تحركات دولية وإقليمية نشطة، خطط تسوية، أو حلول "تُلعلع" في التلفاز مزمجرةً بصوتها المُعبر عن مساراتٍ جديدة. يقرع الصوت أبواب أهالي شمالي سوريا، المتسائلين عن طبيعة هذه الخطط، وكينونة العقد الاجتماعي الجديد للعيش في تلك المنطقة.
بداية الحديث الإعلامي عن الخطط الجديدة تعود إلى تاريخ ٢٤ مايو ٢٠٢٣، حينما أشار وزير الخارجية التركية في حينها، مولود تشاووش أوغلو، إلى وجود خطة تم البدء بتنفيذها، تهدف إلى إنشاء وحدات سكنية في ٩ مناطق مُختلفة شمالي سوريا، بدعمٍ قطري، وبهدف توفير فرصة لعودة مليون سوري مُقيمين على الأراضي التركية، تحت بند "الحماية المؤقتة" إلى شمالي سوريا.
المادة ٩١ من قانون الأجانب والحماية المؤقتة التركي، الصادر عام ٢٠١٣، تُشير إلى أن استقبال ذوي الحاجة للحماية المؤقتة وإرجاعهم يرجع لتقدير رئيس الجمهورية، بإصداره قراراً إدارياً أو تعليماتٍ تنفيذية، شريطة أن يتم إرجاعهم لبيئة آمنة.
إقامة منطقة آمنة هدفٌ تركي يُنادي به الرئيس أردوغان منذ عام ٢٠١٤. هدف على الأرجح وجدته الدولة التركية الحلَّ الواقعي الأفضل أمام الأزمة السورية، التي بانت ملامح تعقيداتها منذ ذلك العام، والهدف ذاته بات حاجةً ماسةً لتأمين البيئة الآمنة التي ينص عليها قانون الحماية المؤقتة والمواثيق الأممية.
عقب السيطرة العسكرية التركية على عدة مناطق في شمالي سوريا، في منتصف عام ٢٠١٦ وما تلاه من توسيع للسيطرة، طُرحت عدة سيناريوهات حول مصير هذه السيطرة. والسيناريو الأرجح، وفق عوامل عدة تكمن في تأسيس هياكل حكم ذاتي تُحصن بقواعد تركية تبقى مُنتشرة ما بعد أوتوستراد حلب– دمشق حتى الحدود التركية، ويواكب ذلك دمج قوى المعارضة في إطارٍ موحد، يضمن لتركيا وجود شوكة جغرافية تتحرك عند عدول أحد الأطراف الدولية عما هو مرسوم.
معلومات موثوقة، ومن طرفٍ مُطلع، كشفت عن سعي سعودي جادّ، لتكون هناك قاعدة أو اثنتان إلى جانب قواعد مراقبة وضمانة تركية– روسية في مناطق الانتشار التشاركي، الواقعة بين معرة النعمان وكفرية، لكن طهران تُعارض بشدة، وبذلك تأمل الرياض بإظهار موسكو حزماً وأنقرة قبولاً.
فصائل أو قوى الجيش الوطني صفر على الشمال، مهمتها أن تكون "شوكة وظيفية" لتركيا كما سلف القول أعلاه.
تطبيق المعادلة على أرض الواقع معقد لمن يترقب الوضع ويتأمل فيه، وهذا طبيعي باعتبار وجود أطراف تنازعت مُعترك السيطرة على الجغرافيا سنوات وسنوات، لكن "لا عدو دائم" و"التوافق في سبيل تحقيق مصالح مُطلقة" عاملان يجمعان موسكو وأنقرة في إدلب، وعليه إذابة الجلود التقنية أمر وإن استغرق زمناً وشابه صعوبة، إلا أنه ليس مستحيل المنال.
همسات في غرف أستانة المُغلقة عبّرت عن وجود تعقيدات حقيقية في آلية تحقيق انتشار تشاركي يضم تركيا– روسيا– النظام السوري؛ حيث إن هناك إصراراً روسياً على الاستعجال بالحل، وإدخال النظام السوري وصولاً للحدود التركية، في خطوة عاجلة غير مؤجلة؛ لكن ذلك سيكون فرض أمر واقع تتروى أنقرة في رسمه في الوقت الحالي.
خلاصة القول: محادثات أستانة الأخيرة تحمل في طياتها إعداد عقد اجتماعي لسكان شمالي سوريا، ملمَحُه تأسيس حكم ذاتي يرتبط بالمؤسسات المدنية للنظام السوري، مع ضمانةٍ تركية– روسية وربما سعودية. هناك تعقيدات حول آليه تحقيق هذا الانتشار، وطبيعة النفوذ التركي في الشمال، وتوقيت دخول مؤسسات النظام المدني، مع تحديد طبيعة هذه المؤسسات، وغيرها كثير من النقاط التقنية التي تحتاج لأكثر من لقاء تقني لا يبدو وقوعه أمراً قريباً، حتى وإن استعجلت موسكو بإرسال رسائل عبر حشد الأرتال العسكرية في محيط إدلب وشمال حلب.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.