تسببت الخلافات السياسية والتدخلات الإسرائيلية في تعطيل استغلال السلطة الفلسطينية لحقل الغاز "غزة مارين"، والاستفادة من موارده، لا سيما أن تل أبيب تعمّدت إحباط أيّ محاولة لتطويره، لتجعل فلسطين تابعة لها بالكامل في مجال الطاقة. من شأن هذا المخزون الاستراتيجي من الغاز الطبيعي أن يُنهي مشكلة الطاقة المستعصية في قطاع غزة، إلا أن التدخلات الإسرائيلية والانقسام الفلسطيني الداخلي يقفان عقبة رئيسية أمام إمكانية استثمار هذه الثروة الطبيعية لسكان القطاع.
وكانت عملية استغلال واستثمار حقول الغاز في غزة من قبل السلطة الفلسطينية تعرضت لجملة من المعيقات السياسية والاقتصادية الإسرائيلية، وهو ما انتهى في حينه لتوقف المفاوضات بين الجانبين. وكان السبب الرئيسي في توقف تلك المفاوضات هو الخلاف بين الجانبين حول ضخ الغاز للموانئ الإسرائيلية عبر أنابيب بحرية وليس برية، وهو ما رفضه الفلسطينيون باعتباره يتيح السيطرة للجانب الإسرائيلي وليس لهم.
فقد أحيت إمدادات الغاز المكتشف، التي قُدِّرت مبدئياً بنحو 1.4 تريليون قدم مكعبة، آمالاً كبيرة لدى الفلسطينيين، الذين اعتقدوا آنذاك أنهم خطوا أولى خطواتهم نحو حلم استقلال الطاقة الفلسطينية، والاستغناء عن الإنفاق على الكهرباء والوقود المنزلي الذي يستوردونه من دولة الاحتلال، فالكمية المتوقعة تكفي لتلبية احتياجاتهم لمدة 15 سنة، مع وجود إمكانية لتصدير فائض الغاز، والاستفادة من العائدات المادية لذلك، كما أن الاستثمار المتعطل في حقول غاز غزة كان من المفترض أن يحقق نهضة حقيقية في كافة مناحي الحياة في الأراضي الفلسطينية، وخصوصاً في قطاع غزة، من خلال تحقيق عوائد مالية ضخمة تُسهم في حلّ الأزمات المالية التي تتعرض لها السلطة الوطنية الفلسطينية، والتخلص من الابتزاز المالي الإسرائيلي المستمر، والتحرر من الهيمنة الإسرائيلية على مصادر الطاقة في قطاع غزة والضفة الغربية.
فقد سعت إسرائيل وبكافة الطرق للسيطرة على كافة الموارد الفلسطينية، بما فيها غاز غزة، من أجل فرض سيطرتها وهيمنتها على القرارات الفلسطينية، وعدم وصول الفلسطينيين إلى مشاريع تنموية تُحررهم من التبعية الاقتصادية والمالية لـ"إسرائيل"، الأمر الذي جعلهم يستوردون ما نسبته 95% من الطاقة، كهرباء ووقود وغاز منزلي، من إسرائيل، بمتوسط فاتورة سنوية تتجاوز 1.4 مليار دولار. وبين كل هذه المحاولات ينتظر الفلسطينيون الفرج ببداية استغلال هذا الحقل، الذي يُنظر إليه على أنه فرصة ذهبية أمام السلطة الفلسطينية، التي تعاني شحاً في السيولة المالية للانضمام إلى المستفيدين من طفرة الغاز في البحر المتوسط، وهو ما يوفر لها مصدراً رئيسياً للدخل، لتقليص اعتمادها على المساعدات الأجنبية.
وحسبما أفاد صندوق الاستثمار الفلسطيني في تقرير له، فإن ما يمكن الاستفادة منه من غاز غزة سيوفر أكثر من 560 مليون دولار سنوياً في فاتورة الطاقة للسلطة الفلسطينية، وعائدات مباشرة تقارب 2.5 مليار دولار (ما يعادل 45% من موازنة السلطة السنوية) على مدى عمر المشروع الذي يصل إلى 20 عاماً للحقل، إلى جانب توقع فرص استثمار ضخمة في قطاع الطاقة لشركات توليد الطاقة المستقلة.
