يمكن أن نعبّر عن الحب لِحفظ المودة، أو عن الرحمة لِجبر الخواطر، أو نتعامل بِأدب تقتضيه اللياقة، وكلها سلوكيات لا تُعبِّر بالضرورة عن مَشاعِر صادقة.
لكن الكراهية، هي وحدها شعور صادق نابع من قسوة في القلب، ويكشف عنها الإسراف في القتل ودَمَوِيَةٌ نائمة أيقظتها مشاعر الكراهية، لكن الدم لا ينام.
وإن الدماء والدموع التي تسيل في غزة، ستبقى حية في ضمير الإنسانية، ودَيْناً على رقبتها، حتى يأخذ العدل معناه، والقصاص مجراه.
وإن البشرية مدينة لطوفان الأقصى بأنه كان زلزالاً أخرج لنا براكين الكراهية والحقد وكان سبَّاقاً في الكشف عن كيان اجتمعت فيه كل الشرور. ورؤية مشاهد السقوط الأخلاقي وموت الضمير عند الغرب.
إنه زمن الكراهية واحتضار القيم الإنسانية.
وفي "زمن الكراهية"، بَيّنَت المقاومة بالمقابل القيم الروحية والأخلاقية في القتال، و"معاني الرحمة" في معاملة الأسرى، وقدم الشعب الفلسطيني أسطورة في الصمود والتضحية، وأثبت أنه الحاضنة القوية والوفية، وأنه صاحب القضية.
إن الإنسان الفلسطيني يتجاوز الحدود الجغرافية، وصار هو ورجل العالم، الحامل للقيم الإنسانية التي تُحدِّد "الزمن الأخلاقي" الذي عبَّر عنه المفكر "طه عبد الرحمان"، إنه "الزمن الأخلاقي"، الذي يفصل بين زمنين:
"زمن الكراهية" التي جُمعت في الرجل الإسرائيلي، و"زمن الرحمة" التي جُمعت في الرجل "الفلسطيني".
وإننا ونحن نستقبل شهر رمضان، على غير العادة، بعيداً عن الدراما والكوميديا التمثيلية، ولكن بأصدق مشاعر الرحمة والحب والتكافل، حيث يتقاسم الناس الجوع والموت بالسوية، وبأصدق مشاعر الكراهية: في"الدراما" الحية، مع مشاهد القتل البطيء من الجوع، و"الكوميديا" مع مشاهد الذلة للطائرات الأمريكية، وهي ترمي الأغذية.
ونعيش أيضاً مع أفلام البطولة والشرف، في ميدان المفاوضات الحقيقية من المسافة صفر، التي تنتهي بمشاهد العزة لطائرات الكيان وهي تنزل لنقل الجثامين.
وتعترف أقوى دولة في العالم بضعفها، إذا كانت القوة تعني الرحمة للفلسطينيين، في زمن الكراهية. وعن عجزها إذا كان هذا العجز أمام الكيان، الذي يجتمع فيه الغباء مع المكابرة، يدفع الاحتلال بجنوده إلى مصيدة الحرب البرية. ليتسنى للمقاومة أن تمسك بطرف الحبل، وتقرر أن ما لا يستطيع الكيان نيله في أرض المعركة، لن يناله بمفاوضات الاستجداء، التي تنتهي بتراخي الرفض والتنازل دائماً.
إننا حين نتكلم عن هذه القيم الإنسانية، فليس هذا بدعاً في حياة الأمة أثناء التغيرات الكبرى، ونحن لسنا أمام نزاع أو حرب حدود، وإنما هو فتح وحرب وجود، يُذكرنا بالفتح الصلاحي للقدس.
فلقد شكل صلاح الدين الأيوبي، والذي تمر بنا ذكرى وفاته، أكبر أسطورة في العقل الجمعي للأوروبيين، ليس كرجل عسكري فذ، ولكن بسبب الطابع الإنساني في سيرته، وتمكنه من غزو قلوب أعدائه.
وعاش حياته وسط الحروب، لكنه كان رجل سلم ومحبة، رقيق الطبع، لين الجانب، رحيم الفؤاد، يكره الدماء، وكان يقول لأحد أبنائه:"إياك وسفك الدماء فإن الدم لا ينام".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.