت.
وطالبت بتضافر الجهود من أجل تنظيف الأماكن وإعادة الحياة إلى ما كانت عليه قبل التفجيرات.
نريد اعترافاً
وتعود ذكرى التفجيرات – بحسب عبدالله جاب الله رئيس جبهة العدالة والتنمية المعارضة بالجزائر – إلى ما سمّاه "مهزلة الزيارات المتكررة لرؤساء بلديات باريس"، حيث في كل زيارة "ينتظر الشعب الجزائري كلمة اعتراف بالجرائم لكن ذلك ما لم يحدث".
وقال جاب الله: "لا نريد زيارات المجاملة التي يقومه بها الفرنسيون للجزائر، فأغلبها تأتي في ذكرى جرائم حربية فرنسية بالجزائر، بل نريد الاعتراف بالجرائم الحربية الفرنسية".
ويزيد بأن "هذا لا يكفي، بل لابد من تعويض ضحايا حرب التحرير، والاعتناء بضحايا هذه التفجيرات في جنوب البلاد".