هل نحن مطالبون بالنتيجة أم بالعمل في الفكر الإسلامي؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/06/27 الساعة 10:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/06/27 الساعة 10:34 بتوقيت غرينتش

يرتبط الإنسان بحكم تركيبته الجبلية بالنتائج الواقعية التي يسعى إلى تحقيقها كما يصاب بكثير من الإحباط في حالة عدم تحقيق مقاصده، والمؤسسات والشركات أيضا تدور في نفس الفلك حتى المؤسسات غير الربحية تضع لنفسها أهدافاً وتبحث عن الإنتاجية.

 ضمن هذه المعاني سوف نسعى إلى التعامل مع هذه الأفكار انطلاقاً من فكرنا الإسلامي، فهل نحن مطالبون بالنتيجة أم مطالبون بالإنتاج والعمل؟

تنطلق الفكرة الإسلامية من ثلاثة أسس يتفرع منها الكثير من المعاني:

أولاً: الانطلاق والمبادرة والإقدام، يقول المولى عزّ وجل: 

{وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ}

فالاية تطالب المؤمنين بالعمل الصالح بالعموم والعمل الصالح في الإسلام يتسع ليشمل كل عمل إذا كان لله وحده.
وقوله سبحانه: { یَـٰۤأَیُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُوا۟ مِنَ ٱلطَّیِّبَـٰتِ وَٱعۡمَلُوا۟ صَـٰلِحًاۖ إِنِّی بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِیم}.

وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا يقوم حتى يَغرِسَها، فليفعل))، رواه الإمام أحمد. 

وهذه إشارة واضحة إلى فلسفة الرسول صلى الله عليه وسلم والفكر الإسلامي؛ حيث ينظر إلى العمل بذاته غير منتظر النتائج، فالنتائج في هذه الحالة محسومة بأنها سلبية، أي فائدة أو هدف يرجى من زرع فسيلة والقيامة قائمة أو تكاد؟!

ثانياً: أن تكون الأعمال منضبطة بمنظومتنا القيمية 

فالله طيب لا يقبل إلا طيباً، والغاية في الإسلام لا تبرر الوسيلة، فيجب ضبط الغاية كما الوسيلة.

ثالثاً: ارتباط الدارين معاً فأحد أهم أسس الفكر الإسلامي أننا نحيا في الدنيا التي سوف نرى انعكاساتها في الآخرة، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَا یُنفِقُونَ نَفَقَة صَغِیرَة وَلَا كَبِیرَة وَلَا یَقۡطَعُونَ وَادِیاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمۡ لِیَجۡزِیَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ}.

كما يقول سبحانه: {فَلَمَّاۤ أَنجَىٰهُمۡ إِذَا هُمۡ یَبۡغُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّۗ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغۡیُكُمۡ عَلَىٰۤ أَنفُسِكُمۖ مَّتَـٰعَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ ثُمَّ إِلَیۡنَا مَرۡجِعُكُمۡ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ}.

وهذا ما يعكس مفهوم العدل المطلق المستتر فيما قد يراه الإنسان ظلماً أو لا يستطيع فهم  أسباب حدوثه.

وبالنظر إلى الحضارات الغربية المعاصرة نرى أن أي انتاج لا بد أن يكون مربوطاً بالإنتاجية وتحقيق الأهداف وكل جهد لا يأتي بنتيجة هي مقصودة عند فاعله، هو إهدار للوقت والإمكانيات. 

ولا يوجد أي منظومة قيمية تحكم التصرفات. فالوسائل كلها متاحة طالما عرف كيفية التعامل مع قوانين الأنظمة الحاكمة .

أما النظر إلى الآخرة فمعدوم إن كان عن خلفية الاعتقاد الإلحادي أو من خلفية النظرة المسيحية التي تؤمن بفكرة المخلص.

نتائج وفوائد نظرتنا الإسلامية:

– عدم السماح لليأس أن يتسرب إلى شباب الأمة. 

– الاجتهاد الدائم ضمن مساحة الفرص المتاحة. 

– النظر إلى المآلات البعيدة، فالأمور مرتبطة بالدار الآخرة ليس فقط بالوقت القصير الذي نعيش.

والمؤسسات الإسلامية تتفاعل ضمن هذه الأفكار. ويضاف إلى ذلك قول الله سبحانه: {فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّ فَإِمَّا نُرِیَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِی نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّیَنَّكَ فَإِلَیۡنَا یُرۡجَعُونَ}، والخطاب بالأصل موجه للرسول، ولكنها قاعدة تظلل كل العاملين في حقل استنهاض الأمة. فالأمر أمر بالصبر والنتيجة إما ترى أو يرى بعضها أو لا يرى منها شيئاً بالنهاية كلنا لله راجعون.
وقد يخيل أني بهذا الكلام أنظر لفكرة التراخي والتساهل في العمل والتخطيط والتنظيم والإدارة والعمل الدؤوب، وهذا قطعاً غير مقصود والله سبحانه يقول: {لَّا یَسۡتَوِی ٱلۡقَـٰعِدُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ غَیۡرُ أُو۟لِی ٱلضَّرَرِ وَٱلۡمُجَـٰهِدُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَ ٰ⁠لِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۚ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَـٰهِدِینَ بِأَمۡوَ ٰ⁠لِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ عَلَى ٱلۡقَـٰعِدِینَ دَرَجَة وَكُلّاً وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَـٰهِدِینَ عَلَى ٱلۡقَـٰعِدِینَ أَجۡرًا عَظِیماً}.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net


مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
وجدي علي
مهندس وباحث
مهندس وباحث
تحميل المزيد