أمّا في حال استكمال المشروع فسيكون من الضروري البحث عن التداعيات السياسيّة لتحوّل قطاع غزّة إلى منطقة تنتج الغاز، وخصوصاً على مستوى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. كما سيكون على الفلسطينيين البحث في الخيارات الاقتصاديّة الأمثل لاستخدام عوائد تصدير الغاز، في ظل النزاع التاريخي القائم بين السلطة الفلسطينيّة وحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزّة. ومحاولة إسرائيل فرض التهدئة في قطاع غزّة من البوّابة الاقتصاديّة، عبر خلق مصالح ماليّة تدفع الفصائل الفلسطينيّة لتجنّب التصعيد الأمني في المنطقة.
فاعتماد الفلسطينيين على غاز حقل "مارين 1" لتوليد الكهرباء في القطاع، وعلى التدفقات الماليّة التي ستنتج من بيع إنتاج الغاز، سيعطي الفصائل الفلسطينيّة أسباباً لتفادي أي نزاع عسكري يمكن أن يؤثّر على عمليّات الاستثمار والإنتاج. وهذا ما يفسِّر إصرار إسرائيل على اشتراط وجود "ضمانات أمنيّة" بالتنسيق مع مصر، قبل الشروع بتطوير حقل "مارين 1". كما تبرز إشكاليّة الانقسام الحاصل بين السلطة الفلسطينيّة الموجودة في الضفّة الغربيّة، والتي تشرف على هذا الاستثمار، وحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزّة. إذ من شأن هذا الانقسام أن يعيق استفادة القطاع من غاز الحقل، أو من عائدات بيعه، خصوصاً إذا لم يتمكّن الطرفان من الوصول إلى تفاهمات حول هذه القضايا. مع الإشارة إلى أنّ حركة حماس أفادت بأنّها لم تشترك حتّى الآن في المباحثات المتعلّقة باستثمار حقل "مارين 1″، لكنّها تترقّب الفوائد التي يمكن أن يستفيد منها قطاع غزّة لاحقاً بفعل هذا الاستثمار.
كما يفترض أن تضع السلطة الفلسطينيّة خطّة لعلاقاتها الخارجيّة مع الدول الإقليميّة المؤثّرة، لتفرض على إسرائيل تقديم ضمانات تؤكّد القدرة على استكمال الاستثمار في هذا الحقل. في الوقت الذي تُصِر فيه إسرائيل على أن تضمن من خلال المشاركة المصرية التوصل إلى اتفاق لا تصل فيه أموال الغاز إلى حركة حماس، فيمكنها مثلاً إرسال الأموال إلى المؤسسات المدنية والسكان المحاصرين، الذين يبلغ عددهم 2.3 مليون نسمة، أو إيجاد حلول أخرى تُرضي جميع الأطراف. وحتى يتمكن الفلسطينيون من البدء في التنقيب واستخراج ثرواتهم الطبيعية البحرية والبرية والمشتركة منها مع الدول المجاورة، والتمكن من استغلالها والاستفادة منها، فلا بدّ من الاعتراف المسبق من قبل "إسرائيل" بالسيادة الفلسطينية الكاملة على هذه الثروات، وأن يتمّ التعاون المستقبلي بين الأطراف المختلفة على أساس الحقوق الوطنية بأنواعها كافة، وليس على أساس الاحتياج. فقد عرقلت "إسرائيل" خطط الإنتاج في الحقل، حيث منعت مدّ الأنابيب الخاصة بنقل الغاز، وكذلك بناء البنية التحتية لإيصال الغاز للمحطة، واشترطت نقله من خلال أنابيبها في خطة للسيطرة على الحقل، حيث اشترطت "إسرائيل" أن ينقل الغاز من الحقل إلى محطة تسييل الغاز في عسقلان، ليوزع من هناك إلى غزة والضفة، أو أي مكان آخر، إلا أن الشركة رفضت الخضوع للشروط الإسرائيلية.
كما أن القيمة النقدية المتوقعة لاحتياط الغاز الطبيعي الفلسطيني تعتمد على عدة عوامل، تشمل الكمية القابلة للاستخراج، وحجم الاستثمار في المشروع، وكلفة استخراجه ونقله، والأسعار العالمية للغاز، والإطار الزمني لعمر المشروع. وبذلك فإن أي أرقام بهذا الخصوص هي أرقام تقديرية، ومن الصعب تحديدها في هذه المرحلة قبل اعتماد خطط وبرامج تطوير المشروع، والدخول في اتفاقيات طويلة الأجل لبيع الغاز. ومع الأخذ بعين الاعتبار العوامل المختلفة، وأهمها كمية احتياطي الغاز وعملية التطوير، والضرائب المترتبة على العملية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.